رأي

النشوف آخرتا

الميلاد أم الرحيل؟
سعد الدين ابراهيم
درجنا على الاحتفاء بنجومنا الذين رحلوا عن الدنيا الفانية في ذكرى رحيلهم.. ومن الوجاهة بمكان أن نحتفي بذكرى مولدهم.. لأن بميلادهم بدأت الإضافة وبرحيلهم كانت الخاتمة.. وإذا تأملنا في احتفالاتنا الدينية، فنحن نحتفل بميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام.. لا بوفاته، كذلك عند أهل الغرب يحتفلون بذكرى ميلاد عباقرتهم في شتى الضروب، فالماركسيون يحتفون بميلاد “فلاديمير التش لينين” لا بوفاته – كذلك “فولتير” وجوتة” وغيرهم من رموزهم.
والاحتفاء بالميلاد ينفي بالضرورة مظاهر الحزن ومهرجانات البكاء والعويل.. وهذا لا يستقيم حتى مع روح وعبقرية المحتفى بهم.
آخر أولئك “مصطفى سيد أحمد” و”محمود عبد العزيز” عليهما الرحمة والمغفرة، تلاحظ حتى ضيوف البرامج يدعون الحزن.. يرسمون تقطيبة زائفة وقد يستحلبون دمعة ضالة يحدقون في اللا شيء كأنهم يحدقون في وتن!
هذه مظاهر بجانب أن معظمها زائف لا ترضي روح أولئك الفقداء، فـ”مصطفى” صارع الداء طويلاً وكان بالغناء يكافح حزنه الخاص.. فضرب مثلاً في احتمال الشقاء وكان يغني.. هزم حزنه الخاص بإشاعة الفرح العام.. نسج من معاناته منديلاً يجفف به دموع الآخرين.. ويلوح به عند الوداع.. كان صابراً صامداً محتسباً.. فمن باب أولى أن نكون مثله لا ننكسر بل نقاوم.
أما “محمود” فقد عانى كثيراً.. اضطهد بالكيفية التي يعرفها الجميع، فقد حوّل مرة فترة سجنه في (سجن أم درمان) إلى كرنفال للفرح.. كان يستقبل أحبابه وعشاقه بابتسامته الجميلة الحزينة الصادقة.
“محمود” كان يصارع في أكثر من جبهة أقساها صراعه مع ذاته.. وأيضاً حاصره الداء اللعين فاحتمل وصبر وصابر.. كان يغني رغم المرض والواضح أن المرض لم يداهم الراحل الجميل فجأة.. بل بدأ يتسع مما يدل على أنه كان يغني صابراً على الداء.. كاتماً للألم مغنياً للحياة متغنياً بها!
فمن باب أولى أن نبقى الصمود مثلما أوصانا لا أن ندمن البكاء على الأطلال.. وهي ليست أطلالاً بالية.. بل منارات سامقة لذلك فينبغي رفع الفراش وتحويله إلى حفل بهيج فيه احتفاء بمولدهم لا برحيلهم لان بمولدهم زاد الخصب وزهت الثمار حتى حان قطافها الأخير كحال الدنيا.
تعالوا أولاً نغير خطة الاحتفاء بالميلاد لا بالرحيل بالشموخ لا بالانحناء.. بالصمود لا بالانكسار.. وإن كان لا بد من الدموع فلتكن دمعة حرى ومعها آهة طويلة ثم تعقب ذلك أغنية ورقصة.. ريشة ولوحة.. نغمة وقيثارة.
ولا بد أن نغير كذلك من طريقتنا في الاحتفاء ولنقرن الذكرى بمشروع كبير أو صغير هدية لروحه.. أن ننشئ مكتبة أن نعول أسراً فقيرة.. أن نبني مسرحاً في بلدة نائية.. أن نزور دور المسنين وأطفال المايقوما واليتامى هنا وهناك.. أن نحرر غارماً من أسر فرض عليه.. أن نسدد شيكاً لمعسر حتى لا يموت وهو لا يقوى على السداد.. أن.. وأن.
هيا نرفع الفراش.. ونحتفي بميلادهم!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية