صراع نيالا
إذا كانت بورتسودان قد خطفت الأضواء بتفاعلات إقالة وزير الشؤون الاجتماعية بقرار من المجلس التشريعي الذي وجه صفعة على خد الحكومة رد عليها الوالي (ببنية) أقال بموجبها وزير المالية، فإن الجزيرة تشهد هي الأخرى صراعاً بين الوالي “إيلا” وقيادات حزبه وبعض نواب مجلسه التشريعي، لكن في عاصمة السودان الثانية –أي- مدينة نيالا التي تعد المدينة الثانية بعد الخرطوم من حيث التعداد السكاني تعيش على وقع صراع أصحاب المصالح السياسية الذين تحالفوا مع بعض أصحاب النفوذ والمال.. لضرب الاستثمار الوطني وإبعاده عن المدينة بدعاوي وذرائع شتى.. ومدينة مثل نيالا.. ظلت تعيش واقع الأزمات السياسية.. ما جاء والً إلا وتربص به الفاقد السياسي والتنفيذي.. وأحاط به آخرون يدعون الحرص عليه، وفي ظل هذا الحراك السلطوي تهدر إمكانيات وتتعطل مشروعات وتتوقف أخرى.. وخير مثال لذلك مشروع تحديث المدينة التجارية الأولى في غرب السودان وهي قصة مريبة.. وتكشف الوجه الكالح لصراع المصالح الذي يعيق الاستثمار، بل تتعرض الشركات والمستثمرين للابتزاز والاستغلال وتخسر ملايين الجنيهات وتبحث عن خروج آمن يحفظ لها فقط ما تبقى من رأسمالها ولا تجده.. حكومات تلعن بعضها البعض ومسؤولون يعتبرون كل ما جاء به السابقون محض فساد.. يجب مراجعته وحينما يكتشفون خطأ تصوراتهم المسبقة ويعودون إلى صوابهم ينقضي أجلهم ويأتي آخرون من بعدهم يهدمون كل ما بناه الأسلاف، فهل مثل هذه الدولة يمكن أن تنهض وتصبح قبلة للاستثمار الأجنبي؟ إذا كان المستثمر الوطني يتعرض لخسائر فادحة مثل التي تعرض لها رجال الأعمال و”ليد الفائد” في مشروع استثماري اسمه مركز (نيالا التجاري).. القصة التي نوردها هنا.. للعبرة والاعتبار.. بدأت فصولها في عهد الوالي الأسبق “علي محمود” الذي استعان بالدكتور “عبد الحليم المتعافي” من أجل تطوير قلب مدينة نيالا وتعميرها وتحديثها من رواكيب ودكاكين عشوائية.. وطبالي.. وأكشاك.. إلى مراكز تجارية.. من خلال شراكة بين حكومة جنوب دارفور والقطاع الخاص.. ونجح “المتعافي” بخياله ومنطقه الخاص بجذب رأس مال لتنفيذ المشروع الذي أقرته حكومة الولاية بإجماع مجلس وزرائها.. وتبعاً لذلك ثم تأسيس شراكة مع القطاع الخاص باسم بناء دارفور.. دفعت فيه حكومة الولاية بنصيبها من المال، بالإضافة لقطعة الأرض التي حددت الحكومة سعرها.. وبعد وصول هياكل العمارات ذات الطوابق السبعة.. وبدء التشييد تم الإطاحة بـ”علي محمود” من منصب الوالي، وجاء من بعده خصمه اللواء حينذاك د.”عبد الحميد موسى كاشا”.. وأول شيء كان في خاطره هدم (ما بناه محمود).
وبدأ بمشروع مركز (نيالا التجاري) واتخذ قراراً بإيقاف العمل في المشروع وخروج الولاية من بيع حصتها لشركة (مان) مقابل تنفيذ مشروعات أخرى تراها حكومة “كاشا” أولوية قصوى، وليست كما ترى حكومة “علي محمود” الراحلة عن السلطة.. ومن بعد “كاشا” جاء وال آخر هو “حماد إسماعيل” وكانت له رؤية مغايرة لـ”كاشا” و”علي محمود”، ووضع المشروع برمته في الثلاجة والشركة الوطنية تخسر يومياً ملايين الجنيهات ولا أحد يشعر برأسمالها الذي يتآكل والحديد الذي جاءت به من وراء المحيطات، وفي عام 2015م، بلغ المشروع السنة الرابعة من عمره، وفيه جاء الوالي “آدم الفكي” الذي بدأ معافىً من صراعات الذين سبقوه.. جرى تفاوض بينه والشركاء الوطنيين لإلغاء المشروع السابق وقيام مركز تجاري.. على أن تدفع الشركة المنفذة تعويضاً للولاية يذهب لصالح تشييد الطرق الداخلية وتم قبول العرض، الصراع المصلحي قد تجدد مرة من أجل إهدار مبلغ مليون دولار دفعتها حكومة جنوب دارفور وأكثر من (5) مليون دولار دفعها رجل الأعمال وليد الفايد” والمشروع معطل بسبب صراعات محلية وتربص بالوالي ووزراء الوالي وتحشد القدرات لهزيمة الاستثمار، ونحن نحدق في الأسباب النظرية والحصار الاقتصادي، ولكن الاستثمار تهزمه الحكومة نفسها.