حوارات

"إبراهيم الشيخ" القيادى بالمؤتمر السودانى لـ(المجهر السياسي) 1- 2

–      التقيت “علي الحاج” في “ألمانيا” وأكد لي (اتفاق خاص) بين الشيخ الراحل والرئيس “البشير”
– “كمال عمر” والحوار الوطني هما الخاسر الأكبر بعد رحيل “الترابي”
– توقعت عودة “المهدي” للعزاء.. وصمت المعارضة عن نعيه فيه كلام
 – صفعني خبر وفاة “الترابي” وأصابني حزن كبير في تلك اللحظات
 حوار – صديق دلاى
حتى بعد أن ابتعد عن رئاسة الحزب لم تبتعد عنه الفلاشات، وظل الاهتمام به ثابتاً ربما لسبب بسيط هو منطقه القوي وشجاعته في مقارعة النظام، وهو مستمر على الدوام أن يمد سبابته في عيون الحكومة مقطباً جبينه، وخسر نشاطه التجاري، كما اعتقل بعيداً عن بيته الفخيم في زنزانة صغيرة في “الأبيض”، بل أبعد من ذلك وقريباً من بيوته في “النهود”، مسجوناً لأنه قال رأياً سياسياً مختلفاً.
قصدناه بتفكيك حدث مهم هو رحيل الدكتور “الترابي” المفاجئ، كيف استقبل الخبر وما هي تداعياته، وكيف يرى الإسلاميون في نهاية أيام العزاء، وكان واضحاً وصريحاً مؤكداً أن حزب (المؤتمر السوداني) قدم تعازيه بصورة فردية، ولكنه لم ينعه بصورة رسمية، كما قال إن رفض الحديث في سرادق العزاء احتراماً للميت وحتى لا يكون متناقضاً، وتحدث “إبراهيم الشيخ” مطولاً لكونه صار جندياً جاهزاً لتنفيذ تعليمات رئيس الحزب “عمر الدقير”.
{ نحن نعيش حدثاً كبيراً وهو رحيل الدكتور “حسن الترابي”؟
–    نعم صحيح.
{ كيف استقبلت الخبر الحزين؟
–    في الواقع تابعت خبر مرضه عبر (الأسافير)، وتابعنا التداعيات بتدهور صحته وتجهيز طائرة طبية للسفر به إلى “ألمانيا”.
{ هل خفت على حياة الشيخ؟
– في الحقيقة توقعت أن تكون نوبة من نوبات المرض والتي يمكن تجاوزها.
{ تمنيت له الصحة والعافية؟
–    قلت سيعود لصحته بإذن الله.
{ (علي أية حال) كان خبر مرضه المفاجئ صعباً على الجميع؟
– كنت مرهق جداً ذهبت ونمت فجاءتني ابنتي وصعقتني بالخبر أن “الترابي” توفى لرحمة مولاه، قمت وفتحت التلفزيون وتأكدت من الخبر.
{ كان الخبر صعباً؟
– (حقيقة) صفعني الخبر ولم أصدقه في بادئ الأمر وأصابني حزن كبير في تلك اللحظات.
{ (أنا عاوز الخاطرة العفوية) في تلك اللحظة الحرجة؟
– لو استبطنت معنى سؤالك كأنك تسألني (هل تمنيت موته)، أصدقك القول إنني لم أتمنى موته لينقشع الضباب من فوق سماء بلادي.
{ حتى في تلك الخاطرة العفوية؟
–    تلك الخاطرة التي رسمتها لي ليست لها مساحة عندي، ومعركتنا مع السياسات وليست مع الأشخاص وهي معركة باقية ومدتها 26 عاماً ويديرها المؤتمر الوطني الحزب الحاكم، رحل الشيخ أو بقي سنتصدى لها بالأفق الشامل، وليست النظرة نحو الأشخاص وأقدارهم، ونحن لا نتمنى على الله الأماني.
{ (نحن لا نتمنى على الله الأماني).. لم أفهم هذه الجملة؟
–    أقصد أن هناك عملاً كبيراً ينتظرنا  لتغيير هذا الواقع البائس.
{ بكل أسف هناك رأي عام مكون بأن ذهاب الثلاثة الكبار فيه عافية للسودان؟
– هم أربعة وليسوا ثلاثة.
{ هل تؤيد تلك الرؤية؟
– نعم لأنهم حكمونا منذ الاستقلال مستغلين الدين والطوائف والأحزاب، ولا غرابة أن يرى البعض أنهم حاجز صد يحول دون استشراف السودان لأفق جديد.
{ وبزوال هذه المجموعة؟
– بزوال هذه المجموعة التي صادرت الماضي والحاضر، بل وحتى المستقبل، سيكون لدينا أمل في غدٍ أفضل.
{ نعود لرحيل الدكتور “الترابي”؟
–    كنت أراه ملء السمع والبصر، أراه ممتلئاً بالرغبة في احتواء المستقبل من خلال نظامه الخالف الذي يبشر به بديلاً عن الإنقاذ ولم يكتف بما قدمت يداه في الماضي والحاضر.
{ نعود لتلك اللحظة الأولى وأنت تسمع خبر وفاته؟
–    كان خبراً صادماً.
{ قصدي أين ذهب بك الخيال السياسي في تلك اللحظة تحديداً؟
–    عند الوهلة الأولى لم أستوعب رحيله.
{ لماذا كان خبر وفاة “الترابي” صادماً بالنسبة لك؟
–    يمكن لثقل الرجل وسياساته والميراث الثقيل الذي سيتركه على التاريخ السياسي.
{ هل أحسست بالارتياح لأن سند (الوضع القائم) غاب وانتهى؟
–    لا أستطيع التأكد من تلك اللحظة كما صورتها أنت.
{ في زحمة التداعيات بالنوبة التي أصابت “الترابي”… هل تمنيت له الشفاء؟
–    نعم تمنيت له الشفاء وتمنيت أن يقوم بالسلامة وعلى الأقل هو رجل مؤمن بالنقاش، وأجيك من الآخر (لم أتمنى موته وأكن سعيداً بموته) ولا ينبغي.
{ نعم الكل وفي قمة الخلافات والخصومات يقول (لا شماتة في الموت)؟
– كل ما أصابني في تلك اللحظة وتلك التداعيات هو نفسه ما يصيب السويين والمعتدلين والمؤمنين بقضاء الله وقدره.
{ بعد أن تأكدت من خبر الوفاة خرجت بسرعة للشارع؟
–    جهزت نفسي وتوجهت لبيت العزاء في “المنشية”.
{ إنه رحيل له ما بعده؟
–    لم يستوعبوا أن الشيخ يمكن أن يرحل بتلك المفاجأة، وكانوا مرتبكين وضعفاء للتعامل مع الرحيل الصعب.
{ هتافات الشباب كانت قوية وكان هناك ثبات؟
–    الهتاف نفسه يشير لما قلت، وبكاء الشيوخ والوجوم على الوجوه.
{ كيف تفهم حزن الإسلاميين الخاص على الشيخ “الترابي”؟
–    واضح أن خسارتهم كانت كبيرة وعليهم أن يعملوا على تعويض تلك الخسارة وليس توسيع الخسارة، وأن يعكفوا على تنفيذ رؤيته في الحوار الوطني الجاري وتجسيد مواقفه الأخيرة. 
{ مما تخاف عليهم؟
–    أخاف عليهم أن يكون غياب “الترابي” صار (عامل) تفرق بعد أن كان وجوده (عامل) تماسك وتوحد.
{ كيف ترسم الفراغ الذي تركه غياب الدكتور “الترابي”؟
–    أنا حساباتي مختلفة حول ما كان وما ينبغي أن يكون.
{ أفهم موقفك السياسي.. وسؤالي تحديداً عن (إمكانيات التعويض) داخل الإسلاميين؟
–    كجماعة لن يستطيعوا أن يفعلوا ما كان سيفعله “الترابي” لوحده.
{ كان وجود “الترابي” في حياتهم يحجبهم عن كسب مساحات معينة في الواقع السوداني وربما لكونه رجلاً عملاقاً كان يمنعهم أيضاً من التفكير الحر.. فهل غيابه يساعدهم في العودة للواقع؟
–    بالعكس، فحياة ووجود “الترابي” بينهم لم يمنعهم من البطش والتاريخ شاهد على ذلك في العشرية الأولى للإنقاذ، ولكن بالعودة للظروف الحالية سيكون التغيير المهم هو تطور الوعي عند أهل السودان في التعامل مع منظومة علاقة الدولة والدين.
{ أنت متصاعد في تحقيق حلم الرأي الآخر؟
–    ولن نتساهل أبداً ولن نسمح بأي إفراط آخر لأية جهة كانت سيما أن المقاومة في تصاعد، وغير وارد أن يعيد الإسلاميون بطشهم القديم في الشعب السوداني.
{ كان الراحل متمسكاً بالتغيير العميق في بنية الإنقاذ وأظن أن المخرجات المتوقعة تمثل ذلك الوعد؟
–    دعنا نتفاءل خيراً ونتمنى أن يحدث خيراً، وربما رأت مجموعة من (المؤتمر الشعبي) أن وصيته واجبة التنفيذ.
{ تفاءلوا بالخير تجدوه؟
–    نعم هو كذلك.
{ (برأيك) كيف استقبل الشعب السوداني العادي في أسواقه وحلاله وقراه ومدنه خبر الرحيل؟
–    هناك تباين كبير واختلاف من مجموعات دينية وطوائف وجماعات تباينت من التطرف والاعتدال، بينهم من قال بمنع دفنه في مقابر المسلمين، وهناك من رأى في موته مصيبة عامة لعلمه وورعه ومساهماته.
{ هل كانت جموع المشيعين قدر مكانة الراحل “الترابي”؟
–    (لا لا لا) كانت أعداد عادية، إذا تذكرنا أعداد سكان ولاية الخرطوم والولايات التي جاءت وهي أعداد بسيطة ولم تكن كما قدر لها.
{ كنت تتوقع حشداً هائلاً في المقابر؟
–    كنا نتوقعه تشييعاً أكبر وأعظم لرجل ملأ الدنيا.
{ هل “الترابي” هو ذلك الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس؟
–  نعم.
{ إذا طلب منك الحديث لجموع المعزيين بـ”المنشية”؟
–    كنت سأرفض ورفضت بالفعل لصحفيين وقنوات، لأن الوقت كان للحزن وليس للكلام، وامتنعت احتراماً لحرمة الميتـ وكنت أيضاً سأتناقض مع ذاتي.
{ هل شاهدت ردة الفعل العالمية لرحيل الشيخ “الترابي”؟
–    لم أتابع القنوات الخارجية جيداً في ذلك اليوم.
{ كنا متوقعين عودة وحضور “الصادق المهدي” لتشييع صهره وصديقه ونده؟
–    كنت متوقعاً حضوره وكانت ستكون سانحة طيبة، ورغم رسالة الرثاء ولكن عودته كانت مهمة.
{ تفتكر لماذا كانت عودته صعبة وسط كل تلك المكاسب السياسية والإنسانية؟
–    بينهما الكثير ولو جلست بينهم لعرفت (هول) ما بين الاثنين.
{ هل جلست بينهم؟
–    أنا أتكلم عن تجربة وليس خيالاً.
{ والمعارضة لم تفهم بعد ضخامة حدث رحيل “الترابي”؟
–    مواقف المعارضة تباينت كما هي متباينة في الواقع، بكاه “جبريل إبراهيم” ونعاه “عبد الواحد” بتحفظ، وكذلك الحركة الشعبية قطاع الشمال، ولكن (قوى الإجماع) التزمت الصمت.
{ الصمت؟
–    وفي الصمت كلام.
{ هل نعاه المؤتمر السوداني؟
–    المؤتمر السوداني لم ينعه ولكنه ترك العزاء الاجتماعي حراً يقوم به من يشاء.
{ حينما دخلت صيوان العزاء على من بحثت تحديداً وسط الجموع؟
–    بحثت عن أبنائه “عصام” و”صديق” و”عمر”، وبحثت عن “بشير آدم رحمة” و”السنوسي” و”كمال عمر”.
{ ومحمد الأمين خليفة؟
–    بصراحة لا أعرفه.
{ ما الفرق بين العزاء للأهل والنعي الرسمي؟
–    الفرق أنك في النعي الرسمي تكتب مزاياه وأدواره العظيمة، وكسبه في حياته وإنجازاته، ودوره في الحياة السياسية وتعدد مآثره من أجل البلد والدين.
{ بينما العزاء؟
– العزاء هو مشاركة أهل الميت وأسرته السياسية الأحزان.
{ أين ترى مكانة “كمال عمر” في مربع القمة في مقبل الأيام؟
–    سيكون “كمال عمر” أكثر المتضررين من رحيل “الترابي” الذي دعمه وسنده.
{ كان مراد “الترابي” كبيييييييراً؟
–    نعم كان مراد “الترابي” كبيراً ولذلك أنهك قلبه وجسده، وربما بغيابه يعود للإسلاميين رشدهم وإلى قوالبهم الطبيعية، ويفكروا باعتدال بعد أن أراد الراحل “الترابي” إعادة صياغة أهل السودان ولكنه فشل فشلاً ذريعاً.
{  ملأ الدنيا وشغل الناس؟
–    أنا دائم الاستماع لفتاويه وفقهه في التوحيد والفن والجهاد، ولكني وبكل صراحة لا أرى أثراً له في حياتنا العامة.
{ الكل ينتظر كلام الرئيس؟
–    أنا التقيت الدكتور “علي الحاج” في “ألمانيا” في العام الماضي،  فأكد لي الاتفاق بين الشيخ الراحل والرئيس “البشير”.
{ بخصوص مخرجات الحوار الوطني؟
–    نعم بخصوص الالتزام بنتائج الحوار الوطني.
{ كثير منا ينظر للحوار الوطني ويقول جملة نحو الأفق (لو كان الشيخ حياً) من باب التمني طبعاً؟
–    نعم البعض يظن وهذا الظن صحيح أنه لو كان حياً وموجوداً لشكل بعض من الضغوط على الحكومة.
{ برحيل “الترابي” صار الحوار يتيماً؟
–    الحوار الوطني هو الخاسر الأكبر بعد رحيل “الترابي”.
{ هناك قراءة معينة تؤكد أن الجماعات المتطرفة داخل الإسلاميين (بعد رحيل الترابي) ستزيد من نشاطها للتصعيد والهيمنة على الحكم؟ 
–    كل هذه المجموعات واقعة تحت سيطرة الأمن والمخابرات ومقدور عليها، وهي تعتقد أن بقاء هذا النظام أفضل من زواله.
{ أظنك قدمت رؤية ناقصة بخصوص سؤالي حول مدى اهتمام المعارضة بتداعيات رحيل “الترابي” على توجهات البلد؟
–    ما زال الوقت مبكراً لتقييم ومواجهة الظرف القادم، فالمخرجات على الطريق ومآلاتها ستكون مصدر تحول مختلف، وكل الساحة السياسية تنتظر حركة معينة لكي تتجاوب مع التداعيات الأخرى.
{ رحيله تاريخ (قبل وبعد) وسيكون توقيتاً سياسياً لحاله؟
–    رحيله مؤشر ولا نعرف سالباً أم موجباً، وكل شيء متروك لردود الفعل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية