أخبار

خربشات (الجمعة)

يقترب غناء المردوم أو المردوع في حنين مفرداته لأشعار الشايقية في الشمال.. ولم يُكتب لأغنية المردوع شهرة وذيوع إلا في سبعينيات القرن الماضي، حينما صدح ابن البقارة “عبد القادر سالم” بأغنيات تراثية لعرب الحوازمة، اخترقت جدار العزلة المفروض على ثقافات ما دون السودان الأوسط.. وأنغام الحنين في أغنيات (المردوم) تجسدها أغنيات لفتيات البقارة وهن يهمن شوقاً وحباً للمحبوب الذي غادر ديارهن، إما ملتحقاً بالجندية أو بالخدمة الوضيعة في دواوين الحكومة (كخفراء) وحراس.. لأن التعليم لم يغشَ ديار البقارة إلا بعد سنوات طويلة من استقلال البلاد.. وتقول الفتاة البقارية لحبيب قلبها الذي غادر الديار:
شيل لي يا حبيب التوم
قمير أبو سبعات الغالي
وسط النجوم..
سار تومي وسكن الخرطوم
جيبو الفقير أكتبوا ليه
الوليد صغير من عين الناس
وإذا كانت الهجرة الخارجية قد عرفتها مجموعات الأبالة في سبعينيات القرن الماضي خاصة إلى ليبيا، فإن البقارة كانوا أكثر تمسكاً بالأرض.. والعسكرية.. ويقول “المكي إسماعيل قادم” وهو سياسي، ولكنه قلم يفيض رقة وعزوبة وله اهتمامات بتراث البقارة خاصة الحوازمة (الرواوقة) الذين يشكلون عصب وظهر ولحم الحوازمة، إن كلمة (مردوم) مشتقة من (ردم) أي أهال عليه التراب لأن رقصة المردوم تعتمد على ضرب الشباب للأرض بقوة.. في تناسق وانسجام مع الأغنيات التي ترددها الفتيات. ويقسم الباحث “المكي إسماعيل” المردوم لمرحلتين القنزو والفنفان وأهم ما يميز هذين النوعين الأغاني القصيرة مع سرعة الإيقاع مثل:
غربوا وصبحوا
شكلوا الريش تبن ماجو
اثنين ولاد اللم والثالث
ولد اللعم!!
رقيق حز
قاعد ليكو ضد
منه ما ينكر
كن كتلوه بنريده
أنا بريده والجنة فريقه
تبدأ رقصة المردوم بوقوف البنات في حلقة دائرية.. يرفعن الأيادي إلى أعلى ويتغنين بأغنيات تجعل الفتيان أو (الصبيان)، والصبي عند عرب البادية هو من تجاوز عمره السابعة عشرة، وما دون الثلاثين أما الولد فهو ما دون السابعة عشر.
وحينما تترنم الفتيات بأغنية مثل..
شيل لي يا كواسة
القليب مالا جافا..
خضار الجوافة
الحبيب أخضر قيافة
ينهال الشباب على الأرض ضرباً بأقدامهم وتزغرد النساء الأكبر سناً.. ويأتي الكهول يتمايلون طرباً مع الأغنيات لكنهم يعجزون عن دخول ساحة الرقص.. ويستخدم الشباب (الكشكوش) وهو عبارة عن جرس له نغم ورنين يصنع من السعف ويتم وضع حبات من نبات الكول بداخله.. أما الفتيات يلبسن التمائم.. وعلى صدورهن (الشف) وهو حبات من الخرز عليها الذهب عيار واحد وعشرين.. وتضع الفتيات على خصلات شعرهن عطر يسمى (التربلول) والآن في الخرطوم بسبب موجات النزوح التي فرضت على أهلنا البقارة نشأت فرقة (تربلول) لتراث الحوازمة، وأغلب مكوناتها من المنطقة الشرقية لجنوب كردفان. ويعتبر المردوم الرقصة الشعبية الأولى للبقارة.. وللتداخل والتمازج الذي يعرف بالمثاقفة يرقص النوبة كذلك المردوم والنقارة مثلما يرقص البقارة رقصات النوبة من الكمبلا.. و(الكنجق)، ويستخدم الراقصون للمردوع حذاء المركوب (الكازقيلاوي) أي المصنوع في منطقة ديار البديرية جنوب الأبيض كازقيل.. وفي مثل هذه الأيام من شهر سبتمبر يستقر البقارة في مضارب الخريف.. جنوب وغرب مدينة الأبيض وغالباً ما يفرغ المزارعون الآن من (الزراعة) في انتظار حصاد الزراعة في شهر نوفمبر وديسمبر.. ويعيش المزارع لحظات فراغ جميل.. وتبدأ مواسم الفرح برياضة المصارعة التي يتنافس فيها البقارة وأهل الدار يلعبون ويرقصون في لهو ومرح وتسامح وإخاء، دون صراعات أو حروب.. بينهما.. ويجمع بين البقارة وسكان الدار أي قاطني القرى رقصات المردوع والنقارة.. والمصارعة.
(2)
في أخبار مؤتمر الحوار الوطني أن توصياتٍ قد رفعت من قبل لجنة خاصة تدعى لجنة الحكم والإدارة برئاسة د.”بركات موسى الحواتي”، جاء فيها انتخاب الولاة من الشعب، وكذلك انتخاب المعتمدين من الشعب مباشرة في محاولة من لجان المؤتمر الوطني للقضاء على التعيين نهائياً.. وهي خطوة لو لم يتم التراجع عنها من خلال (المحكمين) أو (المتحكمين) في الحوار، ستجعل الديمقراطية السودانية نموذجاً جديراً بأن يحتذي به الآخرون.. انتخاب الوالي من الشعب يعني أن سلطة إعفاء الوالي بيد المجلس التشريعي المنتخب، أيضاً إذا صوت بالأغلبية على سحب الثقة من الوالي.. على أن ترفع نتائج التصويت لرئاسة الجمهورية.. وأيضاً من حق مجلس المحلية إقالة وإعفاء المعتمد المنتخب.. إلا أن التجربة الجديدة من شأنها نقل الصراع على السلطة إلى أسفل وعودة القيادات التي تطوف على الوزراء وتبحلق في بناية المؤتمر الوطني الجميلة الفارهة بشارع المطار تنتظر (التوزير) والتعيين.. لكن الناس (التحت) لديهم اعتباراتهم الخاصة في الاختيار بعيداً عن وصايا المركز.. حيث يصعد لمناصب المعتمدين القيادات المجتمعية الحقيقية.. ويتراجع دور القيادات المفروضة من أعلى.. ولن يستطيع بعد ذلك اليوم وال مهما كان نفوذه وسلطته وجبروته.. سواء أكان “محمد طاهر أيلا” أو “عبد الرحيم محمد حسين” أو “أحمد هارون”، أن يقيل معتمداً جاءت به الجماهير.. وينظر المعتمد بذات القدر إلى الوالي بعين الندية كلاهما منتخب من الجماهير.
والآن المعتمدون يخافون الولاة وترتعد أطرافهم من هاتف الوالي الذي يعين ويفصل ويمنع ويعطي، ولكن في حال انتخاب المعتمد والوالي من الجماهير تتساوى الكتوف ولن يقل المعروف.. لكن تضيق فرص القيادات الموصولة بالمركز وتطل شمس القيادات التي صنعتها الجماهير.. وربما خسر المؤتمر الوطني كثيراً من المحليات التي يحكمها اليوم بغير هوى وإرادة أهلها.. ولكنه حتماً سيكسب في المستقبل القريب حينما يكتشف الناس معادن القدامى والجدد.. وهناك أحزاب يحسبها المراقب.. صغيرة ولا وزن جماهيري لها.. ولكنها قد تكسب مقاعد برلمانية في الولايات والمحليات.. وقد تشهد التجربة ميلاد أحزاب صغيرة محلية أو ولائية، ولكنها تملك القدرة على المنافسة.. والآن هناك حزب في وسط دارفور  كسب لنفسه مقاعد في المجلس التشريعي وفي المجلس الوطني، وهو غير مشهور قومياً.. وفي الولايات المتحدة الأمريكية هناك أحزاب محلية في بعض الولايات تنافس محلياً وتضطر الأحزاب الكبيرة لمساومتها في الانتخابات، فإذا كان هناك حزب للمزارعين في الجزيرة كل برنامجه يعتمد على المزارع ونال ثقة المواطنين، فالمؤتمر الوطني سيجد نفسه (مضطراً) لا بطلاً للتعامل مع هذا الحزب الصغير واسترضائه بما يطيب له.. حتى يجد الوطني له مقاعد في الجزيرة أو أصوات لرئيس المؤتمر الوطني مثلاً.. والمهم الآن هل تستطيع توصيات لجنة الحكم والإدارة العبور ويلدغ المؤتمر العام لتصبح حقيقة ماثلة، ويأتي زمان فيه ينتخب المواطن رئيسه وواليه، وكمان معتمد المحلية، إنها ديمقراطية قادمة لبلادنا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية