فإذا فرغت فانصب
د. محمد الأمين خليفة
آية كريمة محفزة للعمل طاردة للكسل، وددت أن أتمثل بها من أجل كتابة سلسلة من المقالات عبر ورق الصحافة، فقد عهدت إلى نفسي قبل هذا أثناء أشغال مؤتمر الحوار الوطني، أن أرفد إلى القارئ الكريم شيئاً من فيض الحوار الذي شغل الناس بعض الوقت. لقد كانت هنالك مفارقات ومقاربات وتجانس وأضداد غاب عن سماعها ومشاهدتها أناس كثيرون من أهل الصفوة، الذين اعتادت الأعين أن ترى أجسامهم، واعتادت الآذان أن تسمع لقولهم ولا أبرىء نفسي، فقد كنت مؤملاً أن أجد رجالاً عملنا معاً من قبل متجاورين حول الطاولة، لكنهم لم يستجيبوا نداء الداعي للحوار الذي لم يضع له قيداً أو شرطاً، وقد تملكني حزن لسببين: السبب الأول أن السودان اليوم يمر بأزمة حقيقية غير طبيعية وهم يعلمون، والسبب الثاني أن الأمر يمكن أن يستدرك قبل أن يستفحل من خلال المساهمة الوطنية بالرأي السديد من وحي تجربتهم الثرة التي لا ينكرها أحد، فتجتمع الإرادة السياسية التي هم أحق بها وأهلها لتتلاقح مع القدرة التنفيذية التي بيد السلطة ليخرج السودان من هذه الأزمة. هنالك ضوء للرائي داخل النفق وهو الاعتراف بالأزمة من كل أطراف المعارضة الداخلية والخارجية، السلمية والمسلحة، كما أن غالب المسؤولين من رجال الحكومة يشعرون بذلك مما جعلهم يرسلون هذا النداء. إذن المسألة سهلة الحل عند عالم السياسة، يمكن أن يحدث اختراق من أجل إصلاح البلاد وإسعاد العباد، وإن كان هناك من بيننا من غلبت عليه شقوته ولا يذعن للحق أبداً إلا من خلال منظوره لحاجة في نفسه، فأولئك هم قلة قليلة لن تغلب الفئة الكثيرة التي التفت حول الحق مهما أحدثوا الصيحة والجلبة في الداخل وفي الخارج.
إن كان هذا هو المسرح المرئي أمام الناس باختصار، إذاً يكون الحوار الجاد والجدل الهادف هو سيد الموقف، لأنه أقرب المسالك للوصول إلى الغاية المرجوة وأبعدها عن الطرق الأخرى التي قد تقود إلى المهالك.
هذا السودان الذي نحبه جميعاً حبانا الله بأن يكون واسطة العقد بين الدول التي من حوله، والرمانة الحافظة للضبط والتوازن بين الإثنيات والعرقيات والثقافات لتعطي الخلطة السحرية الممسكة لعلاقات الشعوب والقبائل بالحسنى، ولا يسعى لتجزئته وانفصال مكوناته إلا قصير النظر الذي لا يستمتع باختلاف الألوان الزاهية إلا لون بشرته، ولا يهنأ له العيش إلا داخل عصبية قبيلته، وقد أشارت لجنة السلام والوحدة أنها من مهددات السلام والوحدة.
هذا السودان الذي يسع الجميع إذا استقر سيؤثر إيجاباً على السلام والتنمية في الإقليم المحيط به، فبالرغم من حالنا اليوم، إلا أن دولاً مجاورة تقتات هنيئاً دون منٍ أو أذى من طعامنا، وتشرب مريئاً من مائنا، وتتكئ على أكتافنا إن أرادت أن تقوم، ولا غرو فاستقرار السودان يهدي الاستقرار إلى الإقليم بأسره، ومن ثم يرفده إلى سلام عالمي.
دوافع كثيرة تحفزنا أن نقول جهراً وتستفزنا أن نبوح بالذي كان سراً، ولو كان الإعلام المرئي والمسموع معنا داخل القاعة من أول مرة لأغنى عنا كثيراً مما نقول، ولكن ربما يرى بعض الممسكين بخيوط الأجهزة الإعلامية خلاف ذلك، فقد استحوذ عليهم الإشفاق من رؤية الحقيقة العارية، لكن ليتهم لم يفعلوا ذلك.
لذلك رأيت أن أكتب سلسلة من المقالات عبر صحافتنا الغراء، وأبدأ بشكر الأخوة أعضاء لجنة السلام والوحدة الذين أدوا عملاً وطنياً لأهل السودان من خلال توافقهم على قضايا جوهرية لولا نكران ذاتهم لاختصموا فيما بينهم وأخرجوا كلمة طيبة في حق إخوتهم من جنوب السودان، فقد قالوا التالي نصاً: (في شأن دولة جنوب السودان، وكما جاءت في الأوراق التي تطرقت لاستقلال جنوب السودان ودون المساس بحقوق الإخوة المواطنين بجنوب السودان في تقرير مصيرهم بالاستقلال، ترى اللجنة أن الانفصال الذي جرى كان سياسياً، وأن الوحدة الاجتماعية قائمة، وأن الوحدة السياسية ممكنة ونسعى معاً لتحقيقها)، أحسب أنها عبارة تعبر عن السلام والوحدة وليس عن الحرب والانفصال.
سأواصل إن شاء الله في تبيان ما دار من خلال من جريدتي (المجهر) و(آخر لحظة)، فقد غابت عنا طويلاً صحيفة (رأي الشعب)، ولا نبتغي من قولنا وعملنا إلا رضا الله، وأختم بالآية الكريمة (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ).