تفاؤل رسمي بمشاركة "السعودية" وتوقعات بمستقبل أخضر للاقتصاد الوطني
بدء فعاليات ملتقى السودان للاستثمار بـ(السلام روتانا)
الخرطوم – سيف جامع
رغم مشاركة عدة دول في ملتقى السودان للاستثمار، إلا أن مشاركة “المملكة العربية السعودية” متمثلة في وزير ماليتها “إبراهيم العساف” على رأس وفد رفيع من مسؤولى الهيئات الحكومية وشركات الاستثمار، كان حدثاً مهماً نسبة لخصوصية العلاقات التي تجمع البلدين، وتعتبر السعودية حليفاً استراتيجياً مهماً للسودان، ويعول عليها في تنفيذ مبادرة الرئيس “البشير” لتحقيق الأمن الغذائي العربي التي أطلقها في قمة الكويت 2013م، وحظي الملتقى الذي انطلقت فعالياته أمس بفندق (السلام روتانا) بالخرطوم وتنظمه وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي باهتمام كبير نسبة لجدواه الاقتصادية، بأن يحقق مكاسب كبيرة للاقتصادي الوطني الذي لطالما واجه تحديات كبيرة منذ انفصال جنوب السودان في 2011 مستحوذاً على ثلاثة أرباع حقول النفط التي كانت تمثل أكثر من (50%) من الإيرادات العامة، ومنذ ذلك الوقت تحاول البلاد التعافي من تأثيراته.
وتعول الحكومة السودانية كثيراً على الاستثمارات الخليجية خاصة “السعودية”، لذلك جاء خطاب الرئيس المشير “عمر البشير” أمس في الملتقى مطمئنة، حيث أكد حرصه ورعايته للاستثمارات “السعودية” بالبلاد، والعمل على حمايتها وتوفير الدعم لها وإزالة كل العقبات التي تعترضها من أجل مصلحة الشعبين الشقيقين.
ويبدو أن السودان مؤهل كثير كغيره من الدول في جذب الاستثمارات وفقاً تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، حيث أشار إلى أن السودان احتل المرتبة الأولى في صناعة الضمان في العالم العربي والإسلامي بقيمة عمليات بلغت 867 مليون دولار.
لكن هذه المؤشرات الاقتصادية الايجابية تضع السودان أمام تحدٍ حقيقي في إيجاد بيئة استثمارية حاضنة للاستثمارات الأجنبية لا سيما وأن بيئة الاستثمار بحاجة للمزيد من المرونة وإزالة بعض العقبات المتمثلة في استخدامات الأراضي وتوفير الطاقة وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه.
ويرى مراقبون أن السودان بإمكانه تحقيق مكاسب كبيرة في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة العربية من عدم استقرار وحروب خاصة بعد حسمه لتوجهه العربي والإسلامي وقطع علاقته مع “إيران” وتوجهه بقوة نحو منطقة (الخليج العربي) و”المملكة العربية السعودية” على وجه الخصوص، وبالطبع المملكة كانت حاضرة يوم أمس في خطاب رئيس الجمهورية في فاتحة أعمال الملتقى، حيث أشاد بجهودها بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز” ودعمه المستمر للسودان، مشيراً إلى التزام الدولة بدعم وتنفيذ مبادرة الأمن الغذائي من خلال الاهتمام بالاستثمارات الزراعية بشقيها وفق خطة البرنامج الخماسي الذي انتهجته الدولة للإصلاح الاقتصادي لتحقيق الاستقرار.
وعدد “البشير” المزايا الجوهرية التي يتمتع بها السودان من موارد متعددة وموقع استراتيجي بين التجمعات السياسية والاقتصادية لدول الإقليم مما يجعله جاذباً للاستثمارات، مشيراً إلى الجهود التي تبذلها الدولة لتحقيق السلام الشامل والاستقرار باعتباره مفتاح التنمية، وأكد حرص الدولة على الوصول لحل كافة النزاعات عبر الحوار المجتمعي الذي تشهده البلاد هذه الأيام لجمع الصف وإرساء دعائم السلام لحل النزاعات، مشيراً إلى تحقيق الكثير من المكاسب السياسية والسعي لاستكمالها من أجل تهيئة المناخ الاستثماري.
واستعرض “البشير” الإنجازات التي تمت في مجال البنى التحتية من طرق وسدود واتصالات، مؤكداً مواصلة الجهد لاستدامة النمو وتحريك قوى السوق من خلال منهج الوسطية الذي اتخذته الدولة، بجانب التوزيع العادل للثروة لإحداث نقلة نوعية وإنتاجية عالية للمحاصيل وزيادة في معدلات النمو، خاصة أن الدولة أجازت حزمة من القوانين والاتفاقيات التي تسهم في زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية من خلال انضمام السودان لـ(منظمة الكوميسا) ومنطقة (التجارة الحرة العربية الكبرى)، كما يسعى للانضمام لمنظمة (التجارة العالمية) لتقوية أواصر العلاقات مع الدول الإسلامية والأفريقية بما يخدم السلام والأمن العام، مؤكداً التزام رئاسة الجمهورية بتنفيذ مخرجات الملتقى.
أما وزير المالية والتخطيط الاقتصادي “بدر الدين محمود” أكد على أهمية انعقاد ملتقى السودان للاستثمار لتزامنه مع العديد من التطورات الاقتصادية النوعية التي يشهدها السودان، مرحباً بالتعاون الاقتصادي للأخوة العرب، وأضاف أن الملتقى عقد في ظروف اقتصادية متشابكة ألقت بظلالها على اقتصاديات العالم وضاعفت من معدلات البطالة وانخفاض النمو والديون الخارجية التي تعاني منها معظم الدول حتى المتقدمة، ودعا وزير المالية السعوديين لإعطاء الصادرات السودانية ميزة تفضيلية ومعاملتها معاملة المنتج السعودي، متمنياً أن تساهم جلسات الملتقى في إحداث نقلة نوعية في مجال جذب الاستثمار للسودان.
الملتقى المهم الذي انطلقت فعالياته يعد فرصة للسودان لعكس واقع الاستثمار والموارد التي يتمتع بها، ويأتي بتنظيم مشترك بين وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي ووزارة الاستثمار والصندوق السعودي للتنمية والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات ومجموعة الاقتصاد والأعمال.
وتعتبر “الرياض” ثاني أكبر شريك تجاري للخرطوم بعد “الصين” وأكبر مستثمر عربي، وتتوقع الحكومة السودانية ارتفاع الاستثمارات السعودية لنحو (15) مليار دولار العام الحالي. وتبلغ الاستثمارات السعودية حالياً نحو (11) مليار دولار ما يساوي تقريباً ربع الاستثمارات الأجنبية التي تبلغ (42) مليار دولار وفقاً لبيانات وزارة الاستثمار. ووقعت “الخرطوم” و”الرياض” في (نوفمبر) الماضي حزمة اتفاقيات تمول بموجبها “السعودية” مشاريع سودانية، تزيد كلفتها عن مليار دولار وذلك بحضور الرئيس “البشير” والملك “سلمان بن عبد العزيز”.. وقبل أسبوعين أعلن “البشير” تشكيل مجلس لرعاية الاستثمارات السعودية، لكن لم تكشف بعد تفاصيل هيكلته.
وبشريات كبيرة أعلنها أمس وزير المالية السعودي “إبراهيم العساف” خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى الذي تشارك فيه نحو (60) من الشركات والصناديق العربية، حيث أكد أن بلاده عازمة على “زيادة تدفق رؤوس الأموال وتطوير الاستثمارات المشتركة مع السودان”. ودعا الوزير السعودي رجال الأعمال في بلاده إلى “النظر في فرص الاستثمار في السودان وبناء شراكات استثمارية فعالة”.
ونوه “العساف” في كلمته للملتقى إلى أن بعض الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها ستدرس وترى النور قريباً، معلناً حرص “المملكة العربية السعودية” حكومة ورجال أعمال على تعزيز التعاون الاقتصادي مع السودان وتقديم الدعم التنموي من خلال الصندوق السعودي.
وكان وزير المالية السعودي قد نقل للمشاركين في الملتقى تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك “سلمان بن عبد العزيز”، كما شكر الحكومة السودانية على حسن الضيافة والاستقبال، متمنياً الخروج بتوصيات بناءة تسهم في تحقيق الأهداف المنشودة.
ولعل التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة دفعتها نحو تعزيز الاستثمار الأجنبي، وفي هذا الصدد يؤكد وزير الاستثمار “مدثر عبد الغني” على أهمية الاستثمار ودوره في الاقتصاد في ظل التحديات التي تواجه دول العالم، مؤكداً سعي الحكومة بتهيئة البيئة الملائمة للاستثمار من خلال التشريعات والنظم الإدارية والبنية التحتية.
واستعرض “مدثر” في كلمته في ملتقى السودان للاستثمار الموارد المتنوعة التي يتمتع بها والإمكانيات غير المستغلة والثروات الطبيعية الضخمة، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي الذي يربط بين الدول العربية والأفريقية، وأضاف “لا بد من العمل للارتقاء بالاستثمار وفق رؤى وسياسات واضحة بشكل متجانس لتحريك الطاقات وتنظيم مصفوفات التنمية عبر البرنامج الاقتصادي”. وأشار إلى دور القطاع الخاص بعد تبني الدولة سياسات الإصلاح الاقتصادي والتحرير الاقتصادي وخروجها من الأنشطة الاقتصادية لإفساح المجال له، لافتاً إلى أن عدد المشروعات الوطنية حتى العام 2015م بلغ حوالي (1221) مشروعاً، فيما بلغت الأجنبية 668 مشروعاً بحجم استثمار بلغ (42) مليار دولار، مشيداً بالعلاقات المتميزة بين البلدين وزيادة حجم التبادل التجاري في الثلاث سنوات الأخيرة، حيث بلغت ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون دولار فيما تجاوزت الاستثمارات (11) مليار دولار معظمها في القطاع الزراعي.
وتوقعت عدد من الشخصيات الاقتصادية العربية مستقبلاً زاهراً للاقتصاد السوداني وفقاً للمؤشرات التي تحدثت عن تحسن ملحوظ في بيئة الاستثمار بالسودان، وأشار مدير عام المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات “فهد راشد الإبراهيم” إلى أن جذب الاستثمارات يمثل هدفاً رئيسياً لحكومات المنطقة، سيما في ظل التقلبات الاقتصادية الراهنة، مما دفع بحكومات المنطقة إلى وضع البرامج المتكاملة لجذب الاستثمار الداعم لسياسات التنمية المستدامة، وأضاف دأبت المؤسسة العامة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات على رصد مؤشرات الاستثمار في المنطقة ونشر الوعي بأهميته وعوامل الضعف والقوة للاستثمار في دول المنطقة، وأشار الابراهيم، إلا أن المؤسسة قامت بتطوير مؤشر ضمان جاذبية الاستثمار منذ العام 2012م، ويعتمد على (58) مؤشراً ويغطي نحو (109) دولة في العالم تمثل نحو (95%) من إجمالي أرصدة الاستثمار المباشر في العالم، وبينها (16) دولة عربية، وقد كشف المؤشر عن تحسن ملحوظ في جمهورية السودان على صعيد تحسن مناخ الاستثمارات، سيما على صعيد عدد اتفاقيات الاستثمار الموقعة مع دول العالم، وارتفاع عوائد الموارد الطبيعية في الناتج المحلي، وانخفاض نسبة عجز الموازنة للناتج المحلي، وتقليص إجراءات مدة نقل الملكية، كما نجح السودان في استقطاب نحو (23) ملياراً من الاستثمارات العربية والأجنبية خلال السنوات القليلة الماضية، وفقاً لتقديرات مؤسسة (اونتكاد)، وتوزعت عبر شركات استثمرت في النفط والغاز، الزراعة والتعدين.
واعتبر الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال “رؤوف أبو زكي” أن مهمة الملتقى الأساسية هي تسليط الضوء على الإصلاحات المحققة، وذلك عبر البرنامج الخماسي الذي وضعته وزارة المالية بالتعاون مع الهيئات الدولية، لتحفيز النمو وتعزيز مكانة القطاع الخاص، والذي أثمر نتائج ايجابية تمثلت بتحقيق الاقتصاد السوداني نسبة نمو بحوالى (6.6%)، وقال نأمل أن يصبح هذا الملتقى بما يضمّه من مسؤولين ومستثمرين، حدثاً دورياً ينعقد في مثل هذا الوقت من كل سنة، ويتم خلاله مناقشة التطورات والانجازات والإجابة عن الاستفسارات وتوضيح السياسات الاقتصادية والرؤية المستقبلية، وأضاف نتشرف بأن يكون السودان ضيف شرف منتدى الاقتصاد العربي، والذي تنظمه مجموعة الاقتصاد والأعمال سنوياً في “بيروت” وسينعقد في 12 مايو المقبل.
وتم خلال الجلسة الافتتاحية، توقيع اتفاقية الحصاد المائي بين الحكومة والصندوق السعودي للتنمية، حيث وقع عن حكومة السودان وزير المالية والتخطيط الاقتصادي “بدر الدين محمود”، وعن “المملكة العربية السعودية” معالي “د. إبراهيم عبد العزيز العساف” وزير المالية السعودي.
كما شهدت الجلسة تلاوة قرار رئيس الجمهورية رقم (167) على لسان السيد “فضل عبدالله فضل” وزير رئاسة الجمهورية بمنح وسام النيلين لكل من الشيخ “محمد بن راشد” رئيس شركة (جناب) والسيد “سلمان بن عبد العزيز الراجحي” رئيس مجلس إدارة أوقاف الراجحي، كما تم تكريم “د. إبراهيم العساف” وزير المالية السعودي” بجانب تكريم الهيئات والمؤسسات العربية والمحلية المشاركة في تنظيم ورعاية الملتقى.
وتستعرض جلسات الملتقى التي تستمر لمدة يومين – العديد من أوراق العمل أهمها آفاق وفرص الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والتعدين وتطورات واتجاهات الاقتصاد السوداني وبيئة الاستثمار وفرص الشراكة مع القطاع الخاص ويتم استعراض فرص الاستثمار في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية في الجلسة الثالثة.
فيما يتم استعراض آفاق وفرص الاستثمار في التصنيع الزراعي والغذائي في الجلسة الرابعة، وتستعرض ورقة آفاق الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والتعدين في الجلسة الخامسة، وفي الجلسة السادسة يتم استعراض تطوير البنى التحتية، فيما يتم استعراض دور التمويل التنموي في السودان الواقع والمأمول في الجلسة السابعة.
ويخاطب ختام الملتقى مساء (الخميس) الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” النائب الأول لرئيس الجمهورية.