حوارات

بروفيسور "حسن مكي" في حديث الوقت والتاريخ وكثير من الأسرار (2-3)

بعض أعضاء الحركة الإسلامية كانوا يعتقدون أن تزوير الانتخابات عبادة يؤجرون عليها
“علي عثمان محمد طه” أول من أصدر حكماً ضد (الدعارة)
أحرقنا (أكشاك القمار) والمراهنات الرياضية.. ونضرب الطلاب (السكارى) في الجامعة
الشيوعيون نزيهون وكانوا يصومون ويصلون.. و”أحمد سليمان” كان يقيم الليل
“نقد” مات نظيفاً.. ولكنه لم يُمتحن بوزارة
حوار: محمد إبراهيم الحاج
يعرف الناس عن البروفيسور “حسن مكي” ميله الشديد إلى إطلاق الآراء الجريئة التي لا تعجب كثيرين من أعضاء الحركة الإسلامية أنفسهم، ولأن الرجل عايش كثيراً من التجارب السياسية والكروية بالبلاد، وكان له في أغلبها رأي واضح يميل إلى الصراحة الشديدة في أغلب الأوقات، تجده الآن لا يتجرأ على الحديث عن كثير من الأمور التي لها علاقة بالحركة الإسلامية أو المشهد الفكري والسياسي والاجتماعي بالبلاد.
لثلاثة أجزاء حاورت (المجهر) بروفيسور “حسن” بمكتبه بـ(جامعة أفريقيا العالمية)، فتح فيها عقله وقلبه وكثيراً جداً من خزائن أسراره، وتطوفنا معه عن بدايات تكوينه الفكري الأول وانضمامه للحركة الإسلامية، وتنقلنا معه عن الفترة التي قضاها حبيساً في عهد “نميري” التي قاربت من الثلاث سنوات على مرحلتين، وسألناه عن علاقته بالشيوعيين، وعن رأيه في كثير من قادة البلاد، ورغم المناطق الحساسة للغاية التي سألناه عنها، إلا أن بروفيسور “مكي” للأمانة كان واضحاً وسريع الرد على كل الأسئلة ولم يطلب مني الابتعاد عن أي سؤال، إلى مضابط الحوار:
{ نتحدث قليلاً عن علاقتكم مع الشيوعيين.. هل هناك علاقات اجتماعية بينكم؟
–    أعتقد أن المرحوم “يس عمر الإمام” كان أفضلنا، حتى في السجن كان يتواصل معهم وكان لا يتقيد بالكلام الذي كنا نقوله بأن نفرض عليهم عزلة في السجن، ولكن بعض اليساريين نتواصل معهم، مثلاً “محمد يوسف” الذي أصبح وزيراً بعد ذلك، وكان في داخلية “المك نمر” وأنا كنت في داخلية “الزبير”، هنالك جسور تواصل بيننا وبين اليساريين.
{ هل تتبادلون الزيارات؟
–    حتى مع الإسلاميين تكون العلاقة محدودة مع الناس الذين لديهم قدرات فكرية.
{ بصراحة ما هو رأيك في الشيوعيين؟
–    هي حركة سياسية وأصلاً بعد استقلال السودان كان كل الناس مثلهم الأعلى هم الإنجليز، وبعضهم تزوج منهم مثل د.”أحمد الطيّب” و”عبد الله الطيّب” وكثير من النخب السودانية في ذلك الوقت، ومعظم الذين تم ابتعاثهم إلى “إنجلترا” للدراسات العليا، لذلك مجالس الشراب كانت حاجة عادية، والحركة الإسلامية بدأت كحركة صغيرة، التيار الشعبي مثل “عوض الإمام” والتيار النخبوي الجامعي بدأ بـ”بابكر كرار” وكان حركة سرية، لذلك التيار الشيوعي كان مهتماً بالقضية الاقتصادية وقضية الخدمة والمساواة واختراق الجمعيات السرية ومعجب بتجربة الاتحاد السوفيتي، وبالنسبة لنا كنا نرغب في التعبير عن الأصالة الإسلامية، والذي جعلنا نكون ضد الشيوعيين هي الأخلاق الجديدة التي كانت طابع كل المثقفين السودانيين.
{ ماذا تعني بالأخلاق الجديدة؟
–    احتساء الخمر والعلاقات المفتوحة، وكانت (الدعارة) جزءاً من المجتمع السوداني وتنتشر في “الخرطوم”، كل إنسان ينتظر دوره مع (ست البيت).
{ هل من الممكن أن أنشر هذا الكلام؟
–    أيوه.. أيوة.. نحن كنا ضد هذا التيار ويرجع الفضل إلى أن أول من أصدر حكماً ضد (الدعارة) هو الأستاذ “علي عثمان محمد طه”، والذي نفذ الحكم بدقة هو “مهدي مصطفى الهادي” الذي كان له الكعب الأعلى في جعل (الدعارة) أمراً غير مشروع في “الخرطوم”.
{ ثم توالت بعد ذلك الحملات ضد (الدعارة)؟
–    نعم ثم جاء “محمد عبد القادر” حينما أصبح والياً مع “نميري” وطبق هذه المسألة في الولاية حتى جاءت قوانين سبتمبر 1983م وتعطلت كل الأحكام الموروثة مع الانجليز.. وبالمناسبة الانجليز أنفسهم في قانونهم يحرمون على المثقفين السودانيين تعاطي المشروبات الكحولية المستوردة، لأنهم كانوا بيفتكروا أحسن ليهم المشروبات الكحولية العادية مثل (المريسة)، (البقنية)، (العسلية) و(العرقي).
{ تريد أن تقول إن من أهم أسباب ظهور الحركة الإسلامية كان لمحاربة ما اسميتها بالـ(أخلاق الجديدة).. ما هي آلياتكم التي استخدمتموها في هذه المعركة؟
–    أولاً في ثورة شعب أحرقنا أكشاش (توتو كورة) التي تختص بالمراهنات الرياضية و(القمار).
{ كيف أحرقتموها؟
–    أحرقناها بالنار.. بنكب البنزين في الكشك ونحرقوا.
{ جيتوا بالليل وحرقتموها؟
–    لا حرقناها بالنهار في المظاهرات.
{ كنتوا قاصدين تحرقوها؟
–    أيوة كانت الأهداف.
{ وكيف حاربتوا الخمور؟
–    في الجامعة ذاتها كان هناك ناس فرسان زي المرحوم “محمد عثمان محجوب” و”محمد عوض الجيد” وغيرهما.. وديل كانوا بيتصدوا للطلاب السكارى وبيضربوهم.. ودارت مشاكل كثيرة جداً بينهم وبين الطلاب (السكارى).. لأن الجامعة وقتها كانت لا تمنع السكر واسمها (كلية غردون التذكارية)، وكان بعض الطلاب يعتقدون أنه يمارس حقه الطبيعي.
{ يعني كنتوا بتضربوا الطلاب (السكرانين) في الجامعة؟
–    أيوة.
{ مفرغون لهذا العمل؟
–    ما بنقدر نقول مفرغنهم.. ولكنهم كانوا يتصدون لهم.. لأن الطلاب (السكارى) كانوا يعملون ضوضاء وده كان شيئاً عادياً، وكانت حادثة (العجكو) عندما نظمت الجبهة السكرتارية للجبهات التقدمية في جامعة الخرطوم حفلات مختلطة، تصدى الإسلاميون لهذا الموضوع و(كسروا) الكراسي على رؤوس الطلاب.
{ ما هي تفاصيل إلغاء (الدعارة) في السودان؟
–    أول حكم قضائي أصدره “علي عثمان محمد طه” ونفذه “مهدي مصطفى” في نهاية السبعينيات.
{ استخدم الإسلاميون الدين لمحاربة خصومهم الشيوعيين؟
–    قد يكون هذا حادث خاصة أن حل الحزب الشيوعي جاء نتاج لذلك في حادثة دار المعلمين وقادته “سعاد الفاتح البدوي” و”علي عبد الله يعقوب”، وكان بأن استغلوا إساءة طالب للسيدة “عائشة” رضي الله عنها واستخدموا الحادث لتعبئة الجماهير.
{ لكنها كانت حادثة فردية؟
–    نعم كانت فردية ولم تكن سياسة الحزب الشيوعي.
{ الشيوعيون بيصوموا وبيصلوا؟
–    نعم بيصلوا وبيصوموا وكانوا يصلون في الجامعة، وكثير منهم الآن رجعوا زي “أحمد سليمان” كان يقيم الليل.
{ الكثيرون يرون أن الشيوعيين عفيفان وأمناء للغاية؟
–    لا أدري طبعاً لأنه في ناس إلى الآن مع البروليتاريا والكادحين مثل “سليمان حامد” و”محمد إبراهيم نقد” ومات وهو نظيف.. ولكن لم يمتحن.. هل امتحن بوزارة؟ هذا هو السؤال.. لكن البعض منهم امتحنوا بوزارات وكانوا نظيفين.
{ ننتقل إلى شأن الحركة الإسلامية ذاتها.. لماذا تم اختطافها؟
–    أعتقد أن الحركة الإسلامية كانت موجودة حتى انقلاب 89 وحدث أنه أصبح هناك إسلاميون حكام وإسلاميون محكومون كغيرهم من الناس، وأصبحت المسافة كبيرة جداً بين الاثنين، والإسلاميون المحكومين أصبحوا يحسوا أنهم مهمشون وأن الحكام يستخدمون آليات الحكم، وأعتقد أن دكتور “الترابي” كانت لديه أخطاء من أهمها إيمانه بالنظام الرئاسي، وأعتقد أن النظام الرئاسي لا يصلح للسودان.
{ وما هو برأيك النظام الأصلح للسودان؟
–    أعتقد أن النظام المختلط هو الأنسب، ونتيجة لإيمانه بالنظام الرئاسي تم حل مجلس قيادة الثورة، وبدلاً أن تكون هناك سلطتان واحدة لرئيس الدولة والأخرى لرئيس الحكومة تم دمج رئيس الدولة مع رئيس الحكومة، وأصبح “عمر البشير” هو رئيس الدولة والحكومة، وهم طبعاً كانوا يحكمون باسم الرئيس “البشير”، وده الخطأ الثاني.
{ وما هو الخطأ الثالث؟
–    الخطأ الثالث هو أن الحركة الإسلامية تضم ثلاثة مكونات.. المكون الفكري والروحي.. ويقود العمل السياسي والثقافي والفكري وفيه مكون تاني من الناس الذين يسمونهم المكون الخاص أو التنظيم الخاص.. وهؤلاء هم الذين اخترقوا أجهزة الدولة سواء أكانت الأجهزة الأمنية أو العسكرية وديل كانوا مهمين جداً لأنه بدون جهاز عسكري وأمني لا تستطيع أن تناطح في السلطة، وكان هناك المكون الثالث وهو المكون الشعبي وديل ناس يؤيدون فقط، ولكن ليست لديهم قدرات على الكتابة أو الخطابة أو حتى مؤهلات عالية للعمل في القيادات السرية، و”الترابي” حينما جاء بعد الانقلاب همش المكون الفكري وركز على المكون التنظيمي، وهذا في النهاية عندما وقع الانقسام أصبح “الترابي” نفسه بعيداً كرأس رمح للمكون الفكري والروحي، وأصبحت الدولة في قبضة المكون التنظيمي الخاص السري وهو الذي حكم الدولة (16) سنة الماضية بعد ذهاب “الترابي” وذلك نتيجة لأخطائه بأن حول الدولة إلى تنظيم سري وإلى جماعة سرية وهي التي أدت إلى أخطاء كبيرة، واعتماد الحل الأمني والعسكري في القضايا السياسية، وأدى ذلك إلى انفصال جنوب السودان.
{ كيف استوصلت قيادة الحركة الإسلامية إلى “الترابي” رغم أن كثيرين كانوا يسبقونه؟
–    “الترابي” كان متقدماً لأنه عندما وقعت ثورة أكتوبر كنت في ثالثة وسطى كان عميداً لكلية القانون لمدة ثلاثة شهور كان قبله “محمد إبراهيم خليل”، وجاء بعده “زكي مصطفى” وعميد لكلية القانون في كلية واحدة وكان عمره (3) سنوات، ويحمل شهادات جامعية من الخرطوم و”لندن” و”السوربون”، بالإضافة إلى مقدراته في الخطابة وتبحره في العلوم الشرعية لذلك كان متقدماً على الكثيرين، صحيح أن هناك من كان أقدم منه مثل “صادق عبد الله عبد الماجد”، لكن كل هؤلاء بايعوه أنه رجل المرحلة، وتم تكوين جبهة الميثاق الإسلامي، والتف حوله الناس إلى أن حدث انقلاب نميري في عام 1969م، ودخل “الترابي” السجن سبع سنوات في تلك الفترة، وقراءاته في السجن كشفت عن استقامته وقوته وزهده وتحمله للمصاعب.
{ هل كان هناك خلاف بينك وبين “الترابي”؟
–    الخلافات دي مرحلة متأخرة.. نحن كنا تلامذة لـ”الترابي” وهذه الخلافات كانت بعد 1994م وزي ما قلت ليك أنا كنت ضد حكاية النظام الرئاسي، وكنت مؤمناً بالتداول السلمي للسلطة وكتبت ذلك في عدداً من المجلات والجرائد، وكان “الترابي” يحتاط من هذه الحكاية، ويقول لي ما تكتب في الجرائد وخليها مذكرات داخلية، ولكنني أصررت على هذه المسألة، ولذلك أصلا طيلة الـ(5) سنوات لم يعرض على أي منصب دستوري ولا حتى عضو مجلس نواب وهو شيء لا يذكر.
{ لماذا؟
–    لأنهم كانوا يعتقدون أن لدي خطاً يختلف عن خط الحركة الإسلامية التي اشتقت، وهو وأن يكون الحكم للدولة والنظام الرئاسي والسلطة الواحدة والرؤية الواحدة.
{ نقد لاذع جداً للحركة الإسلامية رغم أنك أحد أبنائها؟
–    نعم لأن هناك كثيراً من الأشياء أعتقد أنها لا تليق مثلاً التكاثر بالأوراق يعتبرونها مجرد لعبة، والبعض يعتقدون أنهم يؤجرون على تزوير الانتخابات، وأنا أرى أن هذه جريمة.
{ اختلفتوا في جواز تزوير الانتخابات؟
–    نعم أنا أرى أنها جريمة.
{ هل تقصد انتخابات اتحاد الجامعة؟
–    كل الانتخابات… انتخابات دستور “الترابي” الاولاني.. وكل الانتخابات يعتبرونها تكاثر في الأوراق فقط.. ومثلما تنتصر في المعركة على المتمردين ممكن تنتصر في المعركة بأن تكثف أوراق.
{ عندما جئتم إلى اتحاد جامعة الخرطوم.. هل زورتم الانتخابات؟
–    لا أبداً انتخاباتنا كانت صريحة وواضحة، كان المندوب الشيوعي والبعثي يقضيان الليل مع صناديق الاقتراع وكانا يعرفان أن النتيجة نزيهة ما فيها “شق ولا طق”.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية