وجوه سودانية : عبد القادر سالم.. ساحر العمامة والرملة الدقاقة!!
وغناء كردفان (براهو)، وكل الأصوات الآتية من هناك لا مثيل لها، وإلا لماذا معظم المذيعين ذوي الأصوات الباهرة من (أم خيراً جوه وبره)، وهل ثمة علاقة بين الرمال والأصوات وبين المساحات الشاسعة الممتدة ودربة الحناجر ومهارتها.
ولأن الأصوات والإيقاعات هي بداية الغناء، فإنني استحضر هنا اقتباساً من مذكرات (يوسف ميخائيل) بالعربية المحكية كردفانياً، حيثُ قال ( قام المهدي وأمر الخليفة عبد الله التعايشي بضرب (أم بابا، والنحاس حربي) لأجل اجتماع الأنصار، وصار يذاكر فيهم ويقول: يا أخوانا أنصار الدين أبشروا بالكرامة والغنيمة التي أرسلها لنا رب العالمين، أخبرني سيد الوجود، والنبي الخضر عليه السلام أن هذه الجردة تقتلوها في نصف ساعة).
وبدأت المعركة على إيقاعات أم بابا والنحاس حربي، فكانت الغنيمة نصراً مؤزراً، لكنها كانت في ذات الوقت إيقاعاً ما زال يظهر في تلك الصورة التي التقطها “عصام عبد الحفيظ” لأحد رموز الغناء الكردفاني الحديث.
(1)
وعبد القادر سالم، ظل أسيراً في (قويز) الغناء لإيقاعات غزال كردفاني رشيق وخفيف جوده وأضاف إليه دونما خلل، ودون خلل أيضاً ظل عنق عوده مشرئباً وعمامة إبداعه منفوخة كـ(العهن المنفوش)، حتى أنه بعد أن (تدلى) (ودي) الخرطوم، لا زال معتلياً (صهوة لوري) الأغنيات الكردفانية الباذخة يشدو بها قطوفاً دانية وأصقاعاً نائية.
(2)
والصورة في ارتفاع العنق إلى جانب (العود) تحتفظ بنسب دقيقة ليست بالمعيار الرياضي الهندسي فحسب، بل بمعيار اقتراب الأوتار من الأذن الشمال، وبقياس تلك النظرة المشرئبة إلى أغنيات شاردة، ربما فاقت تطريباً (ناس) (الله الليموني، مكتول هواك، خفيف دمه، اللوري حل بي)، وكأني الآن، بـ”عبد القادر سالم” يُدخل يده بين تلافيف عمامته، ويهتف(Abra cadabra ) كـ( ساحر) ثم يخرج أغنياته الباهرة، ويصدح بها في الناس وهو (يتوهط) (الرملة الدقاقة).