"أحمد إبراهيم الطاهر".. محامي المساكين وخليفة "الترابي" في البرلمان!!
يحسبه البعض حكاية غريبة يلفها الغموض، والبعض الآخر يقرأه بوضوح شديد بشخصياته المتعددة والمتناقضة، مولانا “أحمد إبراهيم الطاهر” رئيس البرلمان والقيادي بحزب المؤتمر الوطني، عرف بولائه الشديد لحزبه، كتبت عنه الصحافة مقالات (مدح وذم)، وانتقده الكثير من المعارضين في الأحزاب الأخرى، وأحياناً من داخل حزبه، ويذهب أكثر المعجبين به إلى وصفه في كلمات مقتضبة بأنه (قائد صارم ذو شخصية متحدية وجريئة وساخرة أحياناً). ويرى آخرون بأنه شديد الغضب، أما المقربون منه فيصفونه بالإنسان والصديق الوفي، وبأنه كثير التواضع، وهادئ لا يتسرع في قراراته، وقد تكون تلك الصور أبعد ما يكون عن الحقيقة أو قريبة جداً منها، لكن سواء اختلف الناس حوله أو اتفقوا، فالأمر لديه سيان، فالمهم إلا تصيب السهام حزبه، وهو دائماً ما يقول عن نفسه بما يثبت ولائه للحزب (أنا اشقي الناس برئاستي للبرلمان التي استمرت كثيراً لكنني عضو ملتزم في مجموعة حاكمة بقراراتها أنفذها مهما كانت صعبة علي).
سيرة ذاتية:-
بين حياة وأخرى تبقى السيرة الذاتية، ووفقاً للتسلسل الزمني، فإن مولانا “الطاهر” ولد في (المزروب) بولاية شمال كردفان، وهو من قبيلة (المجانين)، تلقى تعليمه الأولى في (المزروب)، ينتقل بعدها للدراسة في جامعة الخرطوم بكلية القانون، وكان أبرز الشخصيات من دفعته بالجامعة النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه”، ورئيس تحرير صحيفة (الخرطوم) “ضل الله محمد”، ولديه أربعة من الأبناء بينهم ابنة واحدة تزوجت قريباً، عمل بالمحاماة لفترة، وكان يطلق عليه محامي (المساكين) لعدم تمسكه في طلب المال مقابل المعاملات والقضايا، انتقل بعدها للعمل في وزارة العدل، ثم عاد مرة أخرى للمحاماة، وقد دخل البرلمان بصفته عضو في العام (1982م).. وكان يسمى – وقتها – مجلس الشعب القومي في عهد الرئيس “جعفر محمد نميري”، بعدها عُيّن وزير مالية ونائب لوالي ولاية دارفور الكبرى في أول سنين الإنقاذ، ثم عاد للبرلمان مرة أخرى، وفي العام 1994م تم تعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية للشؤون القانونية لأربع سنوات، أما في العام 1998م تقلد منصب وزير الحكم الاتحادي، كما عين عضواً مجلس القضاء العسكري في الفترة من العام (2000-2001م)، وعمل مستشاراً لرئيس الجمهورية لشؤون السلام، وهي السنوات التي تمت فيها المفاوضات مع الجنوب. وقد نال ثقة رئيس الجمهورية خلال مشاركته في الملف ليتسلم بعدها رئاسة البرلمان في العام 2001م وحتى الآن. ويذكر بأنه عين لفترة رئيساً للقطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، كما شغل منصب رئيس البرلمان العربي لدورتين متتاليتين.
وهو أحد قادة الحركة الإسلامية البارزتين بولاية شمال كردفان، ويقال إن لديه باعاً طويلاً في انتشار الجبهة القومية الإسلامية بجنوب كردفان.
ويؤكد لنا أحد أصدقائه أن مولانا “الطاهر” لديه موقع رفيع في الحزب، وهو من المقربين لدى رئاسة الجمهورية، قاد البرلمان في أكثر فترتين حرجتين في تاريخه، فترة نيفاشا والانفصال وما بعده، وتولى رئاسة البرلمان لثلاث حقب متتالية منذ العام (2001م). وكان يطلب لنهاية كل فترة تنحيه إلا أن القيادة كانت تتمسك به، وقد سجل موقفاً عند انتهاء مدته في البرلمان الانتقالي، فكان أول من سلم عربته وأفرغ محتويات مكتبه.
علاقته بالحركة الشعبية والمعارضة:
يقول نائب برلمان سابق عن مولانا “الطاهر” بأنه يتميز بالهدوء، لكن في المقابل لديه صفة متناقضة عندما يغضب يكون غضبه شديداً، وقد عرف من تصريحاته التي كانت تثير غضب واستفزاز المعارضة، ورغم صفته كرئيس للبرلمان، إلا أنه كثيراً ما كن يستثير غضب المعارضة والحركة الشعبية داخل وخارج البرلمان بتصريحاته المستنفرة. ومن المواقف التي حسبت عليه في برلمان ما قبل نيفاشا إيقافه لمخصصات النائب البرلماني “عثمان علي حمد” من دوائر بورتسودان، الذي كان يتبع للمؤتمر الوطني؛ لأنه كان أول عضو يعلن انتماءه للحركة الشعبية. وقد ألب عليه هذا القرار الرأي العام وكتاب الأعمدة في ذلك الوقت، إلى أن استجاب وتراجع عن قراره بإطلاق سراح مرتب العضو.
وعلى الرغم من أن المقربين له يصفونه بالتواضع الشديد، إلا أن أكثر ما يعيبونه عليه عداوته الشديدة للحركة الشعبية. ويذكر خلال مشادة حدثت بينه وبين رئيس كتلة الحركة في برلمان نيفاشا “ياسر عرمان” في إحدى الجلسات، وكنا شهوداً لتفاصيلها من شرفة الإعلاميين، حيث قام “عرمان” بتمجيد رئيس الحركة، النائب الأول للرئيس – في ذلك الوقت – رئيس حكومة الجنوب حالياً “سلفاكير ميارديت”، ووصفه بأنه الأعلى دستورياً من “الطاهر” إلى آخر الحديث، إلا أن “الطاهر” الذي كان يترأس الجلسة بدأ وكأنما ألقم “عرمان” حجراً، وهو يرد عليه ببرود: يبدو أنك لم تطلع الدستور، فأنا دستورياً أعلى من “سلفاكير” لكنني لست مكترث للأمر كثيراً.. هذا ولم يدع “الطاهر” سانحة أو مناسبة في جلسة من الجلسات، إلا وانتهزها ليطالب “سلفاكير” بالحضور لمخاطبة إحدى جلسات البرلمان، لكن الأخير لم يستجب لطلبه أبداً حتى تم الانفصال.
ومن أطرف المواقف والمفارقات التي يحكيها أحد النواب أن ترشيح “الطاهر” لرئاسة البرلمان في الفترة الانتقالية، جاء من عضو الحركة الشعبية “مالك عقار”، بينما تم ترشيح “أتيم قرنق” عضو الحركة كنائب لرئيس المجلس من “هجو قسم السيد” عضو المؤتمر الوطني.
أما في البرلمان الأخير المنتخب، جاء ترشيح “الطاهر” من العضو الجنوبي “تون قلواك دينك” الذي ذهب إلى دولته (الجنوب) بعد الانفصال.
كما لا يخفى على الجميع مواقف الشد والجذب بينه و”عرمان”، فلم تكن بينهما نقاط التقاء طيلة فترة تواجدهما في البرلمان، ومن المواقف التي تذكر عنه، حين طلبت الشرطة رفع الحصانة عن “عرمان” عندما أساء إليها في أحد المواقف، وتوقع الكثيرون – بما فيهم “عرمان” نفسه – بأن يسارع “الطاهر” بالتوقيع على الطلب، إلا انه تباطأ في اتخاذ الخطوة. ويقال بأنه تحدث لوزير الداخلية في ذلك الوقت لسحب الطلب، وعندما سأل الصحفيون “الطاهر” عن موافقته على رفع الحصانة رفض الإجابة، وقد حسبت هذه الخطوة لصالحه.
علاقته بالإعلام:
كانت لديه معرفة جيدة بالإعلام منذ أن كان طالباً، وقد ترأس صحيفة (آخر لحظة) بجامعة الخرطوم آنذاك، وكثيراً ما كان يشير إلى علاقته بالصحافة عند لقائه بالصحفيين في قائمة المؤتمرات الملحقة بمكتبه بالمجلس الوطني بأم درمان. ويقول إنه عمل صحفياً وكاتب رأي في فترات أخرى.
ويحكي عنه في هذا الجانب رفيق الزمالة والدراسة الأستاذ “علي عثمان محمد طه” في جلسة مع الشباب بأن مولانا “الطاهر” كان ينتظرهم بفارغ الصبر ليطلعهم على آخر الأخبار ليخرجوا بها لصحيفة الإسلاميين كعناوين ومانشيتات رئيسة. وقد تميز “الطاهر” بثقافة عالية وحب للاطلاع، وفي كل سفرياته كان يحرص على شراء الكتب، وهو يجيد اللغة العربية والانجليزية، ولديه علاقة جيدة بتقنيات الكمبيوتر والانترنت..
أما علاقته بالصحفيين، فقد تميزت في بدايتها بالشد والجذب، وكان طابعها العداء أكثر من القبول، ومن المواقف التي تحسب عليه، منعه لأحد الصحفيين عن دخول البرلمان بسبب نشره لخبر، لكن الأمر تمت معالجته بتدخل بعض الصحفيين؛ مما جعله يتراجع، وكان هذا الموقف سبباً في تغيير العلاقة للأفضل، وبداية انطلاقة، فتحت بعدها نوافذ للتعامل الجيد، وتحسنت علاقته مع الصحفيين بصورة طيبة استمرت حتى الآن.
إدارته لجلسات البرلمان:
من المعروف عن “الطاهر” أن جلسته تتميز بالانضباط الشديد، إلا أنه كثيراً ما يكون حاداً مما يجعل بعض النواب يشتكي من عدم عدالة توزيع الفرص، لكن أهم ما كان يميزه – بحسب ما ذكره احد الأعضاء – بأنه كان يحفظ كل أسماء العضوية حتى الجنوبيين منهم.
ويقول رئيس الهيئة البرلمانية لجنوب دارفور، عضو المؤتمر الوطني، “عبد المنعم أمبدي”، لـ(المجهر)، إن إدارة “الطاهر” فيها كثير من الموضوعية والانضباط باعتباره شخصية قوية، ولديه إلمام وثقافة عالية بما يطرح من قضايا، لكنه عاب على “الطاهر” الانتقائية في توزيع الفرص للمشاركة في الجلسات. وانتقد عدم اهتمام “الطاهر” بقضايا النواب. وقال إن دوره ضعيف في هذا الجانب مما أثر سلباً في الوضعية البروتوكولية للأعضاء أمام الجهاز التنفيذي.
أما رئيس كتلة شمال كردفان “محمد طاهر أبو كلابيش”، وهو من نفس ولاية “الطاهر”، فقد رفض الحديث تماماً أو التعليق. وأبدى استعداده للحديث عن أي موضوع آخر عدا هذا.
وكان عضو البرلمان السابق في المعارضة “محمد وداعة” قد انتقد، في حديثه لـ(المجهر)، في فترة سابقة، أداء “الطاهر”. وقال لقد وضع “الطاهر” نفسه في مأزق، وهو يتحدث نيابة عن الجهاز التنفيذي لتمرير قراراته (في إشارة لدفع الدعم عن المحروقات).
أما زعيم المعارضة الحالي بالبرلمان، رئيس كتلة المؤتمر الشعبي، فقد تحفظ عن التعليق على أداء وإدارة مولانا “الطاهر” للبرلمان. وقال لـ(المجهر) إن “الطاهر” قضى أطول فترة في البرلمان بعد مفاصلة الإسلاميين، وحتى الآن، وهو أول من جلس على رئاسته بعد د. “حسن الترابي” زعيم الشعبي، لكني أتحفظ عن الخوض في هذه المسألة، ولا أنكر أن لديّ ملاحظات على أدائه، لكن حتى لا أظلمه وأظلم نفسي، سأقول رأياً بعد أن يستكمل فترته الانتخابية؛ لأتمكن من تقييم تجربته، وإن كنا لا زلنا أحياء حتى ذلك الوقت.