كلمات في الشورى
انفضت جلسات شورى المؤتمر الوطني وغطى زلزال رحيل “الترابي” على كل شيء.. لم يقرأ أحد توصيات وقرارات الشورى، ولم تشاهد الخرطوم مباراة برشلونة وأيبار لأن الدموع التي هطلت جففت ماء العيون واستخدم البعض (الناشونال تيس) لتعويض فاقد الدموع.. ولم يكتب صحافي عن تقرير وزير المالية الذي قدمه أمام الشورى، وقد رسم الرحيل ببراعة يحسده عليها “راشد دياب” لوحات رومانسية عن الواقع الاقتصادي وحياة المواطنين.. و”راشد دياب” و”محمد وقيع الله” و”إبراهيم العوام” تسيطر عليهم حيناً الرومانسية وكثيراً الواقعية في خلط الألوان ومزجها.
في دهاليز الشورى كانت شهادة الرئيس “عمر البشير” بحق مساعده الأول في الحزب “إبراهيم محمود حامد” صادمة لكثيرين ممن يظنون أن تجربة ابن الشرق قليل الكلام قد بلغت نهاياتها، وأن التغييرات المرتقبة في أوعية ومفاصل الحكم يجب أن تذهب بـ”محمود” ومن حوله ومعه باليمين واليسار إلى استراحة ظليلة يتفيأ ظلالها كثير من الفاعلين سابقاً في أوعية ومفاصل الحزب والدولة، لكن الرئيس “عمر البشير” الذي لا يمنح شهادة لأحد من مساعديه ووزراء حكومته إلا إذا أيقن من عطائه، وضع شهادة حسن أداء في جيد “إبراهيم محمود”، وبرر الرئيس أسباب هجومه و(كلامه الحار) في شورى الحزب قبل الماضية وهو يقدم نقداً ذاتياً كما يقول أهل اليسار ومراجعة كما يقول أهل اليمين لأداء الحزب تبدت عليه حينذاك في نظر الرئيس علامات الشيخوخة والهزل والضعف، وبات شبيهاً بالاتحاد الاشتراكي الذي دفن في مقابر السادس من أبريل عام 1985.. وشهادة الإجادة التي منحها الرئيس لمساعده “إبراهيم محمود” أنصفت الرجل الذي يخوض في معترك السياسة بفقه الحاجة للصمت والتسامي فوق الجراحات، وإثبات صحة اختيارات الرئيس لجعله (خليفة) في مقعد جلس عليه من قبل “الترابي” وبروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” ود. “نافع علي نافع” وبروفيسور “إبراهيم غندور”، وانتقل إليه بتقديرات من الرئيس بعد فحص سيرة وكتب الذين من حوله في دائرة الفعل وفي دائرة الشورى وفي دائرة الصداقة.. فهل رضا الرئيس عن أداء الحزب الذي يقوده “إبراهيم محمود” بسبب نجاح الحزب في دارفور بصفة خاصة في حشد المواطنين للتسجيل للاستفتاء حتى بلغ عدد المسجلين (3) ملايين وخمسمائة ألف نسمة؟؟ أم لنجاح المؤتمر الوطني حتى الآن في كسب معركة انتخابات الاتحادات العمالية التي انسحب منها الحزب الشيوعي بعد أن قدر موقفه واكتشف ضآلة كسبه؟؟ أم هي مكاسب المؤتمر الوطني في المفاوضات التي قادها “محمود” من خلال جولات رسمية وأخرى غير رسمية في أديس أبابا وفي برلين؟؟ أم هي حالة الاستقرار التي تشهدها أروقة ومفاصل الحزب في الفترة الماضية حيث اشتهر قادة المؤتمر الوطني بإثارة الزوابع الرعدية حتى في الفصول غير الممطرة، وتعددت التصريحات والانشقاقات في زمان مضى، لكن اليوم ما عاد الرئيس في حاجة (لبندول) كالذي استخدمه د. “نافع علي نافع” لتخفيف حدة الصداع في رأس الحزب.
الرئيس الذي يمسك بمفاصل السلطة والحزب يعلم أكثر من غيره، لذلك جاءت شهادته في مجلس شورى الوطني يوم (الجمعة) الماضي لصالح “إبراهيم محمود” بمثابة صبّ الماء البارد في نيران ساكنة!! وفي ذات الوقت منح الرئيس شهادة أخرى بحسن أداء وزارة الخارجية التي قال إنها نجحت في تجسير العلاقة مع القارة الآسيوية لدرجة أن قالت روسيا في مجلس الأمن وداعاً لصدور قرارات تعاقب السودان، والتمس الرئيس أكثر من عذر للخارجية وهي تسعى لإحداث ثغرة في الجدار الصلد لعلاقات السودان مع الغرب.. وحينما يتحدث الرئيس بعيداً عن الأوراق المكتوبة يملك مواهب فذة في الوصول لقلوب الناس بلغة بسيطة معبرة بلا سجع ومدّ وجزر.