رأي

عابر سبيل

الوجه الآخر لـ”الترابي”!!
د. إبراهيم دقش

{ في مطلع الثمانينات انتظمت لجنة أفريقية لمعالجة قضية الصحراء الغربية في قاعة الاجتماعات برئاسة منظمة الوحدة الأفريقية في أديس أبابا.. ومثّل السودان فيها الدكتور “حسن عبد الله الترابي”، وأذهل الحاضرين بحقائق تاريخية ذات بعد قانوني دولي، كما أدهشتهم برؤية متكاملة لما ينبغي أن يكون، وبالقانون.. عندما كنت أجلس جوار الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدكتور “بيتر أونو”، الذي همس لي بسؤال غريب: أين كان يخفي السودان هذا الرجل؟
{ في 1994م صحبت الأخ “سالم أحمد سالم” أمين عام منظمة الوحدة الأفريقية وقتها في زيارته للسودان.. ولاحظت في برنامج الزيارة ترك (فسحة) وقت ذات مساء دون منشط، فقلت لـ”سالم” ذاك موعد مع “الشيخ” غير مكتوب رسمياً، فسخر مني قائلاً: تريد أن تفهمني أنك تلم “باللعبة” السياسية في بلادك؟ وفعلاً ظهر أمامنا في بهو فندق (الهلتون) القديم الشيخ “إبراهيم السنوسي”، فقلت لـ”سالم”: هذا هو اليد اليمنى للشيخ “الترابي”.. وسألني “السنوسي” مباشرة: رئيسك هذا غير راغب في زيارة الشيخ؟ وعندما نقلت لـ”سالم” ما قاله، تم تحديد الموعد في تلك “الفسحة” من 5 إلى 7 مساءً.{ استقبلنا الشيخ “حسن الترابي” في داره بالمنشية وظل “يخدم” علينا بنفسه، حافي القدمين.. كما قدمنا عند نهاية الزيارة حتى العربة حافي القدمين.. وعندها قلت للشيخ: أليس غريباً أن أقابلك وجهاً لوجه للمرة الأولى؟ وبسرعة البرق كان رده: (لا.. لا.. تقابلنا هل نسيت في أديس أبابا عندما سألك رئيسك همساً عني؟).. وقفزت الواقعة إلى ذاكرتي حيّة.. فقلت له: تذكرت.. وما كنت أعلم أنك سمعت ذلك الهمس! فأضاف: (وقد جئتني مع “محمد الحسن أحمد” ذات يوم وجلست في الصالة ولم تدخل معه المكتب)!! وفاجأني إن كنت أعرف المناسبة، فلما نفيت أخبرني أنه قدم له مطبعة جريدة (الأضواء) في ذلك اليوم! فأمنت على ما قاله.
{ في 2015م وجدت الشيخ “الترابي” في الصالة (الجنوبية) في حالة سفر إلى قطر وإلى جانبه “عبد الله حسن أحمد” و”كمال عمر”.. وكنت أودع فريقاً من الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء، فأشار عليّ مبتسماً: أراك طوفت بالأفارقة على (أولادي)، ولم تسأل في أبيهم!! فاعتذرت له ووعدته بأنه أول من سيلاقيهم عند زيارتهم القادمة.. وهو ما حدث فيما بعد، إذ أخذتهم له في مكتبه بدار حزب المؤتمر الشعبي، وأمضوا معه ساعة كاملة، بيد أنه سألني مازحاً إن كنت قد اتخذت المبادرة من (عندياتي) أم طلبت إذناً، فأكدت له بأني إنما نفذت وعداً قطعته.. وخرج الأفارقة منه بانطباعات إيجابية.
{ في 10/10/2015م آخر مرة التقيت فيها بالشيخ “حسن الترابي” في قاعة الصداقة بعد افتتاح مؤتمر الحوار الوطني.. علق: (أراك قد دخلت “مطبخ” الحوار).. فلما قلت له: ودخول المطبخ مثل دخول الحمام.. أرسل ضحكته الشهيرة.
ألف رحمة تغشى قبره!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية