أخبار

خربشات الجمعة

من سلبيات غياب الرقابة التشريعية على الحكم الاتحادي.. وتجريد المجالس من سلطة محاسبة الولاة والوزراء.. فقد أصبح  بعض الولاة في عهد التعيين طغاة في الأرض.. وفاض فساد بعضهم وملأ البر.. يبدأ الفساد بالبحث عن عشيرة الوالي من الأقربين والأصهار والأرحام الممتدة.. يمنحهم عطاءات تشييد المؤسسات ويخصهم بالهبات والعطايا.. ويحيطهم بالرعاية ويصبح وكيل الوزارة أهم من الوزير.. ومدير المكتب أعلى من رئيس المجلس التشريعي.. ويصبح الحزب جزءاً من مقتنيات حقيبة الوالي الذي هو الحاكم المطلق ورئيس الحزب وراعي الحركة الإسلامية.. ورئيس مجلس إدارة كل شيء.. ووزير المالية موظف صغير إذا لم يستجب لرغبات الوالي ويحقق له نزواته.. يتم طرده من الوزارة في رابعة النهار الأغر.
حتى الفرق الرياضية ، إن كان للولاية فرق تمثلها  في الدوري الممتاز، فقد يسند أمرها لحاشية الوالي، وخاصته من الأهل الأقربين للاستفادة من الدعم الذي تجده هذه الأندية.. وهكذا يصبح الولاة ملوكاً وأباطرة.. وللروائي الليبي “إبراهيم الكوني” ، مقولة بأن في نفس ودواخل كل حاكم إله صغير يمكن أن يكبر وينمو ويصبح إلهاً كبيراً.. حتى يبلغ درجة كبير الآلهة.. والحكم المطلق الذي يتمتع به الولاة وغياب مجالس الرقابة الحقيقية وتحجيم دورها و(معط ريشها)، جعل الولاة طغاة في الأرض لا يأبهون كثيراً للرأي العام.. لا يحترمون مواطناً ويحتقرون المجالس التشريعية لأنها مجالس (مستأنسة) و(ضلولة).. وبعض ولاة أمرنا من حكام تم فرضهم من المركز على الولايات بعد تعديل الدستور وسلب حق المواطن في اختيار حاكمه،هذا البعض من الحكام المعينين لا يأبهون كثيراً بالنقد الذي يوجه لأدائهم، ويعتبرون كل نصيحة وراؤها غرض ومؤامرة.. وكل ناصح هو طامع في منصب أو مال.. ولذلك تدحرجت بعض الولايات إلى أسفل.. وتوقفت فيها مشروعات التنمية.. ولم يبق إلا حاشية الولاة ومعتمدون ووزراء يتم نقلهم من موقع لآخر مثل الضباط الإداريين.. وحينما يصبح الحكم مطلقاً كالذي هو شاخص اليوم في بعض  ولاياتنا ويغيب أو تغيب آليات الرقابة ويصبح الولاة آلهة.. والفساد يغطي اليابسة والبحر.. والمواطنون لا نصيب لهم غير التحديق في الأفق البعيد وهم يتساءلون متى يقول الرئيس “البشير” كلمته ويعيد لأهل الولايات حقوقهم على الأقل في محاسبة ولاة الأمر وتقويمهم من خلال مجالس الولايات أو مجالس المحليات.
(2)
قد تدمع العين ويفجع القلب لرحيل شخص (لم تره عيناك كفاحاً) ولم تجالسه يوماً.. ولكن من خلال الكتابة تمددت جسور الوصل والتلاقي مثل العلاقة بين القارئ العربي والروائي “جبرائيل قارسيا ماركيز”.. وفي الأسبوع الماضي فجعت الأوساط الثقافية العربية برحيل عالم ومثقف لا يزال في سنوات العطاء الباذخ، الدكتور “عبد الله العسكر” الذي قدم للقارئ العربي ترجمات لمؤلفات عددٍ من الأفرنج مثل كتاب (التاريخ الشفهي حديث عن الماضي) تأليف “روبرت بيركس”، وكتاب (دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب من الإحياء والإصلاح إلى الجهاد العالمي) تأليف “نتانادي لوج”، وهذه الترجمات التي قدمها أستاذ التاريخ في المملكة العربية بعدد من الجامعات شكلت إضافة كبيرة للمكتبة العربية.. عطفاً على دراسات منشورة للعسكر في مجلة (الدوحة) و(الوطن العربي).. ومقالات متناثرة في الصحافة العربية، وقد كان “عبد الله العسكر” عضواً بمجلس الشورى السعودي الذي نشأ هناك..استجابة لمطلوبات العصر الحديث.. ولكنه كان مفكراً أكثر منه أستاذ تاريخ تقليدي يحفظ الوقائع ويسردها كما جاءت على شفاه الذين سبقوه.. وقد انتهج مبدأً مهماً في قراءة التاريخ ألا وهو إسقاط الماضي على أحداث الحاضر، والمقاربات بين ذاك الزمان وهذا الأوان.. مما جعل لكتاباته رواجاً واسعاً في الأوساط العربية والإسلامية، وقد غيبه الموت عن (64) عاماً وهو يعطي الساحة الثقافية بكل عنفوان الشباب وبذل الكبار، وقد رثاه صديقه “د. سعد البازعي” في صحيفة (الشرق الأوسط السعودية) وتناول سيرته، كذلك “أنطوان خزام” في صحيفة (الحياة اللندنية).. وبرحيل “عبد الله العسكر” خسرت الثقافة السعودية علماً في التاريخ، وشخصية ظلت حاضرة في دروب الثقافة والفكر لزمان طويل.
(3)
من يقرأ الصحافة الرياضية في بلادنا تجده حائراً في أمر الرياضة فيها.. تنقسم الصحافة ما بين الناديين الكبيرين داخلياً والصغيرين خارجياً.. الهلال والمريخ، ولا تهتم الصحافة بأخبار وأنشطة الأندية الأخرى إلا في حالات نادرة جداً.. حينما هزم مشاطيب الهلال الفرقة الراهنة.. لم يهتم أحد بعطاء أولاد الأبيض في الميدان، ولكنه كان يبحث عن أسباب ومبررات هزيمة هلال الكاردينال من هلال “هارون” وبأربعة أهداف داخل الملعب الذي كان مقبرة ،ولم يتعرض الهلال من قبل لمثل هذه الهزيمة إلا قبل سنوات حينما هزم الأهلي القاهري بملعب أم درمان بهدف للاعب “أبو شامة” من ضربة جزاء.. وبعدها تمددت الاحتفالات وأهمل الهلال مباراة الموردة التي ألحقت به هزيمة تاريخية بلغت (4) أهداف كان بطلها “خالد برشم” و”الصادق ويو”.. وفي مباراة الهلال مع أولاد الأبيض كان بطل المباراة مشطوب الهلال الأيفواري “موكورو” الرهيف الحريف.. ولاعب الوسط الذهبي “مهند الطاهر” الذي شطبه الكاردينال انتقاماً لشخصه وكبريائه، حينما رفض “مهند” إعادة توقيعه بكلمة شرف فقط على أن يترك التقييم للكاردينال.. وفي منافسات دوري سوداني هذا العام بزغ نجم فريق الهلال كادقلي الشهير بـ(أسود الجبال) وهو الآن يقترب من المنافسة على المراكز الأربعة الأولى.. ودخل في منافسة شرسة مع أندية الأهلي شندي الذي يحظى برعاية رجل الأعمال “صلاح إدريس” ونادي الخرطوم الذي يتمتع برعاية  جهاز الأمن والمخابرات وهلال الأبيض الذي يحظى برعاية مولانا “أحمد هارون”.. ولكن هلال كادقلي رغم ظروف ولايته التي تطحنها الحرب.. وقد توقفت فيها دورة الإنتاج، وهاجر ونزح نصف سكانها على قول واليها الجنرال “عيسى” إلا أن هلال كادقلي يقاتل وحده ولا يجد دعماً إلا من الوالي “أبكر” ومن ابن عم الوالي “الفاتح باني” أمين المال.. ووزير التخطيط العمراني “محمد شريف”.. كان حرياً بالإعلام دعم هلال كادقلي لا التقليل من شأنه ووصف هزيمته لأهلي شندي في دار جعل بالمفاجئة.. وهزيمته لفريق النسور الذي يمثل الشرطة أيضاً بالمفاجئة غير المتوقعة.. وحينما تعادل مع المريخ كان العويل والبكاء، وفي تلك المباراة سلب حكام اتحاد المريخ حقوق أسود الجبال في رابعة النهار.. وحينما يتعرض لاعبو هلال كادقلي للتهديد من فريق النسور الذي ظل المسؤولون عنه يثيرون المشكلات ويخلطون بين وظائفهم كضباط في قوى نظامية، ومهامهم الرياضية التي تمثل واجهة النشاط المدني الحر، فكيف يعتدى لفظياً مسؤول في قوات نظامية على فريق كرة قدم؟؟
ومتى يستيقظ الإعلام الرياضي ويمنح هلال كادقلي جزءاً يسيراً من حقوقه كنادٍ كبير استطاع هز عرش القمة وتهديدها والصمود في وجه مؤامرات الاتحاد الذي كان يمني نفسه بهبوط هلال كادقلي من الدوري الممتاز قبل أن يتفاجأ بصعود أندية دارفور الثلاثة.. وتختلط أوراق اللعبة وتخرج مدن عريقة مثل بورتسودان وكسلا، وتأتي نيالا وغداً الجنينة.. والقضارف، فهل يظل الإعلام الرياضي يمدح الهلال والمريخ ويتجاهل القوى الكروية الصاعدة من الأطراف؟!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية