نهاية منظمة
لم يغب “البشير” لوحده عن مؤتمر (جزيرة مارجريتا) لحركة عدم الانحياز الذي تستضيفه دولة فنزويلا آخر المعاقل التي لا تزال تحكمها الشيوعية والاشتراكية.. وغاب رموز هذه الحركة التي اندثرت وتلاشت.. وأصبح حالها كحال جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد المغاربي ومجلس التعاون الخليجي.. وكل المنظمات التي نهضت للدفاع عن المصالح الاقتصادية والسياسية.. وانفض جمع الرؤساء الذين كانوا يناهضون معسكرَيْ الشر في الشرق والغرب (قولاً) ويمالون موسكو ويميلون لها بقلوبهم.. ولكنهم حقاً يناهضون الغرب.. ولو بالكلام والبيانات ومواقف التضامن بشأن القضية الفلسطينية والسعي الدءوب لمناهضة الاستعمار الذي كان يجثم على صدر بعض البلدان جنوب أفريقيا مثالاً.. ولا تذكر منظمة دول عدم الانحياز إلا وتداعت للذاكرة صور شخصيات كان لها بريق وصيت “عبد الناصر” في مصر “كوامي نكروما” في غانا.. الملك “فيصل” في المملكة و”هواري أبو مدين” في الجزائر و”معمر القذافي” في ليبيا و”محمد أحمد المحجوب” في السودان واليوم في جزيرة (مارجريتا) على سواحل فنزويلا تنعقد القمة السابعة عشرة للحركة في دولة تعاني عزلة شديدة وأزمة سياسية واقتصادية عميقة تكاد تعصف بها وتتربص المعارضة اليمينية التي تحظى بالدعم والمساندة من قبل الغرب عامة والولايات الممتدة بصفة خاصة لإسقاط الرئيس اليساري “نيكولاس مادورو” الذي لا يحظى حزبه بأغلبية في البرلمان.. ومن بين (120) دولة في العالم تشكل عضوية حركة عدم الانحياز التي نهضت قبل خمسين عاماً، بأعباء المواجهة تآكل الرصيد ونفد المدخر من الرجال ولم يتبق إلا الرئيس الاكوادوري “رفائيل كوريا”.. والرئيس الإيراني “حسن روحاني”.. والرئيس الكوبي “راؤول كاسترو”.. والرؤساء الثلاثة من المغضوب عليهم عالمياً.. والمستهدفين من قبل الولايات المتحدة التي فتحت على الأقل أبواب الحوار مع اثنين منهم “كاسترو” و”روحاني”.. ولكن فنزويلا التي نقلت اجتماعات الرؤساء من العاصمة كركاس التي تشهد اضطرابات وتظاهرات واحتجاجات إلى جزيرة معزولة في البحر تعرضت لضربة موجعة جداً من جيرانها، حينما أقبلت الأرجنتين والبرازيل والبارغواي والأرغواي الدول التي يجمعها السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية على سحب رئاسة دول السوق عن فنزويلا وتجريدها من موقع مهم يعزز موقف الرئيس الذي فقد الرئيسة البرازيلية، وقد رد الرئيس الفنزويلي بغضب على جيرانه الأمريكيين واعتبرهم متواطئين مع الولايات المتحدة التي تسعى للإطاحة به.
إذا كانت حركة عدم الانحياز التي قد شكلت في السابق إزعاجاً للولايات المتحدة الأمريكية بمناهضة سياساتها في بلدان العالم الثالث فإن المنظمة اليوم تصبح رمزاً للفشل.. والتغريد في وادي صامت.. وخيراً فعل السودان بتمثيله بوفد برئاسة وزير الخارجية “إبراهيم غندور” الذي يتوجه من كاركاس إلى نيويورك ليعقد اجتماعاً مهماً بعد غدٍ (الخميس) مع مسؤولين أمريكيين بحثاً عن تفاهمات تؤدي لرفع المقاطعة الاقتصادية عن البلاد وعودة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما كانت عليه في النصف الأول من ثمانيات القرن الماضي.. وقد أدرك السودان (أخيراً) أن السير في ركب إيران وفنزويلا وكوبا قد يرمي به في متاهات لا يعرف كيف الخروج منها.. وقد خسرت بلادنا كثيراً بوجودها غير الموضوعي في معسكر الضد للولايات المتحدة التي كنا نمني نفسها بعذابها، ولكن من تعذب هو الشعب السوداني وحده.. وإذا كانت دولة مثل فنزويلا تنتج النفط وهي عضواً في منظمة (الأوبك) قد تم تجريدها من كل شيء.. ولم يتبق لها إلا الحليف الأكوادوري وإيران بشحها وبخلها وكوبا التي لا تملك إلا التبغ وهي محاصرة منذ سنوات طويلة فما الذي يجعل بلادنا (تقدس) الثور العجوز!!.
حركة عدم الانحياز أصبحت جزءاً من التاريخ والماضي البعيد تجاوزتها الأحداث.. وما عادت تحظى بذلك البريق القديم، فشكراً للذين قدروا بأن سفر الرئيس إلى أمريكا الجنوبية المحفوف بالمخاطر يصيب السودانيين فقط بالقلق وهم يبحلقون في الفضاء ويترقبون وصول رئيسهم من سفر الجفا!!.