الديوان

الاستحمام في النيل.. الخطوة الأولى نحو الغرق

 مع بداية شهر رمضان فاض النيل حتى كادت ضفتيه تغرقا جدل الموج والصخور المتراصة على الشاطئ، ورغم عنف النيل وجبروته، إلاّ أن  الكثيرين لم يتمكنوا من مقاومة إغراءات الماء، فدأبوا على إلقاء أجسادهم الصائمة و(المحروقة) بشمس لاسعة، في اللجة الهائجة والمجنونة، بعضهم هروباً من (زنقة ) رمضان أو تبديداً للوقت في اللهو واللعب، خاصة تلاميذ المدارس الذين أصبح منظرهم بزيهم العسكري وكأنهم يشكلون متحركات ومفارز من (جنود البحرية) من كثرة ترددهم على الشواطئ والحدائق خلال اليوم الدراسي الرمضاني (المدكوك).
لا شئ غير الأسى والحسرة
“محمد مهال” سائق حافلة (هايس)، درج على الذهاب إلى النيل الأبيض من أجل غسيل عربته، المكان الذي تعود على غسل عربته فيه كان في السابق خالياً من الرواد، على حد قوله، ولكن ما أن حلَّ رمضان حتى صار مكتظاً بالشباب من أعمار مختلفة، رغم أن منسوب المياه في ارتفاع مضطرد هذه الأيام، ووصف “مهال” طريقة سباحة هؤلاء بأنها تتسم بالكثير من الطيش والعبث، وبدا متحسراً على وضع الشباب الذين يلقون بأجسادهم في عمق المياه هروباً من ارتفاع درجات الحرارة في الأسبوع الأول من رمضان، وأضاف: (ديل بلعبوا بالنار، هم فاكرين النزول للبحر لعب عيال)، وبكرة بتسمعوا بواحد منهم غرف إذا ما في جهة تدخلت ومنعتهم من اللعب  بالنار. ولم ينسِ “مهال” مناشدة الأسر ومديري المدارس طالباً منهم مراقبة (الأولاد ديل) الذين يهربون من المدارس إلى النيل. 
 أنت شايف في مشكلة؟
تركت “مهال” منهمكاً في غسيل عربته، وغادرت إلى حيثُ الشباب يلهون في اللجة الخطرة، فإذا بهم بالفعل طلاب وتلاميذ متسللين من المدارس بحجة أن رمضان (حار)، فقال “عيسى عبد الله”: وهو طفل لم يتجاوز الـ(16سنة) إنه يسكن حي المربعات، لكنه رفض الكشف عن مدرسته، وأضاف: تعودت أنا وأصدقائي الحضور إلى النيل عندما تكون لدينا حصص فاضيه، وأكد أن استحمامهم في النيل لا يمثل أية خطورة عليهم وتساءل المشكلة في شنو…؟
بجانب “عيسى” كان يوجد “هشام”، الذي رفض ذكر اسم والده، لكنه قال أنه طالب بدبلوم المحاسبة المستوى الأول، في جامعة السودان، وبرر لجوءه للنيل بأن أجواء رمضان الحارة هي التي دفعته إلى ذلك، “هشام” الذي كان نصف عارياً لم يعر سؤال (المجهر) عما إذا كانوا لا يخشون على أنفسهم الإصابة بالبلهارسيا إذ نجوا من الغرق، ألقى بجسده في الماء واختفى غير عابئ.
دايرلو حماية
أحد الصيادين يجلس غير بعيد عن المكان الذي اتخذه الشباب مسبحاً لهم، قبل أن اسأله باغتني بالسؤال.. الظاهر عليك صحفي..؟
أجبته نعم، فطفق مدلياً بإفادته، وقال: (يا ولدى البحر دايرلو حماية لأن الأولاد ديل طايشين والموية ما بترحم، ثم أاح بعيداًُ مستغرقاً في حوار صنارته مع الماء، فغادرته وأنا أردد حكمته (البحر دايرلو حماية)…!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية