حوارات

رئيس لجنتي الاتصال بالحركات المسلحة والحوار والتشاور الداخلي في دارفور الحاج "صديق ودعة" لـ(المجهر)

استفتاء دارفور جرى بسلاسة دون تعقيد أو خوف
لسان حال أهل دارفور يقول (الاندفق كلو ما برجع كلو)
“البشير” رجل يقرأ الساحة جيداً وزيارته لدارفور جاءت في توقيت مثالي
ما تحقق من سلام في دارفور هو نتاج طبيعي لـ”اتفاقية الدوحة”
الحكومة قدمت دعماً مقدراً لتنفيذ الحوار الدارفوري
حوار ــــ نزار سيد أحمد
الحاج “صديق آدم عبد الله” (ودعة)، رجل الأعمال المعروف، عضو البرلمان السوداني (المجلس الوطني) عن ولاية شمال دارفور- الدائرة القومية (7) أم كدادة، دار السلام، كلمندو، ويمسك في ذات الوقت بملفات أساسية ضمن عملية سلام دارفور، حيث يترأس لجنتين مهمتين، هما لجنة الاتصال بالحركات غير الموقعة على السلام ولجنة تنفيذ الحوار والتشاور الداخلي في دارفور.. هذه الوضعية، جعلت الرجل أكثر إلماماً بمجريات الأوضاع في دارفور التي تم بشأنها (استفتاء إداري) خلال هذا الشهر (أبريل)، وقد دخلت مرحلة التعافي الذي يستدعي هو الآخر تهيئة البيئة الملائمة لتوطين مولود غالٍ اسمه (السلام).
(المجهر) جلست إلى “ودعة” في هذا التوقيت الحاسم، وقلبت معه سجل الملفات الشائكة والمعقدة في الجزء الغربي من البلاد، فمعاً نتابع إفاداته الصريحة في المساحة التالية..
{ دعنا نبدأ أولاً بملف السلام.. ما هي حقيقة “اتفاق الدوحة لسلام دارفور”؟
_ هذه الاتفاقية التي وقعت بالدوحة في يوليو 2011م، أسهمت فيها جميع الأطراف، أهل المصلحة الذين يمثلون المجتمع المدني، المتأثرون من الحرب (نازحون ولاجئون)، حركة التحرير والعدالة وحكومة السودان. وهناك أطراف أخرى راعية ومسهلة: دولة قطر، المجتمع الدولي، الجامعة العربية، الاتحاد الأفريقي وغيرها.. جميع هؤلاء بذلوا جهوداً مقدرة أثمرت تلك الاتفاقية.
{ لبعض الأطراف تحفظات بشأن هذه الاتفاقية وأنها فشلت في تحقيق سلام دارفور؟
_ هذا رأي نحترمه، لكنه في المقابل تقييم متعجل. لم أجد أي طرف من الأطراف المعنية، وجه نقداً مباشراً للاتفاقية كنصوص متكاملة تناولت جذور المشكلة في دارفور، أما التطبيق فهو أمر مختلف، وإن كان هو مسؤولية مشتركة وتتولاه جهات أخرى، لكن لا بأس أن نذكر بعض النقاط الضرورية، لأن ما تحقق من سلام في دارفور هو نتاج طبيعي لهذه الاتفاقية، ولا نملك على الأقل في الوقت الحالي أية مرجعية أخرى سواها يمكن التمسك بها كورقة للحل الشامل.. هذه الاتفاقية أياً كان الرأي حولها، حققت شراكة سياسية (تنفيذية، تشريعية)، ونهضت على إثرها مؤسسات لعبت دوراً كبيراً في تهيئة مناخ السلام في دارفور، وفي نهاية المطاف ليس هناك عمل يمكن أن يتفق حوله كل الناس.
{ النصوص لا غبار عليها إنما التحدي كان في التطبيق؟
_ لا ننكر وجود تحديات، لكن التنفيذ سيمضي لأنه التزام دستوري.. وكذلك لن تظل هذه الاتفاقيات هي الحاكمة إلى الأبد، مع أنها ضرورة مرحلية، لكن آن الأوان كي تساهم جميع الأطراف في إنجاح مشروع السلام والحوار الوطني، وأن ندعم أجهزة ومؤسسات الدولة في دارفور لتقوم بواجبها المطلوب تجاه المواطن.. الحرب استمرت لعدد من السنوات ولم نجن  منها إلا الخراب والدمار والعداوة.
{ يفهم من حديثك السابق أن “اتفاقية الدوحة” هي الأساس الذي يبنى عليه سلام دارفور؟
_ قلت على الأقل في الوقت الراهن، لأن البلد تعيش في أجواء الحوار الوطني بمبادرة كريمة من السيد رئيس الجمهورية، وفي ذات الوقت ربما تحدث تطورات أخرى يكون التقدير فيها لقيادة الدولة.
{ إذن إلى أين وصل تنفيذ “اتفاقية الدوحة”؟
_ أنا لست معنياً بتنفيذ الاتفاق وبالتالي هذا سؤال ينبغي أن يوجه لجهات أخرى، لكن لي تكليف محدد برئاسة لجنة تنفيذ الحوار والتشاور الداخلي في دارفور.. أقول إن ما تحقق من تنفيذ حتى الآن هو جيد، وإن كان دون الطموح، خاصة على صعيد إعادة وتوطين النازحين واللاجئين، وهو أمر مرتبط بتحقيق الأمن والاستقرار بشكل كامل في المنطقة، وفي ذات الوقت لا يمكن أن ننكر الجهود المقدرة للدولة في هذا الجانب، وكذلك الوساطة القطرية والسلطة الإقليمية كل هؤلاء لهم جهود نحترمها.
{ إذن هناك تحديات؟
_ بلا شك، وهي كثيرة مثل إعادة الإعمار والتنمية، رتق النسيج الاجتماعي والتوصل إلى حل نهائي مع حملة السلاح.. كل هذه الأشياء تتطلب رغبة وصدقاً وصبراً، وفوق هذا وذاك تحتاج إلى تكاتف.
{ على ذكر لجنة الحوار الدارفوري.. ماذا أنجز في هذا الخصوص؟
_ أنجزنا الحوار في مرحلته الأولى على مستوى (21) محلية من جملة (64) محلية في ولايات دارفور الخمس. و(4) محليات بولاية الخرطوم.. كان في الواقع حواراً شفافاً ساعد على تحقيق السلام الاجتماعي المنشود. وهو حوار يجري على عدة مستويات هي: (المحليات، الولايات، المؤتمر الجامع، المهجر واللاجئون)، ونحن نعكف خلال المرحلة القادمة على مواصلة الحوار لتكملة ما تبقى من محليات على مستوى ولايات دارفور.
{ وما هي (مادة) الحوار الأساسية في إطار التشاور الداخلي؟
_ لأهل دارفور إرث قديم، أعراف وتقاليد راسخة تمكنهم من معالجة قضاياهم. وكان دورنا كلجنة هو أن نهيئ لهم فرصاً يلتقون فيها للتفاكر حول ما جرى من أحداث، وإمكانية إعادة دارفور إلى سابق عهدها. ومن هنا لابد من شكر كل شركاء السلام: (السلطة الإقليمية لدارفور، حكومات الولايات، الإدارة الأهلية، النازحون، منظمات المجتمع المدني، مركز دراسات السلام جامعة السودان، مراكز دراسات السلام بجامعات دارفور، البعثة الأممية المشتركة، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي، الإعلام الوطني والأجنبي)، ولا ننسي الدور المتعاظم لدولة قطر ودعمها اللا محدود لتطبيق بنود الاتفاقية.. السلام أصبح همّاً لكل الناس، كنا نحس ذلك من واقع اهتمام مؤسسة الرئاسة بدءاً من السيد رئيس الجمهورية، نوابه، السلطة الإقليمية، وكل المسؤولين في الدولة بأهمية إدارة حوار عميق لتجاوز إفرازات الحرب في دارفور.
{ ما هو الانطباع الذي خرجت به من واقع مشاركتك في مؤتمرات حوار دارفور؟
_ شعب دارفور شعب طيب ليست له طموحات فوق المقدور عليه.. كل ما يريدونه هو تحقيق السلام، وتأكيدهم على مثل قديم عندهم (الاندفق كلو، ما برجع كلو).. هذا الكلام دائماً يقودهم إلى نسيان الماضي والمشاركة في منابر الحوار من أجل بناء مستقبل جديد ومعافى، وكذلك شعرنا برغبة كبيرة في تحقيق السلام.
{ ما مصدر هذا التفاؤل سيد “ودعة”؟
_ في الحقيقة حصلت على تأكيدات قوية من زعماء النظام الأهلي، النازحين، اللاجئين والمجتمع المدني أن نستمر معاً لإكمال هذا الحوار لأنه الأساس للتعايش وتوطين السلام.
{ قلت إن قطر أسهمت أكثر من غيرها في دعم سلام دارفور؟
_ نعم، دولة قطر كما تعلم هي راعية للاتفاقية، ويكفي أنها تحمل اسمها (الدوحة)، فقد قدمت تسهيلات كبيرة من أجل التوصل للاتقاق، ودعمت بسخاء كل مراحل التنفيذ على الأرض بمتابعة شخصية من سمو الأمير ووزارة الخارجية القطرية، والمنظمات المختلفة. وأهل دارفور دائما يقولون (شكراً قطر).
{ متى ستبدأ المرحلة الثانية من حوار دارفور؟
_ اللجنة عقدت اجتماعاً بالفاشر في منتصف أبريل الحالي بلورت من خلاله خطتها للمرحلة الثانية، وذلك بعد حصولنا على دعم سخي من الحكومة لتمويل هذه المرحلة وصل إلى مليوني دولار. وأقيم بهذه المناسبة بفندق (كورنثيا) بالخرطوم حفل توقيع بين الحكومة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وسط حضور دولي كبير. وأصبحت الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي أن يفي بتعهداته تجاه “اتفاقية الدوحة”.. أيضاً التقيت بمسؤول مكتب الاتحاد الأوروبي السفير “توماس يوليشيني” وأدرت معه حواراً أثمر عن موافقتهم بدعم الحوار الدارفوري، وهنا لابد لي أن أشكر مسؤول ملف دارفور الدكتور “أمين حسن عمر” الذي يهتم كثيراً بهذا الملف، وقد عبر عن هذا الاهتمام خلال زيارة الرئيس لدارفور حيث دعا قيادة المجتمع الدارفوري إلى إيلاء الحوار اهتماماً كبيراً.                     
_ دار حديث كثير عن الاستفتاء الإداري لدارفور الذي ظهرت نتائجه بفوز خيار الولايات؟
_ هو استحقاق لأهل دارفور، نصت عليه “اتفاقية الدوحة” التي أصبحت جزءاً من الدستور، وقد قصد من هذه الخطوة تحديد الوضعية الإدارية وقد اختار أهل دارفور خيار الولايات، ونحن بدورنا نحترم هذا الخيار، ونتطلع إلى أن تعقب الاستفتاء تحركات لتعزيز السلام عبر إلحاق حملة السلاح كافة بركب السلام من أجل الاستعداد لتنمية دارفور.
{ بوصفك نائباً برلمانياً للدائرة (7) شمال دارفور.. كيف تقرأ نتيجة ومستقبل هذا الاستفتاء؟
_ الدائرة القومية (7) تشمل ثلاث محليات هي: أم كدادة، دار السلام وكلمندو.. الجماهير هناك شرفتني ومنحتني ثقة أن أكون ممثلها في المجلس الوطني (البرلمان).. ومن واقع متابعتي للاستفتاء من مرحلة التسجيل، لمست حتى قبل ظهور النتيجة رغبة معظم الناس هناك في الإبقاء على وضعية الولايات الحالية، لأن الإقليم حسب رأيهم يعني إيجاد مستوى رابع للحكم وعودة مركزية الفاشر.. هذا رأي معظم جماهيرنا، وقد تحققت تلك الرغبة بظهور النتيجة التي كانت كاسحة لخيار الولايات، وبالتالي نحن ندعو إلى أهمية معالجة أشكال الخلل كافة التي صاحبت نظام الحكم الفيدرالي حتى تتحقق الأهداف التي من أجلها تم تقصير الظل الإداري عبر الولايات والمحليات.
{ لكن كانت هناك مخاوف من إجراء الاستفتاء وفي مخيلة الناس ما حدث من انفصال لجنوب السودان؟
_ أبداً المواطن في دارفور هو أكثر وعياً ويدرك أن مستقبله يتشكل في إطار السودان الواحد الموحد، وتلك مخاوف يكذبها الواقع، وقد شاهد كل العالم كيف أن الاستفتاء جرى بسلاسة ودون أي تعقيدات أو مخاوف.
{ كيف تنظر لزيارة رئيس الجمهورية إلى دارفور التي وصفت بالتاريخية.. هل هي كذلك؟
_ بالتأكيد، هي زيارة جاءت في توقيت مثالي، وقد أكدت أن الرئيس رجل يقرأ الساحة جيداً ويعرف ماذا يريد أن يفعل، وقد ساهمت الزيارة بدفع عملية الاستفتاء التي انتهت، وقد بعثت الزيارة كذلك رسالة مهمة أن دارفور أصبحت آمنة ومستقرة، ونحن كنواب عن ولاية شمال دارفور، كنا حضوراً هناك لاستقبال الأخ الرئيس، وقد شاهدنا حجم الحشود الجماهيرية الكبيرة التي استقبلت الرئيس الذي قام بافتتاح جملة مشروعات تنموية وخدمية أنجزتها حكومة الوالي المهندس “عبد الواحد يوسف”، وهي بلا شك داعمة للأمن والاستقرار المنشود، وحقاً استحقت تلك الزيارة وصفها بالتاريخية لجملة المكاسب التي حققتها وسيتم جني ثمارها خاصة إذا نظرنا للتوجيهات والقرارات الكبيرة التي أصدرها” البشير” من هناك، سيما جمع السلاح، والمصالحات، وإعادة وتوطين النازحين وغيرها من القرارات المهمة في هذا التوقيت.
{ سيد “ودعة”.. أنت في المقابل تترأس لجنة الاتصال بالحركات غير الموقعة على سلام دارفور لكن لم يعد لتلك اللجنة أي دور ملموس يعزز من فرص نجاح مهمتها؟
_ من قال ذلك؟ نحن نسعى ليل نهار بالتنسيق مع قيادة الدولة لإنجاز السلام، والساحة تشهد الآن عدة حوارات: مجتمعي، دارفوري، حوار وطني واتصال مستمر مع الحركات غير الموقعة.. تلك كلها مسارات للبحث عن السلام، وهي عملية شاقة ومكلفة في ذات الوقت، لكنها ضرورية لبناء سودان المستقبل الآمن المستقر. وأعتقد أننا على الأقل أسسنا لثقة متبادلة وحوار موضوعي وشفاف، سيكون له ما بعده إن شاء الله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية