أخبار

خربشات الجمعة

(1)
كان يمني نفسه أن يلقى ربه في معركة في أرضٍ ما.. سعى للشهادة وهو جندي مقاتل في صفوف القوات المسلحة.. تجمعه صورة بالرئيس السابق “جعفر نميري” بمدرسة المشاة.. فتى بهي الطلعة وسيم.. على خده الأيمن شلخ يحدد إلى أي عصر ينتمي حيث (انقرضت) الآن شلوخ الرجال وتلاشت شلوخ النساء.. وأشهر السياسيين من الذين تزين خدودهم الشلوخ، الراحل “عمر مصطفى المكي” الصحافي والقيادي في الحزب الشيوعي، وكذا “عبد الخالق محجوب” الذي نعاه “صلاح أحمد إبراهيم” في قصيدة (أتناسى) بالأنانية التي لا يمكن إخفاؤها إلا إذا استطاع إخفاء الشلوخ التي على خديه.. وآخر جيل الوزراء المشلخين البروفيسور “الأمين دفع الله” الذي جلس الآن بعيداً عن الوزارات وحتى واجهات الحزب الحاكم.. وقد أطلق “حسين خوخلي” على وزير المالية الأسبق الراحل “عبد الوهاب عثمان” اسم “بادي أبو شلوخ”.. ولكن شلوخ الشهيد الراحل المجاهد “محمد آدم الشفيع” كانت شلوخاً جعلته يضيف صفة (البقاري) حتى يتم التميز بينه وزميل آخر له من منطقة تنقاسي بأقاصي شمال السودان رغم أن جغرافية الأسماء من “آدم الشفيع” تضعه ما بين إقليم دارفور وكردفان.. تقاعد عن الخدمة العسكرية قبل سنوات عديدة.. ونمت ثروته من الأبقار والتجارة.. ويعتبر الحوازمة الرواوقة أثرياء كردفان وأبطالها الذين عرفتهم أتون المعارك، فأطلقت عليهم الحكامة (أم رخا الزريقة) صفة (أوتات جبال النوبة وحراسها).. وينحدر الراحل “محمد آدم الشفيع” الذي لم تتحقق أمنيته في الحياة.. ليرحل عن الدنيا على فراش المرض بالسلاح الطبي.. وكان يمني نفسه بالشهادة.. ينحدر من عشيرة الرواوقة دار جامع أولاد “تاور”، أشهر فرسان العرب بغرب السودان.. حتى تم إطلاق صفة (الفراس) عيال “تاور” على كل من يقاتل بشجاعة ويكرم الضيف و(يكسي) العريان ويغيث الملهوف.. حينما اشتد حصار التمرد لمدن وأرياف كادقلي.. وارتكبت قوات المتمرد “رياك مشار” مجزرة (قردود أم ردمي) في عام 1986م، أعلنت قيادات قبيلة الرواوقة التمرد على الواقع، زغردت نساء الحمرة وتسي عبد السلام.. و(قردود جلب) والدندور، وعقب وأبوسفيفة وأم سردية.. وقرر فرسان قبيلة الرواوقة التصدي للتمرد ووجدوا الاستجابة أولاً من النوبة كيقا.. وميري.. والبرام وشات والصبوري واللقوري.. والغلفان، وحمل الشباب السلاح رغم أن حاكم كادقلي في ذلك الزمان كان متردداً ما بين الاستجابة لنبض الشارع وقرار الجماهير، وبين شعارات النظام الديمقراطي والخوف من ردة فعل اليسار الذي أخذ يحاصر السيد رئيس الوزراء “الصادق المهدي”.
(2)
بزغ فجر الثلاثين من (يونيو) وأقبل أهل (الوجعة) من فرسان الحوازمة والمسيرية أبكار المجاهدين وشركاء عمليات إرساء قواعد نظام حكم “البشير” على حمل السلاح والدفاع عن النفس والمال قبل الدفاع عن نظام لم يعرفوا شيئاً عن وجهته، ولكن أبناء تلك المناطق “عمر سليمان آدم” ود.”عيسى بشرى”.. وبروفيسور “تجاني حسن الأمين” و”موسى علي سليمان” و”مكي علي بلايل” أقنعوا الحوازمة والمسيرية والنوبة بأن “البشير أقرب إليهم من “الصادق المهدي”.. وأصدق من “جعفر نميري” و”الفاتح بشرى”.. وكانت نواة الدفاع الشعبي في كردفان أبطالها هم “محمد آدم الشفيع” و”تاور المأمون” و”بهول دود أبكر”.. و”الزبير كرشوم”.. و”أمريكا كردويش” و”كبي الغزال” و”الأمير موسى حارن”.. ومئات المقاتلين الذين صعدت أرواحهم لدار الخلود.. ولا يزال البعض ينتظر.
كانت قيادة “محمد آدم الشفيع” لجحافل المقاتلين في ريفي البرام.. وفي طروجي والدبكة.. في الطين والوحل والخريف.. والنحل الذي يقاتل المتمردين ويقاتل المجاهدين.. خاض “محمد آدم الشفيع” البقاري أكثر من مائة معركة أصابته رصاصة.. ولم تقعده عن القتال.. يسهر الليل حاملاً (كلاشه) يجوب أحياء كادقلي لينام الآخرون.. حينما وقعت فتنة السلطة وتصدع الصف الوطني والشعبي.. اجتمعت قيادات الدفاع الشعبي في يوم مشهود.. وظل “محمد آدم” البقاري صامتاً يصغي لحديث السياسيين.. وحينما اشتد الخلاف قال كلمته وخرج (يا جماعة نحن مع الجيش وفي عنقنا بيعة للقائد “البشير”) وأطلق ثلاث رصاصات.. فزمجر السلاح وانقضت بيعة المجاهدين (غيابياً) لـ”البشير”.. في يوم الكتمة يوم (ستة شهر ستة الساعة ستة).. عادت قيادات المجاهدين التي سرحها مولانا “أحمد هارون” ومنحها إجازة عن الخدمة الطويلة الممتازة.. عادت كل قيادات الدفاع الشعبي تحمل السلاح وتذود عن كادقلي التي حاصرها “عبد العزيز الحلو”.
(3)
لأن الرئيس “البشير” يعرف قدر المجاهدين.. وفضل المقاتلين.. كان قرار الرئيس بأن تمنح قيادة الدفاع الشعبي وسائل إنتاج عبارة عن (تراكتورات) زراعية.. وفي يوم مشهود كانت الفرحة ترتسم على وجوه الرجال الأوفياء ونائب الرئيس د.”الحاج آدم يوسف” يعلن تكريم الرئيس “البشير” لقادة الدفاع الشعبي.. وتهللت أسارير مولانا “أحمد هارون” وهو يبتسم راضياً عن وفاء القيادة السياسية والعسكرية لمن أعطى وبذل وضحى ولم يستفد شيئاً.. ولكن فرحت المجاهدين أصبحت حسرة.. و(تراكتورات) المجاهدين أصبحت في قبضة النيابة.. لأن المجاهدين لم يزرعوا الأرض التي سيطر عليها التمرد.. ونفضت حكومة جنوب كردفان (يدها) عن التزام حكومة جنوب كردفان.. وراحت تعهدات “هارون” شماراً في مرقة “آدم الفكي”.. ومات “صلاح ونسي” الذي كان يحمل ملف تراكتورات المجاهدين.. و”صلاح” هو من تربى في حي كلمو.. يعرف قدر رجال مثل “محمد أبكر” و”تاور المأمون” وداؤود حماد”.. والراحل “محمد آدم الشفيع” الذي أصبح متجره.. القيادة الفرعية لقوات الدفاع الشعبي في كادقلي..
الآن أصبحت كادقلي قلعة المجاهدين في وحشة وحيرة.. وقد رحل فارسها.. وغاب نجم الرواوقة والحر عليهم اشتد.. صيفهم قصر ليلو ونهارو امتد.. يا فارس الحوازمة المنو الخصيم متورع.. يا خور أبو حبل الساقي البلد ومترع.. لهفي عليك وقد رحلت عنا دون وداع.. وذهبت خلسة وتركتنا في صيف شديد الحرارة.. مع السلامة يا البقاري حفيد “تاور أبو جردة” و”جدي الشفيع”.
(4)
منذ أن غادر السفير “العبيد مروح” منصب الأمين العام لمجلس الصحافة.. ظل المقعد شاغراً والوظيفة تنتظر من تختاره أيادي عديدة وجهات بعدد الصحف التي تصدر في “الخرطوم”.. تم ترشيح “جمال الدين شريف” الصحافي والباحث والكاتب أنيق العبارة وتقدم “جمال” باعتذاره عن تولي المنصب.. تم ترشيح خطيب المساجد والبرلماني “عبد الله محمد علي الأردب” ولكن لم يمر ترشيح “الأردب” عبر كل الجهات.. ثم رشح “عبد الدافع الخطيب” المدير السابق لسونا.. ووكيل وزارة الإعلام، ولم يصل بعد “الخطيب” إلى مقر الأمانة العامة لمجلس الصحافة.. والآن يتردد اسم الأستاذ “عبد العظيم عوض” والأستاذ “دنقل” وكلاهما صحافيان على قدر من المسؤولية والكفاءة والثقة، ولكن من يأخذ زمام المبادرة ويطرح خياراته أمام الرئيس الذي يصدر القرار.
طال الفراغ في مجلس الصحافة وتحمل الأستاذ “فضل الله محمد” فوق طاقته في انتظار أن يقول صناع القرار كلمتهم ويسندون لأحد القيادات مهمة أمين مجلس الصحافة.. وكل (جمعة) والجميع بخير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية