تقارير

مغادرة "عقار" و"الحلو" يوم بدء التفاوض ومهاجمة "عرمان" لوفد الحكومة أولى المؤشرات

أسرار وخفايا انهيار مفاوضات السلام
هل تعد الحركة الشعبية لحرب في المنطقتين وتخطط لإجهاض الحوار الوطني
نيالا – يوسف عبد المنان
 عند منتصف ليل أمس (الاثنين) وقد بدا فندق (ردسون بلو) خالياً من الزحام الذي شهدته ردهاته طوال أسبوع.. جلس الصحافيون على المقاعد المتباعدة والصمت والحزن يُطبق بالمكان.. تحركت فجأة الأقدام.. ونهض الجميع من مقاعدتهم وقد انفض اجتماع الوساطة بوفدي الحكومة والحركة الشعبية قبل أن أنهض من مقعدي، وكان بجواري الدكتور “محمد مختار الحسين” أحد المفاوضين في الوفد الحكومي لمسار دارفور. باغتني المهندس “إبراهيم محمود حامد” ضاحكاً وهو يتجه لغرفته في الطابق السادس بعد أن قررت الوساطة منح الوفدين بضع دقائق لإجراء اتصالات بقياداتهم،  قبل أن يتخذ قرار بشأن المفاوضات المتعثرة.. المهندس “إبراهيم محمود” قطع الطريق أمامي لسؤاله عن سير المفاوضات بأن قال بلهجة مرحة قرأت عمودك اليوم وفي البدء ظننت أن المقال كتبه “الهندي عز الدين”، وأنت تهاجم بشدة تدابير وإجراءات الحوار الوطني وجلسة السادس من أغسطس.. قبل أن أجيبه أغلق الأسانسير أبوابه وصعد مهندس فريق الحكومة التفاوضي.. وحينها أدركت بخبرة تمتد لنحو عشرين عاماً من مراقبة وتغطية جلسات التفاوض، أن المهندس “محمود” من السياسيين الذين يبتسمون في ساعة الشدة ولا تدل ملامحه على ما يطويه في جوانحه ويحيط به من مشكلات، وأن مفاوضات السلام قد وصلت في ذلك الوقت من الليل محطتها الأخيرة، وأن مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي الذي انتدبه “هايلي دسالين” لإنقاذ مفاوضات السلام من الانهيار والفشل قد عجز تماماً عن إقناع الأطراف بتجاوز العقد التي تزداد من ساعة لأخرى. وإثيوبيا كانت أكثر حرصاً على نجاح مبادرة خرجت من مخيلة رئيسها الراحل “ملس زناوي” قبل خمس سنوات من الآن، لوقف حرب تدفع ثمنها إثيوبيا أيضاً وهي تفرز حالات لجوء مضطردة قادمة من إقليم النيل الأزرق المجاور لها.
*الساعات الحاسمة
في مساء الثاني عشر من أغسطس جلسنا مع الزملاء “فضل الله رابح” و”محمد حامد جمعة” الخبير في القرن الأفريقي والمتخصص في الشأن الإثيوبي، مع الفريق “عماد عدوي” رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الذي كان يرتدي بدلة أفرنجية أنيقة وهو يتحدث الإنجليزية بطلاقة تخاله للوهلة الأولى دبلوماسياً رفيعاً في حكومة بلاده.. ولكنه ضابط شديد المراس تحدث بلغة هادئة عن توقعاته بأن يوم الثالث عشر من أغسطس سيشهد التوقيع على اتفاق وقف العدائيات. الثقة المفرطة التي تحدث بها الفريق “عماد عدوي” ليست ثقة مراقب ومتابع للمفاوضات بل صانع قرار وخبير بخفايا المفاوضات.. و”عدوي” الذي يبدو هادئاً وودوداً يهابه “ياسر عرمان” ويخشاه “جقود مكوار”.. ولا يقترب منه بعض أعضاء وفد الحركة .. قال “عدوي” من واقع جلسات مغلقة ولقاءات ثنائية أحيطت بالسرية التامة إن الأطراف ستوقع على اتفاق وقف العدائيات.. وأعلن مغادرته العاصمة “أديس أبابا” عائداً للخرطوم لحضور احتفالات القوات المسلحة وتسليم ملف الترتيبات الأمنية والعسكرية للواء “مصطفى محمد مصطفى” نائب مدير إدارة الاستخبارات العسكرية. نقلت الخبر للأستاذ “الهندي” بأن يوم غدٍ سيشهد توقيع الفرقاء على اتفاق وقف العدائيات، لكن “الهندي” كان تقديره أن نسبق التأكيد بالتوقعات وأصبح الخبر مبنياً على (المحتمل)!!
عندما قال الفريق “عماد عدوي” بذلك كانت المفاوضات في مسار دارفور قد انحصرت خلافاتها في ثلاث نقاط فقط، ولعب فريق الوساطة الأهلي الذي يقوده الفريق “إبراهيم سليمان” والسفير “الشفيع أحمد محمد”، دوراً وأفلح في إحداث تقارب حقيقي بين الحكومة ومتمردي حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان.. وبدأت لهجة “جبريل إبراهيم” هادئة وتصالحية مع الوفد الحكومي، رغم أن “مناوي” كان مشاكساً له يمزج الجد بالهزل وتتسم لغته مع د. “أمين حسن عمر” بالحدة حيناً والضحك أحياناً.. في الوقت الذي بدأت فيه الحركة الشعبية تنفيذ خطة ماكرة أجهضت المفاوضات فيما بعد.. وحينما اقترب مسار دارفور من الوصول لاتفاق حول مواقع قوات المتمردين بعد أن كانوا يرفضون تحديد مواقعهم.. ويعتبرون في أنفسهم إصرار الحكومة على تسمية مواقع قواتهم بالاستفزاز لهم.. لأن “جبريل إبراهيم” لا وجود لقواته على الأرض الدارفورية،  وتتمركز في دولة جنوب السودان وكانت وهي تحارب إلى ص في المياه العكرة تنازلت الحركة عن مطارات جنوب السودان وكينيا ولكنها تمسكت بمطار “أصوصا” الإثيوبي.. إلا أن الوفد الحكومي رفض ذلك باعتبار أن مبدأ الحفاظ على السيادة لا يتبدل ولا يتغير.. وأنها مستعدة لإشراك الحركة الشعبية في المراقبة والتوزيع للإغاثة التي تنطلق من “الأبيض” و”كادقلي” و”الدمازين”، إلا أنها أيضاً رفضت ذلك وأخذت تسرب معلومات عبر فريقها الإعلامي والصحافي الذي يقوده “عبد الوهاب همت”.
مغادرة “عقار” و”الحلو” ماذا وراءها
أولى مؤشرات تخطيط الحركة الشعبية لإجهاض مفاوضات “أديس أبابا” تمثلت في المغادرة المفاجئة لرئيسها “مالك عقار” لمقر التفاوض، بعد توقيعه على اتفاق خارطة الطريق وحديثه (الخشن) في الجلسة الخطابية الأولى وهو يقول، إن توقيع حركته على اتفاق خارطة الطريق لا يعني أنها تعترف بحوار قاعة الصداقة.. وبدا “مالك عقار” وصدره مثقل بدخان المشكلات، لكنه تعهد أمام الوسطاء والمبعوثين الذين حضروا الجلسة الاحتفالية بتجاوز ما في نفسه من مشكلات وضغائن. وفي الندوة التي أقامها حزب الأمة في صالة ضاقت بالسودانيين الذين توافدوا نحو العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، هاجم “مالك عقار” الحكومة بشدة.. ولم يبدِ حرصاً على لقاء المسؤولين الحكوميين حتى التحايا والمداعبات العادية مثل ما يفعل به الوفد وخاصة “جقود مكوار” و”أردول” ود.”أحمد عبد الرحمن سعيد”.. ود.”كامل مكي كوة” شقيق الراحل “يوسف كوة”.. وبعد الجلسة الافتتاحية غادر “مالك عقار” ومعه “عبد العزيز آدم الحلو” العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” إلى جهة ما.. وإذا كان “مالك عقار” رئيس الحركة قد وقع على اتفاق خارطة الطريق والتقى بحلفاء الحركة من الشخصيات المعارضة وحركات دارفور المسلحة، فإن “عبد العزيز الحلو” قد آثر عدم الظهور في مسرح التفاوض. وأمضى ساعات وغادر مع “مالك عقار”. وفي حديث لأردول عن أسباب مغادرة “مالك عقار” ومعه “الحلو” إثيوبيا، قال هم يعدون قواتهم في الميدان لعمليات الصيف القادم مما يؤكد أن الحركة مسبقاً لا ترغب في المضي في طريق المفاوضات.
ما بعد الانهيار
في المؤتمر الصحافي الذي عقده المهندس “إبراهيم محمود حامد” في منتصف ليل (الاثنين) بفندق (ردسون بلو) بالعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، قال إن الحكومة لن تصاب باليأس وستمضي في طريق السلام من خلال التمسك بالمفاوضات، وأنها مستعدة لدعوة وتلبية أية دعوة من فريق الوساطة الأفريقية لإنجاز السلام، ولكنها تطالب المجتمع الدولي بالوقوف على نوايا الحركة الشعبية الحقيقية نحو السلام وإصرارها على الحرب.. لأن جنرالات ولوردات حربها يستفيدون من معاناة الشعب. وعن خارطة الطريق قال إنها وثيقة موقعة ومشهود عليها من قبل الوسطاء والمراقبين والحكومة لن تتراجع مطلقاً عن الحوار الوطني لأنه مشروع استراتيجي.. وبدا “إبراهيم محمود” واثقاً من أن الحركة في الميدان انحسرت وهزمت وما عادت تشكل تهديداً للأمن في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وأن القوات المسلحة جاهزة الآن لحصد أي عمليات تقوم بها مع التزامها بوقف إطلاق النار الذي أعلنه المشير “البشير” لمدة أربعة أشهر، إلا أن السؤال هل يعود الإمام “الصادق المهدي” بعد انهيار مفاوضات وقف العدائيات ويشارك في التحول السياسي الداخلي، أم يبقى في الخارج إلى حين عودته مع حلفائه في الحركات المسلحة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية