حوارات

القيادي بالمؤتمر الوطني البروفيسور "عبد الرحيم علي" في حوار مع (المجهر السياسي) (3-3):

{ سألناه في بداية حوارنا، من أنت؟
– قال:  “عبد الرحيم علي” من مواليد منطقة الخندق بالمديرية الشمالية، نشأت وترعرعت وسط أسرة متوسطة الحال، كان والدي يعمل بالتجارة، ومن ثم تحول للعمل الزراعي، تلقيت بدايات دراساتي بمدرسة (الخندق النصفية)، كما كان يطلق عليها آنذاك، ثم القولد الأولية، ثم القولد الوسطى، ثم مدرسة وادي سيدنا الثانوية، ومن ثم انتقلت للدراسة بجامعة الخرطوم كلية الآداب.
{ أول محطة عملت بها بعد التخرُّج؟!
– عملت مدرساً بمدرسة دنقلا الثانوية، أستاذاً لمادة اللغة الانجليزية، عدت للتدريس مدة أخرى بعد أن أطلق سراحي من السجن السياسي.
{ أين كانت محطتك الثانية بعد الإفراج عنك من السجن؟
– محطتي الثانية كانت التدريس بمدرسة التجارة الثانوية.
{ إذا أعدناك للوراء هل كنت من الطلاب الشطار؟
– في بداية تعليمي عندما كنت بالمرحلة الأولية كنت من الأوائل، وفي المراحل الأخرى كنت في الوسط، وفي المرحلتين الوسطى والثانوي لم يكن لدي اهتمام بالدروس أو المذاكرة.
{ وماذا كنت تعمل؟
– كنت مهتماً بقراءة القصص، وظللت على ذلك خلال المرحلة الثانوية، والجامعية كذلك.
{ ما هي المواد المحبّبة لك؟
– اللغتان الانجليزية والعربية، كما كنت ميالاً لمواد الفلسفة رغم أنها لم تكن من المواد الدراسية المقررة.
{ وما هي المواد التي لم تكن تحبها؟
– الجغرافيا والكيمياء والفيزياء.
{ وما هي الكتب التي قرأتها؟
– قرأت كتباً في علم النفس والفلسفة.
{ من هو أول شخص أخبرك بنجاحك في الشهادة السودانية؟
– وقتها كانت النتائج تذاع عبر الراديو.
{ رغم أنك لم تكن من المتفوقين في الدراسة، هل كنت متوقعاً دخولك جامعة الخرطوم؟
– كنت متوقعاً دخولي جامعة الخرطوم.
والسبب؟
– السبب أنني أخذت ستة علوم، وكنت واثقاً إنني سأنجح فيها، ولم أكن قد قلت ذلك.
{ كيف التحقت بالحركة الإسلامية، ومن الذي جندك؟
التحقت بالحركة الإسلامية، وأنا طالب بوادي سيدنا الثانوية، وأول من جندني كان طالباً يدعى “عابدين سلامة”.. جلس إلى جواري –حينها -، وقال لي أنت طالب متديّن، نريدك في الحركة الإسلامية.
{ وماذا قلت له؟
– قلت له ليس لديّ مانع، ومن ثم واصل الحديث معي، ووقتها كنت بالسنة الأولى بالثانوي.
{ ومن ثم؟
– تطور اهتمامي بالحركة الإسلامية، وأصبحت مواظباً على حضور المحاضرات  والندوات الإسلامية، وأذكر أن هناك أستاذاً مصرياً يدعى “جمال عمار”، فكان – فعلاً – داعية إسلامياً، فتأثرت كما تأثر كثير من زملائي الطلاب به، وكان صاحب صوت جميل عند تلاوته القرآن الكريم، كما كان يحرص على دعوة عدد من الأساتذة لتقديم المحاضرات الدينية بالمدرسة، وكان من بين الدعاة الذين قدموا لنا محاضرات بوادي سيدنا “محمد عمر الداعوق” رئيس جماعة عباد الرحمن في لبنان، و”جعفر شيخ إدريس” وآخرون.
{ هل تذكر بعض زملاء الدراسة؟
– خلال المرحلة الوسطى بالقولد كان “صابر محمد الحسن”، أما في المرحلة الثانوية فكان “حاج نور” و”عابدين سلامة”، أما كابتن “شيخ الدين”، فعندما التحقنا بوادي سيدنا كان هو من المتخرجين، ومن الصحفيين “عبد الرحمن الزومة”. أما في جامعة الخرطوم فكان من الزملاء “الزبير بشير طه” و”علي عثمان” و”تاج السر مصطفى”، المهندس “محمد عمر عبد الرحمن”.
{ التحاقك بكلية الآداب هل كان رغبة بالنسبة لك؟
كنت موزع النفس بين الآداب والقانون، وفي مرحلة من المراحل رغبت في دراسة القانون، ولكن لم أنفذ رغبتي.
{ هل كانت لك هوايات؟
– رفع الأثقال والعاب القوى والسلة، وكنت محباً للسباحة، وللأسف لم أجد فرصة لممارستها بنادي الزوارق.
 { وكرة القدم؟
– لم أكن ميالاً لممارستها، وكنت محباً للرحلات الخلوية..
{ في مجال الفن والغناء، هل كان لك فنان مفضل؟
– لم أكن ميالاً لها، ولكن كنت استسيغ أغاني “خليل فرح”، رغم أنها لم تكن من اهتماماتي.
{ مدن عالقة بذاكرتك؟
– زرت العديد من المدن داخلياً وخارجياً، ولكن مدينة ادنبرا من المدن التي قضيت بها أطول فترة، كانت سبع سنوات، وهي أطول فترة قضيتها خارج السودان، ماليزيا عشت فيها عاماً.
{ ما الذي استهواك في ادنبرا؟
– ادنبرا، وقتها كانت هادئة، وكانت تتمتع بالآثار السياحية مثل قلعة ادنبرا، وكانت تضم ملوك ادنبرا في القرون الوسطى، والقلعة تعتبر من المدن السياحية، فنهارها طويل جداً في الصيف، ويصل إلى عشرين ساعة؛ ولذلك الصيام فيها صعب. ويعقد خلال فترة الصيف المهرجان الفني الثقافي، وتأتيه فرقٌ فنية من كل العالم لتقيم نشاطاتها الفنية، ولم يكن النشاط الثقافي قاصراً على نشاط اسكتلندي محلي، ولكن تعد سوقاً مفتوحة لكل أهل الثقافات.
{ من الأحداث التي ما زالت عالقة بذاكرتك؟
– ثورة أكتوبر التي عشتها بكل مشاعري وأحاسيسي عشتها بكل صخبها وضجيجها، فقُتِل فيها من قُتِل، وأُسِر من أسِر، كما عشت ثورة شعبان إبان الحكم المايوي، وعشت فترات داخل السجن مع عدد من القيادات السياسية أمثال “نصر الدين السيد”. ومن الأحداث الأخرى التي عشتها، وما زالت مطبوعة بالذاكرة، غزو العراق للكويت، كان من المفترض أن تكون إقامتي بالكويت لمدة يوم واحد، ولكن عندما غزاها العراقيون امتدت لأيام؛ والسبب إنني عندما كنت عائداً من ماليزيا بالطائرة الكويتية، قررت أن أبقى لمدة يوم مع أقاربي بالكويت، ومن ثم أغادر في اليوم الثاني إلى السودان، ولكن اليوم الثاني كان اليوم الذي غزت فيه العراق الكويت، فاضطررت أن أبقى أسبوعين تحت نيران المدافع، وضجيجها.
{ وكيف خرجت؟
– خرجنا بالبر مع مجموعة من السودانيين بالسيارات إلى العراق، ومنها إلى الأردن، فكانت رحلة قاسية.
{ أول مرة تم فيها اعتقالك؟
– أول مرة اعتقلت أنا طالب بجامعة الخرطوم، وكانت بسبب حادثة (العجكو) فتم اعتقالنا كمتهمين.
{ نسمع عن حادثة (العجكو)، لكن نود ذكر تفاصيلها؟
– (العجكو) هي رقصة عملها طلاب الجبهة الديمقراطية بقاعة الامتحانات بالجامعة، ووقتها كنت من الطلاب الذين احتجوا عليها، فحدثت ضجة في القاعة لحظة الرقصة، ولكن بعدها أقام الشيوعيون مظاهرة احتجاج لرفض الإسلاميين لذلك، فوقعت أحداث دامية ضُرب فيها أحد الطلاب، فحجز بالمستشفى، ولكنه توفي بعد ذلك.
{ هل الإسلاميون هم من قتلوا هذا الطالب؟
– الإسلاميون لم يقتلوا الطالب، ولكن الاتهام وجه إليهم رغم أنهم لم يكونوا مشاركين في تلك المظاهرة التي احتج بسببها الشيوعيون على فض الاحتفال. فداخل المظاهرة حدث شجار، فضُرِب الطالب، وكان من طلاب الجبهة الديمقراطية.
{ ولماذا قام طلاب الجبهة الديمقراطية بهذه الرقصة؟
– قالت الجبهة الديمقراطية في أحد منشوراتها أن الإسلاميين يفوزون في الانتخابات لأن شباب الإسلاميين يأتون من الأقاليم، وهم يتمتعون بدرجة عالية من الحفظ، ولذلك لابد من نقل المعركة من الفكر إلى الفنون والفن الشعبي؛ بغرض إحراج الإسلاميين، وهذه لن يستطيعوا منافستنا فيها، ولذلك قرروا قبل قيام الانتخابات إقامة مهرجان للفنون الثقافية، فادخلوا رقصتين، واحدة من كردفان والثانية من حلفا؛ ولذلك اتفقنا نحن الطلبة الإسلاميين على الاعتراض على تلك الرقصات، كما حاول المشرف على شؤون الطلاب الدكتور “علي مصطفى” رحمة الله عليه إيجاد حل وسط بين الطلاب الإسلاميين وطلاب الجبهة الديمقراطية، واتفق على قيام الاحتفالات؛ بشرط عدم الاختلاط، وكشف الرأس، وإذا حدث اختراق للاتفاق يتم تنبيهه، فتم اختياري للتنبيه إذا حدث خرق للاتفاق، ووقتها كنت جالساً خلف المشرف، فحدث شيء اعتبرته خرقاً للاتفاق، فوقفت، واعترضت على ذلك، وقمت بتوجيه خطابي للمنصة، ولكن المنصة تهجمت عليّ، ومن ثم وقعت الأحداث فاختلط الحابل بالنابل، وانفض الجميع من القاعة، ولكن للأسف خرجت المظاهرة من قبل الشيوعيين احتجاجاً على ما قمنا به.
{ هل تم التعرُّف على الطالب الذي اعتدى على زميله وقتله؟
– نعم تُعرِّف عليه، وتم اعتقاله، وتمت محاكمته، أما نحن فاعتقلنا لمدة أسبوعين، ومن ثم تمت تبرئتنا باعتبار أننا ليست لدينا علاقة بذلك.
{ هل كنت تدخل السينما؟ وما الأفلام التي تحرص على مشاهدتها؟
– هذا زمن طويل، ولكن أذكر عندما كنا بالقرية، كانت هناك السينما المتجولة، ووقتها أنا طفل صغير شاهدت فيلم (عنتر وعبلة)، فهذا أول فيلم أشاهده في حياتي قبل أن أصل العاصمة، ولكن بعد وصولي إليها دخلت عدة دُور سينما، وشاهدت عدداً من الأفلام، وأذكر فيلماً هندياً بعنوان (أمنا الأرض)، وكان مليئاً بالغناء والأحزان، ولذلك يعد من الأفلام الراسخة بذهني، بالإضافة إلى أفلام الـ(كاوبوي).
{ أكثر السينمات التي تحرص على ارتيادها؟
– سينما النيل الأزرق بحكم قربها من الجامعة، ثم سينما الحلفايا بحري، والوطنية، ولكن لم أكن كثير التردد عليها.
{ كم مرة تم اعتقالك؟
– أُعتقلت أكثر من مرة واحدة عام (1970-1971)م.
{ ماذا استفدت من السجن؟
– قراءة القرآن.
{ كم عدد الأجزاء التي حفظت من القرآن؟
حفظت أجزاء كثيرة من القرآن.. وداخل السجن تعرّفت على عدد كبير من السودانيين الذي جرى اعتقالهم آنذاك.
{ هل تذكر منهم؟
– فترتي امتدت داخل السجن، ففي مرحلة من المراحل عاصرت شيخ “مضوي” رحمة الله عليه، وتكرر اعتقالي معه، ثم “شاموق” و”الخواض الشيخ”، و”فيصل الصديق المهدي” و”محمد عبد الرحمن المهدي”، وفي المرحلة الثانية كان معي “حاج نور” و”إبراهيم السنوسي” و”صادق عبد الله عبد الماجد” – ربنا يطراه بالخير – و”عبد الله الجمري”، كان عميداً بالقوات المسلحة، و”عباس بنك” و”عبد الجليل الكاروري”، وفي سجن المساجين طوال المدة عاصرت “نصر الدين السيد”، الدكتور”حسن الترابي” “صادق عبد الله عبد الماجد”، و”الشريف زين العابدين الهندي”.
{ في أي السنين الدراسية كنت عندما أُعتقلت؟
– كنت بالسنة الرابعة.
{ وما هو سبب اعتقالك؟
مخابرات مايو كانت تعتقد أنني سبب تأجيج المظاهرات داخل الجامعة. والجامعة وقتها كانت مركز المعارضة للنظام آنذاك؛ ولذلك تم اعتقالي لفترة طويلة.
{ هل وقتها كنت ضمن المسؤولين بالاتحاد؟
– أبداً، فرئيس الاتحاد وقتها كان “علي عثمان”، فتم اعتقاله لكن أطلق سراحه قبلنا.
{ هل كانت موجهة لك أي اتهامات؟
– أبداً، كان اعتقالاً تحفظياً، والاعتقال التحفظي مريح، توضع داخل السجن فقط و(يونسوك)، ولم تكون هناك أسباب للاعتقال فقط (راحة الإذن منك).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية