انزعاج برلماني
لماذا أبدى البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” رئيس البرلمان كل هذا الانزعاج لمجرد أربعة أو خمسة أفراد معارضين لسياسات الحكومة ومطالبين برحيلها، قد هتفوا في وجه الوفد البرلماني الذي زار الولايات المتحدة الأمريكية في الأسبوعين الماضيين، وحصل على نتائج بائسة من تلك الرحلة.
البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” تجربته السياسية التي تمتد لأكثر من (50) عاماً في الساحة من معارض لمايو ثم حليف لها.. ومعارض لحكومة السيد “الصادق المهدي” ثم صانع قرار وفعل لمدة ربع قرن من الزمان.. يفترض أن تكسبه حصانة من الشعور السالب والإحباط من سلوك جماعة معارضة هتفت في وجهه تعبيراً عما في نفسها، وفي بلدٍ لا تستطيع فيه استدعاء الشرطة أو أجهزة الأمن لضرب المشاغبين وإيداعهم السجون إلا في حالة الاعتداء المادي.. والولايات المتحدة الأمريكية حاضن كبير لتيارات المعارضة من كل جنس ولون.. هناك آلاف الشيوعيين الذين أصبحت وجهتهم “واشنطون” وكندا بدلاً من “موسكو” و”بلغراد”.. وأفرزت الحرب في دارفور واقعاً في أوساط المهاجرين واللاجئين في غير مصلحة الحكومة المركزية التي تتعرض لتشوهات في صورتها الخارجية، بسبب نشاطات الأفراد والجماعات وضمور الإعلام السوداني وعجزه عن نقل صورة إيجابية عن الوضع الداخلي، وبالتالي أصبح الفضاء الخارجي (مشحوناً) بالصور السالبة عن الأوضاع الداخلية.. وحتى سفراء السودان في الخارج والبعثات التي يقع على عاتقها التواصل مع الجاليات السودانية في الخارج، تنصرف كلياً عن مهامها التي انتدبت من أجلها.. ويتوجس المغتربون والجاليات في الخارج من الدبلوماسيين السودانيين الذين (يغلقون) أبواب السفارات وبيوتهم بالحراس الأشداء الغلاظ، وتنصرف كل همومهم ومشاغلهم في كيفية حصاد ثمرات (الاغتراب) لتشييد البيوت الراقية في الخرطوم وشراء الأثاثات الفاخرة.
في الولايات المتحدة الأمريكية آلاف السودانيين غير المنتمين للمعارضة ولا يحملون ضغائن أو أحقاداً في نفوسهم، ولكن متى بلغهم خطاب الحكومة ولو عاد البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” بعد شهور لذات القاعة التي هتف أفراد بعدد أصابع اليدين في وجهه لاستمعوا إليه خاشعين وتبادلوا معه الحديث بعقلانية. وفي العام قبل الماضي شهدت السفارة السودانية بالقاهرة أيام حكومة “مرسي” أحداث شغب وهتافات معادية للحكومة ولطاقم السفارة، حتى تدخلت قوات مكافحة الشغب المصرية لفض الاحتقانات أثناء احتفال السفارة بافتتاح دار الجالية الجديدة ومبنى السفارة. وكان الوزير “علي كرتي” هو ضيف شرف الاحتفال الذي أفسده هتافات المعارضين.. وكنا مجموعة من الصحافيين ضيوفاً على سفارتنا بترتيبات من “جمال عنقرة” صاحب المبادرات الخلاقة.. في تجسير العلاقة بين مصر والسودان. ومن حسن حظ مصر والسودان كان السفير د.”كمال حسن علي” وهو سياسي استثنائي في عمق رؤيته.. طلبت شخصياً من الوزير “علي كرتي” السماح لي بلعب دور في تقريب وجهات النظر بين بعض أبناء الجالية من أهلنا في جبال النوبة والسفارة.. ووافق “علي كرتي” على ذلك.. ذهبت إلى دار أبناء جبال النوبة.. وجدت زملاء دراسة.. وأبناء كادقلي والدلنج في البدء توجسوا مني وأمطروني بجملة انتقادات، ولكن في نهاية الأمر قالوا إن موقفهم من السفارة بأنها لا تشركهم في مناشطها وتعتبرهم معاديين.. لا تجدد لهم جوازات السفر ولا تمثلهم في مجلس الجالية.. وقد استجاب “علي كرتي” فوراً لكل مطالبهم وتم إشراك أبناء جبال النوبة في مجلس الجالية وعين وتم انتداب إداري من أبناء المنطقة للسفارة لتعود العلاقات بين الطرفين لطبيعتها. وكثيراً ما يهزم بعض الدبلوماسيين في سفارات السودان بالخارج حكومتهم بسوء تقديرهم.. وبعدهم عن الجاليات التي تصبح في بعض الأحيان ضحية للتقليل الإعلامي خاصة في عصر (الواتساب) الذي ينقل الأكاذيب ويبثها في الفضاء الخارجي.. واليوم ما تقوم به “تراجي مصطفى” من دفاع عن بلادها عجزت عن القيام به وزارة الإعلام وكل سفارات البلاد في الخارج، والبروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” مطالب بالهدوء وبحث الأسباب التي أدت لتنافر السودانيين أكثر من القذف في وجه المحتجين بأنهم محرضون من قبل إسرائيل.