الديوان

وجوه سودانية : "عالم عباس".. فزع الشعراء حينما يرون النيل في الرمق الأخير!!

وصورة الشاعر هنا تبدو رغم كل صرامتها وقوة نظراتها الموغلة في (سديم) غير ذي ساحل، غير آبهة لزُغب الشيب المتناثرة على صفحة الوجه وهالات الضوء الغامرة لأطراف العينين الثاقبتين، رقيقة جداً وشفافة حد تسرب صاحبها منها وتدفقه على الناس مثل قوافيه تماماً.
(1)
وقوافي “عالم” المولود في “فاشر السلطان” في العام (1948م) تأخذك ذات اليمين وذات الشمال وتأرجحك تفعيلاتها القلقلة فتحمد الرب أنك تحفظ لأبي الطيب المتنبئ بعض ما يعنيك في محاولاتك العبثية لقراءة ما خلف صورة “عصام” من شعر “عالم” وتنشد:
على قلق كأن الريح تحتي
تحركني يميناً أو شمالا
وفي الصورة تتحرك نحوك (أشجار الأسئلة الكبرى)، ولأنك لست من سلالة زرقاء اليمامة، فلا أحد يصدق أنك ترى في وجه “عالم” شجراً يسير، لكنك لا تأبه، وتظل تردد ما قلت، وحتى لا يوقفن أحداً (إيقاعات الزمن الجامح)، تظل أنت ممسكاً بـ(فريم) النظارة الطبية السميكة وتثبتها على الصورة جيداً، لتقرأ مرة وثانية وواحدة أخرى، دون عجلة، ودون أناة.
وطنٌ يُبَاعُ ويُشْتَرَى وهَلُمَّ جَرَّاً
كانت تنامُ على وسائدِ شَوْكِهَا والقهْرُ يوخِزُها
فتوقِظُها الهواجسُ
والكوابيسُ التي تطفُو كمثلِ الطفحِ في وجهٍ جميلْ
(2)
لكن تلك الكوابيس التي تدور في رؤوس الصغار والكبار لا توقظ من ينام على وسائد الشوك فحسب، بل حتى الذين ينامون على (مخدات الطرب)، وأنت يا “عالم” تهاجر وتعود، تغيب وتحضر، تمضي لتأتي مجدداً، وتجد أن كل شيء يغرق، فتحاول قوافيك أن تنقذ، ولكن (حتّى إذا مدَّتْ ذِراعاً أبيض للنيلِ كان النيلُ في الرمقِ الأخيرِ)!!
ثم بعد.. لماذا تبدو صورتك كـ(صرخةٌ تَعْلُو فيرْتدُّ صداها حِمَمَاً)؟.. أجبني ثم غيب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية