بعد.. ومسافة
“هاشم الجاز” والأشعار المتمنعة!
مصطفى أبو العزائم
التقيت قبل أيام في محفل عام، بالأخ والصديق الأستاذ “سعد الدين إبراهيم” وكان كعادته دائماً هاشاً باشاً، فقال لي وابتسامته المميزة لا تفارق شفتيه (طبعاً تكون لي هسه عملت ليك ديوان كامل)، وهو يقصد ديوان شعر، لكنه لا يعلم أنني طلقت شياطين الشعر منذ فترة طويلة، وحتى إن عنَّ لي بعض الشعر، أردده بيني وبين نفسي، وأحاول محوه من ذاكرتي فوراً.. والأمر يصبح سهلاً لمن لا يريد أن يرسخ ذلك في ذهنه، ولكن صديقنا الفنان والشاعر المرهف الأستاذ “سعد الدين إبراهيم” كان يفكر بعقل الشاعر الذي إذا خلا إلى نفسه أبدع وصور وحور وقدم نسج الخيال الرقيق إلى أصدقائه ومحبيه ومعجبيه.
وحقيقة الأمر أن القلم لم يجر على الورق طوال الفترة التي أعقبت توقف صحيفة (السياسي) عن الصدور، إلا من مكاتبات رسمية بغرض تسوية الأوضاع الخاصة والمترتبة على إيقافنا لصدور الصحيفة، ولم نكتب لصحيفة إلا للغراء (المجهر السياسي) التي أشعر أنها الأقرب إلي رغم ما يربط بيني وبين زملائي في الصحف الأخرى، والذين قدموا لنا الدعوات للكتابة في صحفهم، ولكن كما كنت أقول دائماً (القلم ليهو رافع).
خلال هذه الفترة الطويلة التي توقفنا فيها عن الكتابة جرت مياه كثيرة تحت الجسر، كما يقول أهل الأدب والفلسفة، ووقعت أحداث لا تستبقي الذاكرة منها إلا المحزن، مثل رحيل الأخ والصديق والزميل العزيز الدكتور “هاشم الجاز” واسمه الكامل هو “هاشم محمد محمد صالح الجاز” الأمين العام الأسبق للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، الذي حدثت وفاته صبيحة (السبت) التاسع من يناير الماضي، إثر نوبة قلبية دهمته في مطار “الدوحة” بقطر التي ذهب إليها ملحقاً إعلامياً بسفارتنا هناك.
رحل صديقنا العزيز الدكتور “هاشم الجاز” وقد كان في طريقه إلى الخرطوم لتلقي العزاء في وفاة شقيقته “عرفة” التي سبقته إلى دار الخلود بيوم واحد، في (الجمعة) الثامن من ذات الشهر.. وكنا نخطط نحن مجموعة من زملائه لمقابلته ومواساته لأننا نعرف مقدار ارتباطه بشقيقته الراحلة، لكن العزاء كان لكل أهله وأصدقائه في شقيقته وفيه هو نفسه.. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
بفقد الأخ “هاشم” فقدنا على المستوى العام عالماً وأستاذاً جامعياً ومهنياً رفيعاً، بينما على المستوى الخاص فقدنا كل ذلك مثلما فقدنا “هاشم” الأخ والصديق عالي الهمة عظيم الأدب رفيع الخلق.. وهي شهادة تقوم على معرفة امتدت لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً هي عمر علاقتنا به، وقد عملنا معاً في كثير من اللجان، وجمعتنا رحلات عمل كثيرة داخل وخارج السودان.. ونحن الذين كنا إليه أقرب فجعنا بوفاته، لكن الموت حق ولا راد لقضاء الله، لكنها مصيبة الموت.. تلك المصيبة التي تجعل المقربين منه يحاولون الاتصال على هاتفه 0097466468338 أكثر من مرة على أمل أن يرد بصوته القوي يتقبل العزاء في شقيقته الراحلة.. رحمهما الله وأدخلهما فسيح جناته (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).