مفتاح تمديد ولاية "البشير" بعد 2020م!!
بقلم – عادل عبده
ماذا تحتوي الإشارات المباغتة التي أطلقها الرئيس “البشير” في الأيام الفائتة حول عزمه التنحي عن الرئاسة والابتعاد عن الحكم بحلول عام 2020م والتي جاءت من خلال الحوار الصحفي الذي أجرته معه صحيفة (الأهرام العربي)؟ فقد ظل الرئيس “البشير” كلما لاحت سانحة انتهاء ولايته يؤكد رغبته الشخصية في مغادرة قطار الرئاسة، مبيناً حاجة السودانيين للتغيير وأن الفترة الطويلة التي قاربت أكثر من (27) عاماً في السلطة لا تسمح له بالبقاء في الرئاسة/ غير أن المشهد ينتهي بترشيح “البشير” وفوزه في انتخابات الرئاسة على خلفية عجز المؤتمر الوطني عن إيجاد بديل له وانعدام حالات التكافؤ على منضدة المرشحين في الفئات الأخرى.
إذا حاولنا الإجابة عن إشاراته بعدم الترشح هذه المرة فلابد من التذكير بأن هنالك مبررات واقعية استدعت قيامه بتلك الخطوة، استناداً إلى ما يعتمل في الساحة السودانية الآن من ضجيج عالٍ يتمثل في حراك مخرجات الحوار الوطني ومفاوضات أديس أبابا بين الحكومة وحركات دارفور وقطاع الشمال في ظل انعدام الرابط الذي يخلق التوافق بين المسارين. وبذات القدر، فإن طعم الرئاسة المقبلة يتطلب إيجاد تسوية جامعة في المشهد السياسي بعد سنوات الاحتراب وهيمنة المؤتمر الوطني سيما بعد تدخل المجتمع الدولي بقوة خلال هذا الظرف في إطار سيناريو تسوية الملف السوداني.
بصورة أوضح، فإن الرئيس “البشير” لا يريد أن يكون رئيساً للبلاد بعد 2020م في ظل التجاذبات والخلافات الطاغية بين الحكومة والمعارضة، وكذلك لا يحبذ من يقدم التنازلات الواسعة التي تؤثر على دولاب الإنقاذ في الحكم، بل يريد التوازن بين الاثنين والدخول في مركب الرئاسة من خلال بلوغ التوافق السياسي بين الفرقاء السودانيين.. وإذا لم يكن توافقاً كبيراً فلابد أن يكون توافقاً معقولاً ومشجعاً.. (هذا هو مفتاح تمديد ولاية البشير بعد 2020م).
فالشاهد أن عين الرئيس ترى أنه الأكثر حظاً في الرئاسة خلال المستقبل من كل الرموز السياسية السودانية، وأنه الأكثر قبولاً في قيادة الدولة إذا كانت حكومة ما بعد التسوية الجامعة قومية أو انتقالية.. هذا هو مفتاحه السياسي الذي يؤهله إلى التمديد بعد 2020م، غير أن هنالك عراقيل ومطبات ربما تعرقل مزايا هذا المفتاح السياسي، وبذلك تحتاج المسألة إلى المعالجات الحوارية العميقة والتفاهمات الواعية بين الحكومة وشركاء الحوار الوطني والمعارضة المسلحة.
الثقة المفقودة بين الفرقاء السودانيين تمثل رأس القضايا الشائكة بين الطرفين قبيل الوصول إلى تفاهمات واضحة حول ملامح الحكم ومستوى الصلاحيات، ومقدار التنازلات المطلوبة من المؤتمر الوطني، فالسودانيون في المرحلة القادمة يريدون حكماً مستقراً يحارب الفساد فعلاً لا قولاً ويخلق النموذج الأمثل لإصلاح الاقتصاد الوطني، واقتلاع جذور الغلاء والقضاء على طاحونة الجشع والمضاربات تحت مظلة التوافق الجامع.
مفتاح تمديد ولاية “البشير” بعد 2020م يؤطر إلى تحالفات جديدة ومنهج حديث مرتبط بعلاقات مقبولة مع المعارضة والمجتمع الدولي من خلال فاتورة باهظة.. وإذا تعذر ذلك فإن إشارات “البشير” بالترجل عن الحكم ستكون واقعة إلى حد كبير، على الرغم من أن السلطة مغرية ولها طعم متفرد ومذاق حلو وطبيعة البشر على مر الدهور مجبولة على اشتهاء وعشق السلطان والصولجان.. وأحياناً الحسابات الدقيقة لها مفعول مؤثر ومعطيات موغلة في الصدق والواقعية.