رأي

مسألة مستعجلة

وفاءً لفقيدَيْ العطاء الراحلين أولاد  العطا

أفسح المجال اليوم لمربي الأجيال الأستاذ القامة “مدثر عبد الله مدثر” ليحل ضيفاً في هذه المساحة ودع أهالي الزيداب في الأيام السابقة رجلين شقيقين عزيزين على المنطقة برمتها لا نزكيهما على الله فهما ليسا عزيزين عليه وهما قد نالا هذه المكانة بفضل طيب معشرهما ودورهما الرائد في قيادة المجتمع المحلي بالزيداب والنضال من أجل مصالح أهله. انتقل الأخوان “محمد” و”مصطفى” أبناء “عبد الوهاب العطا” إلى جوار ربهما في يوم واحد هو الخامس من رمضان 1437 هـ. ونحن إذ ننعاهما هنا إنما نترحم على روحيهما ونسأل الله أن يجزيهما خير الجزاء. ولأن الكثير من أبناء الأجيال اللاحقة ربما لا يعرفون فضل الرجلين نذكر بعض العمل الجليل الذي قدماه.  
كان “مصطفى” شاباً ناضجاً في الستينات حينما قاد وفداً كبيراً من أهالي الزيداب لمؤتمر أقيم بقرية الحصايا في ثاني أيام العيد من عام 1964م، وقد خرج المؤتمرون بطلب واحد قدم لحكومة الفريق “إبراهيم عبود” التي كانت في سدة الحكم وانتفاضة أكتوبر على أشدها قبل أن تسلم السلطة لحكومة الثورة. كان ذلك الطلب الذي أجمع عليه المؤتمر هو فصل الجزء الشمالي غرب  وشرق نهر النيل من ريفي شندي الذي كان يتبع له وتكوين مجالس ريفية للضفتين الشرقية والغربية وكان أن تصدق بقيام ريفي الدامر وريفي الزيداب استجابة لمطلب ذاك المؤتمر. ومن المفارقات أن رحيل الرجل جاء في وقت التاريخ يعيد نفسه فقد طالب الأهالي الآن بإعادة محلية الزيداب وفصلها عن محلية الدامر التي أدمجت فيها.
أما الأخ الأكبر الراحل “محمد عبد الوهاب” فقد كان حافظاً لكتاب الله وبدأ دراسته في معهد أم درمان العلمي ثم واصل تعلمه على يد الشيخ “عثمان حسنين بري” بالزيداب. وفي تلك الأيام انتمى لمؤتمر الخريجين بأم درمان وشارك في مؤتمراته وتولى نشر أفكاره بمنطقة الزيداب، وكان يوزع صحيفة (المؤتمر) في الزيداب. ولعب الرجل دوراً كبيراً في قيام اتحاد مزارعي مشروع الزيداب. في ذلك الزمن كان مشروع الزيداب الزراعي يديره بعض البريطانيين وكانوا يعملون على التفرقة بين المزارعين ومن تلك التصرفات تكوينهم للجان المزارعين إحداهما لمزارعي الأهالي الأراضي الملك والأخرى لمزارعي الحواشات حتى تتضارب المطالب ويحصل الشقاق بين الأخوة الزراع. وكان لحضور المحامي الوطني المعروف “أحمد خير” واجتماعه بالمزارعين وإدارة المشروع دفعة كبيرة توحدت على إثرها اللجنتان وتكون اتحاد مزارعي الزيداب وكان الراحل محمد عبد الوهاب العطا اتصل بنقابة السكة الحديد وساعدتهم في وضع قانون اتحاد المزارعين. وكان هو وزملاؤه يكتبون في الصحف ينتقدون الإدارات والمعاملات التي كان المزارعون يشكون منها فأزعج ذلك إدارة المشروع فغيَّرت من أسلوب تعاملها مع المزارعين.
كان للمرحوم وهو عضو مهم بالحزب الوطني الاتحادي بقيادة الزعيم “الأزهري” طيب الله ثراهما مكاتبات مع قيادات ثورة 23 يوليو المصرية، كما تقلد “محمد عبد الوهاب العطا” سكرتارية الحزب بدائرة الزيداب الجغرافية ولم يبدِّل موقفه عند انفصل الحزب إلى شقين ثم عاد واتحد من جديد باسم الاتحادي الديمقراطي ولم يبارح حزبه رغم تغيير الحكومات وكانت له علاقات وثيقة مع الشريف “حسين الهندي”.
كان الراحل من الذين أسسوا نادي الإشراق الرياضي الاجتماعي الثقافي بالزيداب وشيَّدوه بأموالهم الخاصة وأصبح منارة في المنطقة.
ما أكتبه عن المرحومين ليس رثاءً لمتوفيين، ولكني اكتب على شاهدي قبريهما أنهما لم يموتا فالموت الذي انفيه ليس إنكاراً لقضاء تم وروح فارقت الجسد وقبر فيه جسمان ولكني أثبت حياة لأعمال تركاها ستظل تحمل ذكراهما ما دامت هذه الدنيا باقية.
رحمهما الله وأحسن عزاءنا فيهما وبارك في أسرتيهما وأصدقائهما. (إنا لله وإنا إليه راجعون). 

                                                                   مدثر عبد الله مدثر-  من رواد التعليم بالزيداب

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية