عابر سبيل
هل كنا حقاً أقوياء؟
ابراهيم دقش
قابلت الكيني (موانشا) نائب رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي في نيروبي خلال اجتماع لجنة متخصصة ذات صلة بالآلية الأفريقية لمراجعة النظراء، التي يترأس دورتها الحالية الرئيس الكيني اوهورو كينياتا، ولم أكن أعرفه قبلاً كما لم ألتقه كفاحاً، وكان الرجل كريماً معي حيث ذكر لي أنه يعلم أني الوحيد الذي كتب مؤلفاً عن منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي الحالي) من الداخل، وأسر لي بأنه شرع في كتابة مذكراته لكنه يحتاج إلى “بوصلة” تتمثل في سفري المذكور (م.و.أ. اهي أكذوبة أم حقيقة)، ووعدته بمده بنسخة منه.. واسترسل الحديث بيننا فسألني مباشرة أن أورد له واقعتين محرجتين أو قاسيتين استعطت تجاوزهما.. واستغربت السؤال غير أني عزيته إلى أن الرجل يريد أن يتعرف على [السقوف] في المؤلفات ذات الخصوصية والعمومية، ولم أبخل عليه وهو مندهش كمن يستمع إلى قصتين من ألف ليلة وليلة.
الواقعة الأولى بعد سقوط نظام (الدرك) في أثيوبيا بقيادة “منجستو هايلى مريم” ومجيء نظام جبهة تحرير تقراي بزعامة ملس زنيادني، فقد اتصل بي على الهاتف مدير الأمين العام للمنظمة السفير سعيد جنيت (جزائري) وهو منزعج، وسألني هل تشاهد التلفزيون الأثيوبي، فلما نفيت قال لي أن تحقيقاً مفتوحاً جرى على الهواء مع (متهمين) بينهم مدير إدارة النقد الأجنبي بالبنك المركزي الأثيوبي يتعلق بمتاجرة في (يورانيوم)، وورد فيه أسمى على لسان مدير النقد الأجنبي.. ولاستغرابه ضحكت، فأكد لي أنه لا يمزح والأمر خطير، فقلت له بثقة إن الرجل جاءني فعلاً في مكتبي ورددته على أعقابه، وخير له ولرئيسه أن يسمعا منه الخبر شخصياً رغم أنه يتحدث بالأمهرية وليس الانجليزية.. ولم يخذلني الرجل فقد اعترف بأني (طردته) من مكتبي.. ومع ذلك لم تمنحني المنظمة وساماً فيما لو قال الرجل العكس لحاسبوني وعاقبوني وربما “رفدوني”!
الواقعة الثانية، إن سفيراً أفريقيا (أو هكذا فهمت) قد اتصل بالأمين العام للمنظمة، سالم أحمد سالم، بعد الواحدة صباحاً ليقول له إن ناطقه الرسمي يدلي آخر الليل بتصريحات صحفية لإذاعات خارجية وتحديداً (البي بي سي) وهو “ثمل”.. وتصرف الأمين العام بردة الفعل وطلب مدير مكتبه السفير سعد جينت (جزائري)، وطلب منه أن يخطرني رسمياً وهاتفياً بأن أقفل ممن SHUT UP لكن الأخير نقلها لي بالعربية “الأمين العام يطلب منك أن تسكت”.. فاتصلت على الفور بسالم وقلت له متحدياً: سأصمت وسأسكت إلى الأبد.. وعليك أن ترد على الإعلام والاستفهامات والتساؤلات والتعليقات شخصياً، وشاء الله أن (تنصفني) إذاعة (البي بي سي)، إذ أعادت تصريحي عند صباح اليوم التالي، وسمعه الأخ سالم، وكان شجاعاً فاتصل بي على الفور عبر الهاتف، وقال لي حرفياً: لقد سمعت تصريحك لإذاعة لندن وكان متوازناً، ولو كنت أنا المتحدث لما أدليت بأفضل منه! وقبلت الاعتذار بشرطية واحدة هي أن يدلني أو يواجهني بالسفير الذي اتصل به.. فاعتذر بطريقة ذكية بأنه لا داع لمواجهة تعود بفرقة، وأدركت عندها فقط من يكون (السفير)!
تعليق الأخ (موانشا) أراحني حقيقة: كم كنتم أقوياء!!