د."أحمد بلال" و"التجاني سيسي" المساعدان الجدد لـ"البشير" في القصر
“شطايا” من “لاهاي” إلى التعافي والتصافي
التغييرات القادمة هل تعيد نجوم ما قبل الوثبة للواجهة مرة أخرى
حديث (السبت)
يوسف عبد المنان
ماذا حدث في منطقة “شطايا” بجنوب دارفور؟؟ وهل بدأت المجموعات المتنازعة تغسل أياديها من أدران الصراع القبلي الذي كاد أن يصبح صراعاً اثنياً وعرقياً في الإقليم خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية.. و”شطايا” هي منطقة زراعية تقع على تخوم جنوب دارفور الغربية تتمازج فيها المجموعات السكانية من القبائل العربية وغير العربية. ومسألة تقسيم القبائل السودانية إلى زنجية وعربية هي واحدة من المآزق التي وجد السودانيون أنفسهم يدفعون ثمنها.. لأن النقاء العرقي لا مكان له في بلد تتماهى فيها الأعراق الزنجية في الدماء العربية.. ولكن السياسة هي التي قسمت إقليم دارفور وكثيراً من أطراف السودان في العشرين عاماً الأخيرة لعرب وزنوج.
وعودة لما حدث في “شطايا” من (مذابح) وجرائم ارتكبت في تلك المنطقة إبان اشتعال الصراع الذي شهدته دارفور.. وتعرض المجتمع لانقسامات خطيرة في صراع أصله سياسي.. وأصبحت أو وجدت بعض المجموعات القبلية نفسها كمنتمٍ من غير انتماء حقيقي للحركات المسلحة، وأخذت أخرى مواقعها دفاعاً عن الحكومة من غير أن يطلب منها ذلك. من وقف في صف الحكومة نصب نفسه (إماماً) و(عقيداً) و(شيخاً) و(جنابو) بغير وجه حق، ومن ذهب للحركات أصبح مدعياً الثورية والإصلاح وكلاهما يقتل أخيه الآخر دون رحمة ووازع من ضمير وأخلاق.. عدد ضحايا النزاع الاثني والعرقي في “شطايا” تجاوز الثلاثة آلاف شخصاً منذ بدء النزاع الدامي المرير.. كان القتل على الهوية والانتماء.. قرى بأكملها حرقت و(أبيدت) من قاطنيها وأصبحت هشيماً تزروه رياح الصيف والشتاء، ولكن في العام الماضي بدأت عودة الوعي كما يقول “توفيق الحكيم” ويقظة الضمير وصحوة الإنسانية في النفوس.. كان لوجود حكومة غير متورطة في الصراعات المحلية أثره في تقريب وجهات النظر وصولاً لما يقارب ما حدث في دولة جنوب أفريقيا، حينما تقدم السود بمبادرة كان رائدها الرئيس الجنوب أفريقي “نلسون مانديلا”، بالعفو عن الذين قتلوا السود وسحلوهم واستخدموهم عبيداً في سنوات الاستعمار.. ولكن العفو والصفح يأتي بعد الاعتراف من الجناة الذين تلوثت أياديهم بدماء الأفارقة.. ومن ثم يأتي طلب العفو والصفح. في “شطايا” وقف “آدم حمدان” أمام المؤتمرين وقال ابني “علي” قتله فلان.. وأخي “محمد” قتله فلان.. وأختي قتلها (فلان) ثم فاضت دموعه وجلس على الأرض ونهض من الطرف الآخر “هارون موسى” وقال: نعم نحن من قتل ابنتك وولدك وحرق منزلك.. وبين الدموع والإيمان بأن فضيلة التعايش والصفح والعفو من الإيمان ينهض “آدم حمدان” ويعلن عفوه عن الذين قتلوا فلذات كبده في تلك الأيام.. ويأخذ الاعتراف منحى جماعياً.. وتصبح ساحة “شطايا” مكاناً غريباً عجيباً شارك أبناء “شطايا” من كل ولايات دارفور.. ومن الخرطوم والمدن الأخرى ونزع المؤتمرون ثياب الحزبية والانتماءات الضيقة. وأخيراً تم طي صفحة من أكثر الصفحات (خزياً) في دارفور ودموية في التاريخ السوداني.. وأحداث “شطايا” هي التي قادت السودان إلى متاهات المحكمة الجنائية الدولية، والآن تم طي هذا الملف داخلياً.. تسامح الناس وغسلوا ما في دواخلهم، ولكن بكل أسف ما شهدته “شطايا” كان شيئاً صامتاً.. الإعلام الحكومي (الغبي) كان مشغولاً ببث أخبار وزراء الحكومة في الخرطوم، وهو يلتزم بالبروتوكولية في تقديم المهم، ثم الأقل أهمية.. بينما حدث مدوٍ في دارفور لا يجد مجرد تغطية إخبارية، والإعلام غير الحكومي، إما لاهث وراء الريح والإثارة أو تابع النظام الحاكم ملتمساً رضاءه ورحمته في الإعلانات التي توزعها وزارة د.”أحمد بلال” على الصحف بمقدار رضاء الحكومة عنها أو غضبها. وقد أبدى مدير جهاز الأمن والمخابرات في ولاية جنوب دارفور حسرته وهو يتحدث للصحافيين الأسبوع الماضي عن ما حدث في”شطايا”، ويحرض العميد الكتاب على الغوص عميقاً فيما يحدث من تطور.. لأن الذي دفع بالسودان للمحكمة الجنائية ليس أمراً سهلاً.. وكان يمكن أن يشهد على اعترافات أهل “شطايا” المبعوثون الأجانب والسفراء والصحافيون، ولكن هي فرصة أهدرت مثل عشرات غيرها.
العمليات النظيفة
العمليات التي نفذتها القوات المسلحة في جبل مرة الصيف الماضي جسدت احترافية الجيش وقدرته على إدارة المعركة في مناطق بها وجود مدني كثيف مثل جبل مرة.. وحتى السيطرة على مقر حركة “عبد الواحد محمد نور” لم يتجاوز الضحايا من المدنيين فيها العشرات فقط.. وقد شهد المدنيون من أبناء دارفور ممن كانوا محتجزين قسراً وقهراً في الكهوف والسجون بنظافة أيادي القوات المسلحة التي تتولى العمليات العسكرية هناك.. ولكن الإفادات التي جاءت على لسان بعض المواطنين ممن التقينا بهم في “قولو” و”نرتتي” و”سرونق”، تكشف الوجه الآخر للتمرد، وعذاب الأهالي مع سلوكه الذي يخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان. وتقف المنظمات الطوعية السودانية، إما عاجزة عن توثيق الانتهاكات البشعة التي ارتكبتها حركة التمرد بقيادة “عبد الواحد” بقصر النظر.. وضعف الهمة أو بالانصراف عن مهامها التي (انتدبت) نفسها لها.. ولكنها تبحث عن المغانم والتمسح بجسد الحكومة دون وعي.. إذا نظرت اليوم لقوائم المنظمات التي بدأ موسم حجها إلى “جنيف” تذهب لهناك لا لتقديم تقارير ذات مصداقية وقيمة لدى مجلس حقوق الإنسان، ولكنها تذهب لتقف أمام الوفد الحكومي لا خلفه وتقول كل شيء في السودان على (ما يرام) وما يكتب عن انتهاكات لحقوق الإنسان ما هي إلا تربصات المتربصين بالشريعة ودولة العدالة والقانون.. تذهب المنظمات الوطنية السودانية إلى “جنيف” ليطوف منسوبوها على بحيرة البجع ويتبضعون من سوق “جنيف” القديم، ويرهقون السفارة والبعثة هناك بالمصاريف وخدمات التنقل وحفلات الاستقبال، ويعودون دون تقديم خدمة لوطنهم ولا حكومتهم ولا حتى أنفسهم. وحتى لا نذهب بعيداً في إصدار الأحكام المسبقة دعنا نقراً مع “عبد الله آدم” الشهير بـ”الخميني” في ملف انتهاكات حركة “عبد الواحد محمد نور” لحقوق الإنسان في جبل مرة.. يقول “الخميني” وهو شاهد أحداث تعرض للقبض والسجن في معسكرات التمرد بحجة أنه غير متعاون مع الثوار ثم وضعه في (هوة عميقة) كهف في جبل مرة.. وقيدت رجله اليمنى مع رجل آخر بسلاسل من حديد.. ومنع من الاتصال الخارجي.. بالأهل.. ويتعرض “الخميني” يومياً إلى الضرب المبرح.. ويتناول وجبة واحدة من عصيدة الذرة.. ويتذكر “الخميني” أيام الاعتقال لو لا الإيمان بالله لانتحرت لأن التعذيب فوق طاقة احتمال البشر.. وكان معنا في معتقل “سرونق” شخص يدعى “آدم خميس” تم اعتقاله من “قولو”.. ومعه زوجته وبناته الثلاث.. ووضع في زنزانة تحت الأرض ويومياً يشاهد بعينيه زوجته تغتصب وبناته يتم اغتصابهن أمامه، فيغمض عينيه من هول ما يحدث لبناته، فيضرب في عنقه.. وبعد أيام فقد عقله وأصيب بالجنون وهو الآن هائم على وجهه في جبل مرة وقد حرمنا من أداء الصلاة.. و(تورمت) أقدامنا من سلاسل الحديد التي وضعت عليها.. وجاءت لحظة الهروب حينما سمعنا دوي الرصاص وتقدم القوات المسلحة نحو مقر السجن.. حمل أحد الجنود من المتمردين بندقيته الكلاشنكوف و(أفرغ) الرصاص على السجناء مات في الحال أربعة.. ومثلنا نحن كقتلى.. وهرول هارباً.. وفي تلك اللحظة دخلت القوات المسلحة المنطقة وتم إطلاق سراحنا.. وأشرقت شمس الحرية.. وعدت إلى أسرتي وعشيرتي.. وأنا على قناعة بأن التمرد لا خير فيه ومن يظن الخير فيهم واهم.
شخص آخر يكشف عن أسباب اعتقاله إبان الزيارة الأولى لوالي الولاية إلى “قولو”.. توقف عند مزرعته وتناول الوالي ثمرات من البرتقال والتفاح.. ومكث لفترة ساعة في مزرعة “عبد الله خميس”.. الذي بسبب توقف الوالي في مزرعته تمت مداهمته ليلاً والقبض عليه وأخذه إلى المعتقل.. ليمكث فيه خمسة عشر يوماً.. واشترطت حركة “عبد الواحد” أن يدفع “عبد الله خميس” جزية قدرها (65) ألف جنيه كفدية مقابل إطلاق سراحه وجميع أهله مبلغ (15) ألف جنيه وتم استلام المبلغ من عائدات المزرعة للمتمردين.. وخفف عنه القيود وقد تظاهر بالإذعان لطلبات المتمردين و”عبد الله خميس” شيخ ستيني يدرس الطلاب في الخلاوي ويخطب في المساجد (أمروه) بغسل ملابس المتمردين.. وفي إحدى الأيام هبت عاصفة ضباب كثيف غطى قمة الجبل وتدنت الرؤيا لأمتار قليلة وفي جنح الظلام هرول هارباً.. حتى تقرحت قدماه.. بعد مسيرة ثلاثة أيام وصل إلى “قولو” ليخرج من سجون المتمردين بعد أن دفع ثمن توقف الوالي في مزرعته والاتهام الذي في عنق الرجل أنه ينتمي للمؤتمر الوطني، وله صلة بالحكومة.. لأن المنتمين للمؤتمر الوطني دمهم ومالهم وعروضهم مباحة للتمرد حينما يهاجمون المناطق السكنية.
تلك بعض من إفادات مواطنين يكشفون من خلالها القليل جداً مما يحدث في المناطق التي يسيطر عليها التمرد.. رغم ذلك هناك من يقيم نشاطاً في الجامعات داعماً لتلك الحركات المسلحة.. ومن يساندهم سياسياً ويرجوا خيراً منهم، ولا تجد أفعال التمرد بحق مواطني دارفور من يرصدها.. ويوثق لها ويقدمها في تقارير لمجلس حقوق الإنسان، لأن المنظمات السودانية إما (موالية للتمرد) ومشكوك في مصداقيتها، وإما مدافعة عن الحكومة بالحق وبالباطل وهي بذلك ضررها أكثر من نفعها.
التغييرات القادمة
بات التغيير في الحكومة الاتحادية حتمياً وواقعياً بعد عقد مؤتمر الحوار في العاشر من أكتوبر القادم بمن حضر من الأحزاب المعارضة.. وأخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها الضغط بشدة على المعارضة المسلحة لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.. وكذلك انهالت الضغوط على الحكومة السودانية أكثر من المعارضة خاصة في مسار التفاوض بالمنطقتين، باعتبار أن توقيع المعارضة المسلحة على اتفاق خارطة الطريق نفسه ثمرة لضغوط أمريكية على تلك الحركات حتى أذعنت في نهاية الأمر للضغوط ووقعت.. وعلى الصعيد الداخلي فإن أحزاباً مثل قوى المستقبل وهي تحالف لتجمعات صغيرة.. أخذت على عاتقها البقاء.. بعيداً عن مؤتمر الحوار، ولكنها في ذات الوقت تتوق للمشاركة في الجمعية العمومية القادمة.. وإذا كانت التغييرات في الجهاز التنفيذي حتمية من أجل إشراك المعارضة بنسبة لا تزيد عن (45%) من نصيب المؤتمر الوطني، فإن حلفاء المؤتمر الوطني الحاليين أيضاً ثمة تغييرات تنتظرهم.. على جبهة دارفور فإن الدكتور “التجاني سيسي محمد” ينتظر دخوله القصر من البوابة الجنوبية ليصبح مساعداً للرئيس مسؤولاً عن تنفيذ ما تبقى من مشروعات في إقليم دارفور، ومشرفاً على المفوضيات التي سيعهد إليها إنفاذ برامج العودة الطوعية والإعمار.. ومشروعات المرحلة الثانية التي تشارك في تمويلها الحكومة القطرية، إضافة إلى مشروع (بنك دارفور) للتمويل الذي تساهم فيه قطر برأسمال قدره مليار دولار أمريكي.
وعلى صعيد الحزب الاتحادي فإن د.”جلال يوسف الدقير” قد زهد في منصب المساعد ويشعر في نفسه بأن معركة “إشراقة” معه، قد وضعت حواجز نفسية تحول دون استمراره في منصب مساعد الرئيس، لذلك يتوقع أن تشمل التغييرات صعود د.”أحمد بلال” للقصر مساعداً للرئيس. ولكن في ذات الوقت قد يسعى د.”أحمد بلال” للحفاظ على شعرة معاوية مع د.”جلال الدقير” بترفيع “محمد يوسف الدقير” لمنصب وزير في الحكومة الاتحادية.
أما على صعيد الأحزاب المتوقع مشاركتها في الحكومة، فإن أبرزها حزب المؤتمر الشعبي الذي قد يحصل على منصب وزير في الحكومة الاتحادية ووالٍ بإحدى ولايات دارفور، مع زيادة في نصيب الحزب الاتحادي بزعامة “محمد عثمان الميرغني”، وأن تحتفظ بقية القوى السياسية بحصتها الحالية. ولكن في داخل المؤتمر الوطني نفسه ثمة تغييرات كبيرة قد تحدث في بعض الوزارات مثل الداخلية والعدل والخارجية والتعليم العالي، وإن الشباب الذين أسند إليهم مواقع كوزراء دولة سيتم ترفيع بعضهم كوزراء اتحاديين ومغادرة البعض الآخر بعد أن أثبت البعض كفاءة ومقدرات وفشل آخرون. أما القدامى فإن فرص عودتهم تضيق يوماً بعد الآخر رغم أن التعيين الأخير لمنصب الوالي في نهر النيل وعودة اللواء “حاتم الوسيلة السماني” قد رفعت من سقف آمال وتوقعات البعض بأن الماضي قد يعود.. وربما جاءت التغييرات القادمة بنجوم ما قبل (الوثبة) بظهور شخصيات مثل د.”عيسى بشري” و”كمال عبد اللطيف” و”عبد الرحمن الخضر” في الواجهة القادمة لتميزهم عن غيرهم ممن (دخلوا الظل)!!