شرق دارفور تعود إلى واجهة الأحداث
بين (تور طعان) ومنزل الوالي الدواس في الوادي والصلح في الرادي
الخرطوم ــــ نزار سيد أحمد
في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة لبدء جمع السلاح من خلال ورشة انطلقت فعالياتها في مدينة “الفاشر” وسط حضور كبير من جميع ولاة ولايات دارفور يتقدمهم النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن “بكري حسن صالح”، في هذا التوقيت بالذات وقبل يوم واحد من انطلاق الورشة وقعت أحداث دامية في المنطقة الحدودية بين ولايتي شرق دارفور وجنوب دارفور راح ضحيتها (12) شخصاً وأصيب (9) آخرون في اشتباكات بين مسلحين من قبيلتي (الرزيقات) و(المعاليا)، أعاد إلى الأذهان سيناريو متكرراً من الدماء والأشلاء شهدته ساحة القبيلتين، آخره كان في العام الماضي انتهى بوضع قوات عازلة بين القبيلتين منعاً لحدوث أي نزاع جديد، هذا على الرغم من أن الطرفين وقعا على اتفاق في مدينة “مروي” بالولاية الشمالية، وصفت بالتاريخية كونها وضعت حداً للصراع بين الجانبين.
حرق وقتل
حسناً … على الرغم من توصيف والي ولاية شرق دارفور لأحداث (تور طعان) بأنها أبعد ما يكون للمواجهات القبلية بين (الرزيقات) و(المعاليا) وتأكيده بأن الحادث عرضي لا علاقة له بالنزاع التاريخي بين الطرفين، إلا أن الآمر تطور متخذاً منحى تصعيدياً، إذ اقتحم مسلحون يوم (الاثنين) أي بعد يوم من حادثة (تور طعان)، منزل والي ولاية شرق دارفور بالضعين أثناء تواجد الوالي في مدينة “الفاشر” للمشاركة في ورشة جمع السلاح والسيطرة على الأسلحة الخفيفة. وقد أحرق المهاجمون كل ما في المنزل ومارسوا عمليات قتل وحشية تجاه من وجدوهم من الحراس، وقد تحدثت التقارير الواردة من العاصمة “الضعين” أن عمليات الحرق والقتل طالت مؤسساتٍ وأفراداً آخرين دون أن تحدد تلك التقارير الأهداف والدوافع الحقيقية وراء هذا الاعتداء على منزل الوالي دون غيره من المؤسسات، إلا أن أصابع الاتهام أشارت إلى أن عملية الحرق والقتل نفذتها بمجموعة (السافنا) العسكرية إحدى المجموعات التي دخلت في الترتيبات الأمنية مع الحكومة، وما يفسر هذا النهج هو ربما احتجاجاً على مقتل إحدى قاداتها يطلق عليه اسم “خريف”. وأشارت المعلومات إلى أن ذات المجموعة أحرقت نهار يوم (الاثنين) سوق منطقة “تور طعان” وطال الحرق ممتلكات مواطنين آخرين بعد نهب السوق، كما أحرق المسلحون سيارة المدير التنفيذي لمحلية الضعين، قبل أن ينسحبوا من منزل الوالي لتسيطر عليه الأجهزة الأمنية.
ليس صراعاً قبلياً
فور انتشار النبأ سارع والي ولاية شرق دارفور الذي كان متواجداً في “الفاشر” ليؤكد احتواء الموقف في “الضعين”، ولم يكتفِ الوالي بهذا القول لكنه في الوقت ذاته نفى أن تكون تلك الأحداث ذات طابع قبلي بين (الرزيقات) و(المعاليا)، منوهاً إلى أنه اشتباك بين إحدى بطون (المعاليا) “العقاربة” ومجموعة من (الرزيقات) بسبب “فزع” ما أسفر عن (15) قتيلاً من الطرفين في منطقة خور طعان يوم (الأحد) الماضي. لكنه أي والي شرق دارفور ربط بين ما حدث في “الضعين” يوم (الاثنين) وما جرى في خور طعان يوم (الأحد) دون أن يذكر ذلك صراحة، حينما قال إن أحداث “الضعين” وقعت بعد عملية دفن القتلى في مدينة “نيالا” بولاية جنوب دارفور، حيث ذهبوا لأداء العزاء بالضعين وبعد ذلك نتجت الأحداث، موضحاً أنها حصرت في أضيق نطاق.
حادث مدبر
وبصورة متصاعدة سارع كل طرف من أطراف قبيلتي (الرزيقات) و(المعاليا) لإدانة الطرف الآخر حيث خرجت الهيئة الشبابية لأبناء (المعاليا) ببيان، قالت فيه إن ما حدث يعود إلى أن أحد أبناء (المعاليا) تعرض لعملية سرقة (إبل) في يوم (السبت) الماضي، وأنه على إثر ذلك تم تدوين بلاغ في شرطة منطقة (مهاجرية) بمحلية (شعيرية) التابعة لولاية جنوب دارفور، ومن ثم تحرك (الفزع) لتعقب الجناة وقد وصل إلى منطقة (تور طعان) بمحلية (ياسين) في ولاية شرق دارفور. وأثناء تواجدهم في المنطقة هجمت عليهم مجموعة “خريف” و(السافنا) وأمطرتهم بالرصاص دون أن يذكر البيان الدوافع الحقيقية وراء الهجوم، وأشار إلى أنه تم تبادل النيران بين الطرفين ونتيجة لهذا وقع ثمانية من أفراد الفزع قتلى. واعتبر البيان أن ما تم كان مدبراً بهدف خلق بلبلة في المنطقة والرجوع بها إلى مربع الحرب بين (المعاليا) و(الرزيقات)، وعد البيان الأمر ليس محض صدفة، وإنما كان أمراً مدبراً عن قصد ومخططاً له مسبقاً،ومضى البيان ليؤكد أنه ليس صحيحاً ما أشيع بأن قوات (السافنا) و”خريف” كانتا في مهمة بغرض أداء واجب العزاء، وإنما كانت في مهمة مؤامرة مدبرة. وطالب بيان (المعاليا) الحكومة بالقبض على الجناة وفتح تحقيق بشأن العملية وتقديم المتورطين لمحاكمة عادلة .
حكومة الولاية في قفص الاتهام
في المقابل خرج بيان من شباب قبيلة (الرزيقات) جاء فيه أنهم ظلوا ولفترة يتابعون ما يحاك ضد كيان قبيلتهم من قبل أطراف عدة على رأسها حكومة ولاية شرق دارفور التي اتهموها بالانحياز إلى (المعاليا)، وعاد البيان ليسرد تفاصيل ما جرى وقال إن مجموعة من شباب (الرزيقات) كانت تؤدي واجب عزاء بمدينة “نيالا”، وعند عودتها في طريقها إلى “الضعين” نصب لهم (المعاليا) كميناً، قالوا إنه كان بمساعدة من حكومة الولاية في منطقة (تور طعان) وأمطروهم وابلاً من الرصاص استخدموا فيها جميع أنواع السلاح الخفيف والثقيل، مما أدى إلى مقتل (6) أشخاص بقيادة (“خريف محمد حمودة” وجرح آخرين، وحمل بيان (الرزيقات) المسؤولية كاملة إلى قبيلة (المعاليا)، كما لم تسلم حكومة الولاية من تحميلها المسؤولية. ولم يكتفِ بيان شباب (الرزيقات) بذلك بل طالبوا بإقالة والي الولاية فوراً، وتسليم الجناة إلى الشرطة. وأشار البيان إلى أنهم ليسوا دعاة حرب معلنين تمسكهم باتفاقية “مروي”.
ردع المتفلتين منعاً لتكرار الأحداث
مواصلة لردود الأفعال تجاه ما جرى من حرق وقتل بولاية شرق دارفور، سارعت لجنة أمن ولايات دارفور بعقد اجتماع أمس (الثلاثاء) بمقر السلطة الإقليمية بالفاشر، وعبرت اللجنة عن إدانتها لتلك الأحداث، ووجهت في الوقت ذاته باتخاذ الإجراءات الكفيلة لبسط هيبة الدولة وردع المتفلتين حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث. وترأس اجتماع اللجنة رئيس السلطة الإقليمية الدكتور “التجاني سيسي”، بحضور ولاة دارفور عدا والي شرق دارفور، بجانب أعضاء لجان أمن ولايات دارفور، كما وجهت اللجنة ولاة الولايات بضرورة أخذ الحيطة والحذر حتى لا تتكرر أحداث “الضعين”.