في خطوة وُصفت بـ(المماطلة): تعليق التفاوض.. الوقوع في (مأزق) مجلس الأمن
في الوقت الذي بدأ فيه المراقبون في شمال وجنوب السودان يتفاءلون بتحقيق اختراق مهم وكبير في المفاوضات المنعقدة بين الطرفين بأديس أبابا، خاصة في أعقاب اللقاء المهم الذي جمع بين رئيسي البلدين، وكان بمثابة دفعة كبيرة لسير التفاوض، في هذا الوقت بالذات.. ووسط ترقب كبير من الجميع بقرب الإعلان عن حسم بعض الملفات العالقة؛ فاجأ وفد جنوب السودان الجميع بتعليقه التفاوض مع الشمال بشكل نهائي، على خلفية اتهامه لحكومة الخرطوم بشنِّ قارات جوية على بعض المناطق داخل حدود الجنوب، بولاية شمال بحر الغزال صباح الجمعة، فيما سارعت الخرطوم بنفي تلك المزاعم، وتأكيدها أن قواتها قامت بصد حشود لقوات حركة العدل والمساواة قادمة من الجنوب، داخل منطقة “أم عجاج” بالأراضي السودانية، وليس داخل حدود الجنوب.
وبينما اتبع وفد جنوب السودان قرار تعليقه التفاوض، بشكوى للوساطة الافريقية للبت في الأمر، تمسك وفد السودان بحق الدفاع عن أراضيه، معلناً عن استعداده للاستمرار في التفاوض المباشر مع وفد جنوب السودان. وأكد الناطق باسم الوفد “عمر دهب”، أن ما حدث هو محاولة من قوات العدل والمساواة مهاجمة مناطق داخل السودان عبر الإلتفاف من داخل الجنوب، مشدداً على أن القوات المسلحة السودانية تعاملت معها داخل الأراضي السودانية، ولم يحدث أن اخترقت أراضي في جنوب السودان. ولم تعلّق وزارة الخارجية على الأمر حتى كتابة هذا التقرير، واكتفى وكيل وزارتها “رحمة الله محمد عثمان” بأنهم في انتظار ما تخرج به الوساطة حول الأمر.
وتُعيد هذه التطورات التي تأتي قبل حوالي عشرة أيام من انتهاء المهلة الممنوحة للطرفين من قبل مجلس الأمن بحسب القرار (2046)؛ تعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر. وعَدّ مراقبون تعليق التفاوض من قبل طرف في التفاوض، بمثابة انهيار للمفاوضات التي وصفت بـ(الهشّة)؛ فمنذ أن استؤنفت قبل أكثر من شهرين، لا زالت جولاتها تراوح مكانها، دون أن تنجح في إحراز أي تقدم في أيٍ من الملفات العالقة.
ويرى مراقبون أن جوبا ظلت تتلكأ في المضي قُدماً باتجاه نهايات التفاوض، بإثارتها للعديد من الخلافات والمشاكل التي أعاقت سيرها، وليس آخرها مسألة تضمين أراضٍ تابعة للشمال في خريطتها، لذلك فهي تبدو وكأنها تريد أن تنهي مُهلة مجلس الأمن دون الاتفاق على شيء، وتراهن في ذلك على أن عقوبات مجلس الأمن ستتأثر بها الخرطوم أكثر من جوبا، باعتبار أن الأخيرة تجد سنداً من المجتمع الدولي، مقابل العداء الواضح الذي يعامل به حكومة السودان.
ومنذ إعلان وفد الجنوب تعليق التفاوض من جانبه، نشطت الوساطة الافريقية في تحركات مكوكية لاحتواء الأمر، ودخلت في اجتماعات منفصلة مع كل طرف سعياً لإنقاذ التفاوض، اجتماعاتٌ استمرت بحسب مصادر في مقر التفاوض، طيلة ليل الجمعة وحتى صباح أمس (السبت). ويتوقع أن تُستأنف المفاوضات بحسب الوساطة اليوم (الأحد)، بمقر التفاوض الأول بفندق (ريدسون بلو) بالعاصمة الأثيوبية (أديس أبابا)، بعد أن اشترط وفد حكومة جنوب السودان عودته للتفاوض إلا في وجود الوساطة.
ويستبعد المحلل السياسي دكتور “حسن الساعوري” تعرُّض المفاوضات للانهيار، ويصف ما حدث بـ(المماطلة) من جانب حكومة الجنوب، بعدما أحست بعد الجولات الأخيرة بأن المفاوضات أوشكت على الوصول لاتفاق، ويمضي “الساعوري” في حديثه لـ(المجهر) بأن السبب الحقيقي في تعليق الجنوب للتفاوض هو الانقسام الذي حدث في المكتب السياسي للحركة الشعبية حول استئناف ضخ النفط، وليس قصف الجيش السوداني لأراضٍ جنوبية كما ادّعت حكومة الجنوب. وأشار “الساعوري” إلى أنه تحدّث عن هذا الأمر كثيراً بأن هناك طرفاً لا يريد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق، دون ان يكشف عنه، ولكن الآن – والحديث لـ”الساعوري”- اتضح للجميع أن الحركة الشعبية هي المتخوفة من الاتفاق بين الطرفين على مختلف القضايا، وظهر حجم الخلاف الكبير بين أولاد قرنق وسلفاكير، مضيفاً بأنه لابد من حسم هذه الخلافات بينهم اولاً، لأنها تتعلق بأهم قضية بالنسبة لهم – النفط -، ومن ثم ينخرطوا في التفاوض. وقلّل “الساعوري” من مسألة انتهاء مهلة مجلس الأمن. وقال إن ذلك أمر لا قيمة له، ولا ينبغي التركيز عليه، إذ لا يستقيم في قضية بها خلاف ونزاع أن يتم تحديد سقف زمني لها. وزاد (لا يوجد مفاوضات يتم تحديد سقف زمني لها في أي مكان).