عواصف تسبق مواكب الأفراح
العين والسبر والعارض
الخرطوم ــ سعدية إلياس
دعوة (ربنا يتم ليك على خير) قد لا يفهم البعض معناها ويمر عليها مرور الكرام، لكنها تعني إتمام الفرحة دون أية منغصات أو فلنقل (عوارض) حتى اكتمال ليلة العمر في قمة بهائها. لكن دعونا نقف عند معظم هذه (العوارض) عندما تتموضع في مربع المشكلات التي تتحدث عنها (حبوباتنا) من معتقدات وأساطير، باعتبار أن حدوث أي شيء يعرقل حركة سير موكب الفرح يعد نوعاً من العوارض، أو ما يعرف بـ(الكُج)، لذلك نجد أن الكل يعزف على نغمة واحدة بالدعاء لإكمال الفرح وتسخير الظروف، لكن رغم ذلك دعونا نرى بعض العراقيل عن قرب.
{ الذهب والرقم الوطني
عند ذهاب العروس لاستئجار أغراضها، درجت العادة في الكوافير على أخذ (الأمنية)، وهي عبارة عن عهدة تؤخذ على سبيل التأمين من الزبائن حتى لا يحدث أي مكروه لأحد الأشياء المستأجرة سواء أكان فستان زفاف أو خطوبة، وإن ضاعت واحدة من الأشياء تستعيض مالكة الكوافير بشيء ذي قيمة.. في السابق كان أصحاب الكوافير يأخذون (الجنسية السودانية) أو (الرقم الوطني)، لكن في الوقت الراهن تغير الوضع بأخذ (أي نوع من الإكسسوارات الذهبية).
{ فأل سيئ
عندما تتعرض العروس أو العريس لأي موقف قد يعرقل مسيرة الزواج، فهذا يعدّه البعض نوعاً من العين أو الحسد مما يجعل الكل وتحديداً كبار السن يلجأون للعديد من القصص الأسطورية والواقعية التي تؤكد الحادثة.
{ أشياء معرقلة
وهناك الكثير من المآسي التي تحفظها ذاكرة الأحداث المجتمعية التي تحدث أثناء التحضيرات لمناسبة الزواج أو الخطوبة أو عقد القران، منها مثلاً تعرض العريس أو العروس لوعكة صحية مفاجئة أو ضياع أشياء خاصة بالعروسة التي انتقتها بعناية فائقة وبين رمشة عين يأتي لص يستولي على (شيلة) عروس قبل زواجها بأيام معدودة لتدخل العروس في حالة نفسية سيئة.. وهناك قصة تحكي عن لص آخر بدد أحلام عريس على أعتاب الزواج واستولى على شبكة قيمتها (10) آلاف جنيه، (دبلة وخاتم وإسورة) من الذهب ليجد نفسه في ورطة.. وهناك قصة العروس التي أصيبت بهستريا عصبية بمجرد أن قامت بقياس ملابس (الشيلة) واستمر معها المرض العصبي إلى فترة طويلة، إلى أن عولجت على يد أحد مشايخ الطرق الصوفية.
{ شر مستطير
ومن الاعتقادات الرائجة وعند حدوث حالة من الجفاف المالي و(الفلس) سرعان ما يشرع الكل في التطير بأن العروس (كراعها يابسة). ولا يفوتنا بالطبع أن هناك (عروسات ذوات أرجل لينة).. والطامة الكبرى إذا توفي أحد المقربين جداً من العروسين، فهذا يجعل سياط الكلام تصيب الطرف الآخر خاصة العروس، التي قد يطالب أهل العريس بطلاقها بدعوى أنها (ستيبس عليه حياته) أو كما يقال على سبيل السخرية والتندر إن (العروس كراعها حارة مكوة).
{ والله القسمة ما معروفة
رغم الوعود والأحلام التي يعيشها الطرفان بأن يجتمعا تحت سقف واحد، قد يحمل القدر ما لم يكن في الحسبان، فالكثير من الزيجات تمتد إليها يد القدر فيصبح أحد العروسين بين غمضة عين وانتباهتها شريكاً لشخص آخر لم يجمعه به أي حلم أو أمنية خاصة في المجتمع السوداني، الذي يتدخل في كل كبيرة وصغيرة تحبط كل الخطط التي تخص اثنين فقط لا أكثر، ابتداء من تفاصيل (سد المال) و(فطور أم العريس) وخلافه.
{ إخفاء العروس
وفي رأي البروفيسور “علي بلدو” طبيب الصحة النفسية أن الزواج بين العيدين في السودان ارتبط تاريخياً بالعديد من الأساطير والخرافات التي منها الاعتقاد وسوء الطالع، وهي لا تخرج عن كونها (أسبار الزواج)، ويسيطر هذا الاعتقاد لدى الكثيرين في المناطق الزراعية والرعوية التي انتقلت للمدن بكثرة الحراك الاجتماعي والتداخل السكاني الذي أدى إلى ظهور مدن منحرفة- على حد وصفه- وأضاف إن العروس بمجرد خطبتها وبداية مراسم إتمام الزواج والتحضير له من شراء مستلزمات من الأسواق يسود لديها ولأسرتها اعتقاد بأنها ستصاب بالعين الحسد والسحر والمس والعوارض، وتلجأ الأسر إلى الإسراع في إتمام مراسم الزواج وذلك بالتقليل من النفقات وتيسير الأمور من تقليل مهر وإخفاء تفاصيل الزواج عن بعض الأشخاص من ذوي (العين الحارة) المشهورين بالنميمة (الكج)، هذا بالإضافة إلى حرص الأسرة على عدم ضياع مستلزماتها باعتبار أنه فأل سيئ ونذير شؤم. ويقول دكتور “علي بلدو” إن هذه النوازع النفسية والاتجاهات السلوكية تؤدي إلى تزايد نسبة التوتر والقلق والخوف والتوجس والعدوان والعدوانية والأرق الليلي والإرهاق الاجتماعي، وهذه جميعها تؤدي إلى مضاعفات خطيرة منها الشعور بالكآبة ورفض العريس وتغير وتقلب المشاعر والأحاسيس، كما تؤدي في درجات متقدمة للإصابة بحالة نفسية طارئة تسمى بــ(ذهان شهر العسل)، وهذا النوع يصيب ثلاث عرائس من كل عشر.
وفي ختام حديثه أكد “بلدو” أن الزواج يعدّ واحداً من الضغوط النفسية، ويحتاج المقدمون عليه لتأهيل وتدريب وانتقاص السوالب النفسية، وإزالة التراكمات الترتيبية، وزيادة التناغم والتفاهم النفسي، والتخلص من الهواجس والمخاوف حتى لا ينقلب شهر العسل إلى عكسه.