"محمد حاتم" .. المحكمة والاستقالة !
{أعلم جيداً أن الأخ الأستاذ “محمد حاتم سليمان” نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم والمدير العام السابق للهيئة العامة للتلفزيون، من أطهر رجال الحزب الحاكم وأزهدهم في المال والأراضي والفارهات من متاع الدنيا الزائل .
{غادر “محمد حاتم” التلفزيون مديراً عاماً لسنوات، وهو لا يملك سيارة خاصة، فرصده محرر (المجهر) ذات نهار وهو يهرول نحو حافلة مواصلات عامة بالخرطوم، بينما الكثير من صغار وكبار موظفي الدولة وكوادر الحزب الحاكم يملكون من ذوات (الفور ويل درايف) واحدة واثنتين، ومن عقارات الدرجة الأولى في “كافوري”، “المنشية”، “الطائف”، “جبرة” و”الجريف” قصوراً عالياتٍ، ولم يحاكمهم قاضٍ أو يتحرى معهم وكيل نيابة، أو يسألهم حزب: من أين لكم هذا ؟!
{من الغرائب أن يتحرك ملف “محمد حاتم” من النيابات إلى المحاكم سريعاً، في وقت يسرح فيه أعضاء (المافيا) أصحاب حاويات الأقراص المخدرة الشهيرة التي وصلت ميناء “بور تسودان” من “بيروت” دون أن يتم القبض عليهم، فيما حوكمت أطراف ثانية في القضية مثل المخلصين، تماماً كقضية شهيد الصحافة الراحل “محمد طه محمد أحمد” فقد حوكم القتلة المنفذون ولم يُعرف حتى اليوم المجرمون المخططون والممولون!
{هذا قدر “محمد حاتم” عليه أن يصبر عليه، ويواجهه بقوة وجلد وأحسب أنه كذلك، وسينصره الله والله خير الناصرين .
{ورغم ما يستشعره “حاتم” من ظلم وترصد ومؤامرة، إلا أن انتقال قضيته للمحاكم تمثل من ناحية أخرى، أكبر شهادة ودليل على جدية رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” في حسم كل ملفات الفساد والتجاوزات الإدارية والمالية. وإن كنا لا نرى في بلاغ “محمد حاتم” جريمة فساد حقيقية، لكنها في النهاية شبهات ودعاوى جهات قانونية مسؤولة ولابد من الفصل فيها عن طريق القضاء السوداني العادل والنزيه .
{أن يقاد “محمد حاتم” إلى المحاكم دون حماية من الحزب الحاكم أو تدخلات من جهات عليا في الدولة لحفظ الملف، والرجل من أقرب المقربين للرئيس “البشير”، فهذا مما يحسب إيجاباً وعدالة في صالح السيد الرئيس .
{وإذا نظرنا ونظر غيرنا إلى القضية من زاوية المكايدات داخل الحزب الحاكم، فإن الزاوية المنفرجة المقابلة التي لم ينتبه لها كثيرون أو لا يريدون أن ينتبهوا، تمثل أهم حالة إشهار لشفافية الرئاسة وإصرارها على أن يأخذ القانون مجراه، ولو على أعز الناس وأقربهم للرئاسة !
{بقي شيء آخر مهم وحساس على الأخ “محمد حاتم” أن يتخذ حياله قراراً شجاعاً وعاجلاً، وهو ذهابه للمحكمة وما يزال نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني بالولاية الأكبر في السودان، مما يدخل الحزب في حرج بالغ ومسؤولية عظيمة، ويجعله يتحمل اتهامات هي في الحقيقة تطال فرداً .. لا جماعة، ما يدفع للخلط السياسي والاستغلال الإعلامي؛ هل محاكمة لـ”محمد حاتم” أم محاكمة لحزب المؤتمر الوطني ؟!
{ولا يستقيم الحديث العاطفي في مثل هذه المواقف عن تشكيل (لجنة إسناد) من الحزب لمسؤوله التنفيذي الأول، بل الصحيح والمنطقي أن يستقيل “محمد حاتم” من تلقاء نفسه، ويذهب للمحكمة متجرداً من أي التزام حزبي أو سياسي، إلى أن تسطع براءته بين الناس، فيعود قائداً أو جندياً في الحزب، عزيز النفس مرفوع الرأس .
{(سبت) أخضر.