أخبار

دعهم وشأنهم

“سامي أكوج” ذلك الشاب الأبنوسي باسم المحيا.. لطيف حين تلتقيه.. عاد أمس الأول للخرطوم بعد سنتين من الغربة القسرية.. والتمرد ضد الدولة وحمل السلاح حتى هزل جسده الفارع وشحب الوجه الوضئ ورسمت المعاناة تجاعيدها في كل جسد “سامي أكوج” الذي ينتمي إلى قبيلة الشلك في أعالي النيل.. وهم من المجموعة النيلية في جنوب السودان وتعتبر “فشودة” هي عاصمتهم التاريخية ومقر (كجورهم) الذي يدعى (المك).. كان “سامي أكوج” من شباب المؤتمر الإسلاميين.. قريباً من “موسى المك كور” وغير بعيد بصلات القربى ووشائج الرحم مع “فاقان أموم”.. فجع “سامي” في حياته مرتين، الأولى حينما اختار الجنوبيون الانفصال وتبعات تلك الخطوة عليه شخصياً، فاضطر لبيع منزله بالكلاكلة بمبلغ زهيد جداً وحزم حقائب السفر عائداً لأرض الأجداد والآباء، وتبقى الأوطان في دمن الأفراد وفي قلوبهم وكان يمني نفسه بجنوب تفيض خيراته على الجيران وتنبت فيه بذرة دولة الخلاص لوسط وشرق أفريقيا.. لكنه وجد نفسه يحمل السلاح مرغماً.. بعد سنوات من عيشة رغدة.. وسهلة في الخرطوم فانضم “سامي” إلى فصيل “رياك مشار” وهو الذي لم يتعود على حمل السلاح ولا قتل  حتى نملة بغرفة منزله بالكلاكلة، لكنها الحرب الاثنية التي دفعت فتى الشلك لحمل السلاح وقتال ابن عمومته من النيليين الدينكا سنداً لأبناء عمومته الأقربين من النوير.
ما أن وضعت الحرب أوزارها.. وجفت الدماء وبقيت الدموع تهطل كالمزن إلا وعاد “سامي أكوج” للخرطوم بشوق وحنين، وحب لمدينة عاش فيها أحلى سنوات العمر.. الآن يطوف “سامي أكوج” على أم بدة والكلاكلات والثورات والحاج يوسف لتعزية أصدقائه وأهله الذين فقدوا عزيزاً لديهم.. يوم رحيل خالي البروفيسور “التجاني حسن الأمين” والدموع في المآقي كان هاتفي يستقبل التعازي من الذين في المدن والحضر والبادية، ومن المتمردين ليس في دولتنا السودان بل متمردين على “جوبا” العاصمة الشقيقة للخرطوم.. أمثال “سامي أكوج” اليوم يسددون فواتير غيرهم ويحصدون غرساً لم يزرعوه.. نحل الجسد.. ورهق وشاخ “سامي” وهو في عز الشباب لكنه لا يزال ممسكاً بدينه على وجهه شامة سوداء أثر السجود.. كما عرفته في الرنك قبل عشرين عاماً وكما عاشرته من بعد في الخرطوم، يبقى “سامي” ضحية لدولة مضطربة ونخب فشلت تماماً في الارتقاء لمستوى المسؤولية.. وقد صدقت نبوة اللواء “صديق البنا” في مذكراته حينما قال، إن العنصر الوحيد لتحييد الجنوبيين هم الشماليون.. وإذا ذهب الجنوب دولة منفصلة عن السودان لن يكتب لها الاستقرار ذلك ما حدث. والآن يعلن الرئيس “سلفاكير ميارديت” حكومة جديدة بوجوه قديمة لم يغب عنها سوى شخصين فقط.. هما “فاقان أموم” الأمين العام السابق للحركة الشعبية و”كوستا ماينبي”.. عاد “لام أكول” لكنه وزيراً للزراعة.. واحتفظ “رياك مشار” بموقعه نائباً أول لسلفاكير.. ولكن عودة “دينق ألور” وزير الخارجية تمثل خطوة أولى باتجاه تعزيز فرص أبناء “أبيي” الشمالية في دولة الجنوب، وهي مقدمة لتوترات جديدة بين الشمال والجنوب وصعود قضية “أبيي” إلى أعلى.. وقد نصحنا أولي العزم منا.. والقابضون على الحكم بالأيدي أن يستعينوا بدينكا نقوك في السلطة ويتم تمثيل “أبيي” في حكومة المركز وبغرب كردفان، ليجد أهلنا الدينكا نصيبهم في الوقت الذي طردهم “سلفاكير”.. حتى موقع ممثل دولة الجنوب في الأمم المتحدة حرم منه “فرانسيس دينق مجوك”.. وابعد من جامعة “جوبا” ابن عمه “لوكا بيونق”، فضاعت فرصة وأهدرت.. والآن وجود أمثال “سامي أكوج” بيننا فرصة لتعزيز فرص التلاقي والتفاهم والتصالح مع الجنوب الذي لا يكسب هو، ولا نكسب نحن من العداوة المتبادلة أما دون ذلك فلندعهم وشأنهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية