* التفاؤل يسيطر على أجواء تفاوض الحكومة مع قوى(نداء السودان)، في العاصمة الإثيوبية
أيهما أولا ً: الترتيبات السياسية أم الأمنية ؟
* مراقبون يؤكدون قدرة طرفي التفاوض على التغلب على شيطان التفاصيل!
الخرطوم ـــ محمد جمال قندول
تبدو المفاوضات الجارية حاليا بين الحكومة والمعارضة في العاصمة الإثيوبية، بأنها تمضي على غير المعتاد في الجولات السابقة، بما تحمله من مؤشرات لإمكانية الوصول إلى سلام واستقرار، حسب ما أفاد الوفد الحكومي للمفاوضات في مؤتمره الصحفي الذي عقده بأديس أبابا، يوم أمس الأول . فالجولة الحالية تشهد مرونة ملحوظة من قبل وفد المعارضة، ممثلة في قوى (نداء السودان)، التي عبرت عنها من خلال توقيعها على خارطة الطريق. وقد فتح التوقيع على خارطة الطريق من قبل المعارضة،المجال للآمال العريضة المتعلقة بإمكانيةالتقدم في المفاوضات وصولاً إلى اتفاق سلام. وذلك على الرغم من ظهور بعض التفاصيل التي تصعب من مهمةالتفاوض، وتعرقلها بين الحين والآخر، التي ينتظر أن يتغلب عليها الجانبان، بما يتوافر لهما من حسن النوايا والإرادة لبلوغ هدف السلام، مهما كانت الصعاب.
(1)
ويرى عضو الحركة الإسلامية والخبير الأمني العميد (م) “صلاح كرار”، بأنه لكي تنجح المفاوضات وتصل إلى بر الأمان فإنه يجب على الحكومة والحركات أن تتفق على كيفية تنفيذ كل الاتفاقيات السياسية والأمنية بشكل متزامن.
ويضيف في معرض إفادته لـ(المجهر) أن الحكومة والمعارضة يفتقد كل منهما الثقة في الآخر. وذلك بسبب مرارات وفشل اتفاقيات سابقة أبرمت، ولم تجد حظها من التنفيذ ومن النجاح. لذا يتوجب عليهما أن يمضيا بإرادة وعزيمة قوية ،وينشدان السلام حتى يتحقق.
ويوضح كرار أكثر بقوله: أن تنفيذ اتفاقيات الترتيبات السياسية والأمنية يجب أن يتم في إطار زمني واحد، بحيث أن كل خطوة لابد أن تتلوها أخرى، حتى لا يخشى أي طرف، الطرف الآخر.
وأشار “كرار” إلى أن الحكومة أخذت العبرة من تجارب الاتفاقيات السابقة مع المعارضة من خلال عدة منابر، منها أبوجا ونيفاشا، لذا هي متشددة في حل الحركة الشعبية لجيشها. وزاد : من غير المنطقي أن تكون هناك مفاوضات واتفاقات بوجود قوات غير نظامية، مثل الجيش الشعبي. في وقت طالب فيه القيادي بالحركة الإسلامية، د. “قطبي المهدي” الحكومة بعدم السماح بخلق نيفاشا أخرى، على حد تعبيره. وقال “قطبي” لــ(المجهر) إنه ينبغي على الحكومة أن لا تسمح بنيفاشا جديدة، وأجندة جديدة. وأن أقصى ما يمكن أن يحدث هو فقط الالتزام بوقف العدائيات واتفاق الترتيبات الأمنية. ومن ثم على المعارضة أن تترك ملف القضايا الإنسانية للحكومة لأنها هي المعنية به .
وأبدى “قطبي” استغرابه من التفاوض مع حركات دارفور . وقال : من غير المنطقي أن تدخل المفاوضات وهي أصلا هزمت في الحرب، كما أن الحكومة قد وصلت معها إلى وثيقة سلام عبر منبر الدوحة.
(2)
ومن إصرار الحكومة على أن تمضي الأمور وفق خارطة الطريق، وتركيزها على واحدة من أهم أجندة جولات التفاوض المتمثلة في حل الحركة الشعبية لجيشها، ويبدو أنها قد أخذت العبرة من تجربة نيفاشا حينما احتفظ المتمردون بجيشهم. في هذا الصدد قال الخبير السياسي البروفسير “حسن الساعوري”، في حديثه لـ(المجهر) إن الحكومة لن تلدغ مرتين، وأنها حريصة على وضع تجربة نيفاشا في الاعتبار، خاصة، وأن بند احتفاظ الحركة الشعبية بجيشها حينها كان واحدًا من أسباب الفشل.
وأشار “الساعوري” إلى أن الطرفين اتفقا على وقف العدائيات ووقف إطلاق النار. وأضاف أن الاختلاف ليس في المبدأ وإنما في الوسائل والتفاصيل التي يمكن أن تصل من خلالها إلى حلول.
ويرى أن التفاصيل قد تؤخر الطرفين، ولكنهما حتما سيصلان في النهاية إلى السلام. وزاد : (التفاصيل هتاخد وقت وتتحل. وزي ما بقولوا الشيطان في التفاصيل) وأنه قد تحدث مناورات وتكتيكات من الطرفين، ولكنهما في النهاية مجبوران للمضي قدما إلى السلام خاصة وأن الحركات والحكومة جربا العنف ولم ينجحا.
أما الخبير السياسي د.”صلاح الدومة” فقد قال لـ(المجهر) إنه يجب على الطرفين البدء بالترتيبات السياسية، وإبرامها وتنفيذها قبل الأمنية، وذلك تفاديا لشبح الفشل.
وأضاف “الدومة” أن الترتيبات الأمنية تتطلب الاستعداد النفسي والواقعي للطرفين، لذا إذا تم البدء بالسياسية فهذا يعني إتاحة مساحة من القراءة الواقعية.
وبحسب وجهة نظر “الدومة” فإن قوى المعارضة وقعت مجبرة على هذه اتفاقية خارطة الطريق بفعل ضغوط دولية من جهات خارجية، جعلتها تلجأ الي خيار التوقيع.
(3)
وبحسب خبراء سياسيين فإن التفاؤل يطغى علي جولة التفاوض الحالية، وذلك من خلال التصريحات الإيجابية لعدد من قيادات التمرد وأيضا الحكومة، فقد صرح “عرمان” بأن خيار وجود جيشين غير موجود، ويصب في مصلحة التسوية السياسية. في الوقت الذي أبدى فيه الحزب الحاكم، المؤتمر الوطني، سعادته بالتوقيع وأبدى عزمه على التفاوض بإرادة سياسية قوية، هذا بالإضافة إلى توحيد المنابر التفاوضية والضغوط والضمانات الدولية.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية بجانب عدد من الدول عاقدة العزم أيضا على إيجاد حلول حقيقية بالسودان، ويسعى “أوباما” خلال الفترة المتبقية من ولايته، لإنجاز تسوية سلمية بالسودان تساهم في ازدياد أسهم الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية، وإذا ما نجحت أمريكا تحت إدارة “أوباما” في حل مشكلة السودان فإن ذلك سيحسب في رصيد المرشحة الأمريكية “هيلاري كلنتون” خاصة وأن الديمقراطيين عبر حكمهم لأمريكا ساهموا في حلحلة عدد من الأزمات التي تركتها إدارة الجمهوريين لأقوى دولة في العالم بعدد من الدول، ومن بينها نقاط الاتفاق الكبير بالملف الإيراني وحل المشكلة الكوبية من خلال التطبيع وهو ما يشكل دافعا كبيرا إلى أن يختتم “أوباما” مسيرته الرئاسية بحل الخلافات العالقة بين الحركات المسلحة والحكومة.