الأشقاء في السياسة السودانية ..من هم
أشهرهم فاروق أبو عيسى والدقير
فاروق أبو عيسى: طوائف بعينها كانت تتحكم في تقرير التوجهات السياسية للأفراد
في أربعينيات القرن الماضي.. كان المنزل مكاناً لتبلور الولاءات السياسية
فضل الله برمة ناصر: الانتماء السياسي لا علاقة له بالقرابة
عبد الرحيم بلال: الأسر في السودان لديها مناهج ثابتة.. إما ختمية أو أنصار
تقرير ــ محمد جمال قندول
اتسمت السياسية السودانية بالعديد من الظواهر التي ألقت بظلالها على الخارطة السياسية، ومنذ استقلال البلاد من الحكم البريطاني، الذي مضى عليه (60) عاماً، ومنذ ذلك الحين ظل المشهد السياسي يفرز الكثير من القيادات والأحزاب، التي كان لها أدوار وتجارب في صياغة شكل ونظام الحكم في السودان وقد حققت نجاحات كبيرة، إلى جانب إخفاقات محسوبة. يأتي في مقدمتهم من صنعوا الاستقلال، ومنهم قيادات مؤتمر الخريجين، والذين يتقدمهم الزعيم الراحل “إسماعيل الأزهري”، والذي كان أول رئيس للسودان عقب الاستقلال، لتتوالي الحقب السياسية المختلفة.
وساهمت حيوية الحياة السياسة والديمقراطية، في تشكيل الكثير من الأسر السودانية، من خلال مشاركتها، ومشاركة أفرادها، في المعارك الكبرى، مثل معركة الاستقلال، مما جعل الكثير من الأفراد يتشربون بالمبادئ السياسية والفكرية، ويؤثرون في محيطهم، بدءاً من الأسرة والحي والمدرسة والجامعة ومكان العمل، وغيرها، من البيئات الاجتماعية. فينشأ الفرد على ميول سياسية أو فكرية، وفي أجواء ديمقراطية، يمارس حقه باتخاذ الحزب أو الفكر أو الميل السياسي، وفق حيوية البيئة السياسية، وقد عرفت السياسية السودانية أدوراً واضحة للأسر من خلال التأثير على توجهات أبنائها، ويدل على ذلك وجود الكثير من الأشقاء داخل أحزاب متفرقة، بأفكار مختلفة.
(المجهر) أعدت تقريراً تناولت فيه ظاهرة الأشقاء في السياسة.
حزب الأشقاء
وللمفارقة، فإن أول حزب سياسي سوداني سطع نجمه كان اسمه حزب (الأشقاء)، والذي تأسس على يد (10) من الاتحاديين والذين عرفوا حينها بالعشرة الكرام، ولعل أبرز من أسسوا هذا الحزب هم الأخوان “يحيى الفضليي و”محمود الفضلي”، بجانب الشقيقين، “حسن محمد يس” و”أحمد محمد يس”، بالإضافة إلى قيادات أخرى أبرزهم “عبد الرحيم شداد”، “حسن عوض الله”، “محمد عبد الحليم العتباني”، “إبراهيم جبريل” و”الريح عيدروس”. وساهم حزب (الأشقاء) والذي تحول اسمه فيما بعد إلى الحزب (الوطني الاتحادي)، ثم (الاتحادي الديمقراطي)، في إرساء قيم الممارسة السياسية الديمقراطية لأول مرة بالسودان، خاصة وأنه أول حزب سياسي سوداني حكم البلاد بعد نيل السودان استقلاله.
الأسرة الواحدة
ومن باب المفارقة أيضاً، إن السياسة السودانية حوت قصص أشقاء مختلفين فكرياً وسياسياً، ساهموا في قيادة أحزابهم وقدموا إضافات نوعية فيها، وكانوا – في نفس الوقت – مجتمعين تحت ظل الأسرة الواحدة، ولكنهم شديدو الخصومة في السياسة. ويبرز في مقدمة هؤلاء عدد كبير ينشطون حالياً بالوسط السياسي، أبرزهم رئيس (قوى الإجماع الوطني) “فاروق أبو عيسى” والذي يقود تحالف المعارضة، ومصنف حسب تصنيفات المراقبين ضمن اليساريين وكان شيوعياً، بينما كان شقيقه “عبد الرحيم أبو عيسى” ينتمي للحزب (الاتحادي الأصل). بالإضافة إلى الراحل القانوني “غازي سليمان”، والذي كان ينتمي لــ(الحركة الشعبية)قبل أن تبتعد مواقفه عنها قليلا قبل وفاته ، بينما ينتمي شقيقه “بدر الدين” ينتمي للإنقاذيين، وبرز نجمه كمساعد لرئيس الجمهورية للشوؤن الاقتصادية، وكان من قبل اقتصادياً لامعاً في حكم الرئيس الأسبق “جعفر نميري”، بالإضافة إلى وزير البيئة والغابات والقيادي بالحزب (الاتحادي) “حسن هلال” وشقيقه الذي ينتمي إلى الحزب (الشيوعي) “محمد هلال”.
وهناك القيادي بـ(الحزب الشيوعي) “التجاني الطيب” وشقيقه بـ(الحزب الاتحادي) “أحمد الطيب”. ولعل أبرز الأشقاء اللذين سطع نجمهما في سماء السياسة السودانية، مؤخراً هما مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق والقيادي بالمؤتمر الوطني وعضو البرلمان عن دائرة “مروي” الحالي، الفريق “صلاح قوش” وشقيقه “عبد العظيم” الذي ينتمي لـ(الحزب الشيوعي). وتضم القائمة، رئيس حزب (الأمة القومي) الإمام “الصادق المهدي” وشقيقته “وصال”، التي تنتمي لحزب (المؤتمر الشعبي) وزوجة الأمين العام “د. حسن الترابي”. وانضم إلى القائمة مؤخراً، رئيس حزب (المؤتمر السوداني الجديد) والمنتخب حديثاً قبل أسبوعين، “عمر الدقير” إلى جانب شقيقيه “د. جلال الدقير”، أمين عام الحزب (الاتحادي المسجل)، ويشغل موقع مساعد لرئيس الجمهورية، بينما يشغل شقيقه “محمد يوسف الدقير”، القيادي بالحزب موقع وزير للثقافة والسياحة والإعلام بولاية الخرطوم.
(العيساب) بمدني
ورغم أنه لم يحظ بذات شهرة شقيقه وابن عمه القانوني ورئيس (قوى الإجماع الوطني)، “فاروق أبو عيسى” إلا أن القطب الاتحادي الشهير “عبد العزيز أبو عيسى”، والذي شغل منصب مدير بنك السودان، بالإضافة إلى إسهاماته المقدرة، إلا أن أسرة (العيساب) قد اشتهرت بانتمائها للحزب (الاتحادي) و(الطائفة الختمية) بشكل عام، وهي من أعرق وأشهر الأسر بمدينة مدني. وخرجت قيادات سياسية بارزة، منها “أبو عيسى” والراحل المقيم “عبد الرحيم أبو عيسى” شقيق وابن عم “فاروق” و”عبد العزيز”، وهو الطبيب الشهير والقطب الاتحادي والعضو السابق بالبرلمان عن مدينة ود مدني. وقد كان رجلاً محبوباً ساهم في تشبع الأسرة بالسياسة من خلال انجازاته، وأحبه أهل مدني، وعيادته بشارع المحطة بود مدني تعتبر من أكبر وأقدم العيادات بالمدينة (مجمع طبي)، ويروى بأنها كانت قبلة لأهل الجزيرة عموماً، إذ سادت عبارة (الما أتعالج على يد د. أبو عيسى ما أتعالج). وهو من أوائل الخريجين من (كلية غردون) وكان دائم الحرص على أن يحضر مجلسه بـ(نادي الخريجين) بود مدني ويحضر (ركن الندوة). ويرجع له الفضل في توحيد الحزب (الوطني الاتحادي) مع حزب (الشعب الديمقراطي)، والذي كان وقتها يمثل طائفة الختميـة، ساعده في ذلك وبدرجة كبيرة كونه من (العيساب)، وهي أسرة لها مكانتها المتميزة لدى (آل الميرغني) و(الختميـة).
أبو عيسى الاتحادي
رئيس (قوى الإجماع الوطني) “فاروق أبو عيسى” قال لـ(المجهر) بأن الانتماء السياسي بالسودان كان سابقاً، يكون مربوط بالبيئة التي نشأ فيها الفرد فإذا ولد الشخص في حزب وجده اتحادياً يكون على سلف آبائه، وكان التحزب أشبه بالدين، وأضاف أبو عيسى قائلاً: ولكن فيما بعد انقلب الأمر، وحدث نوع من التطور في الفكر السوداني وذلك على خلفية انتشار المدارس الثانوية، والتي ساهمت في تكوين الفكر السياسي.
ويواصل حديثه ويقول: بأنه كان من أسرة اتحادية عريقة نشأ في كنفها وكان منزلهم مكاناً لعموم الختمية بالسودان، وكان اتحادياً وتأثر بالراحل الاتحادي الشهير “أحمد خير” ولكنه لم يكن منظماً سياسياً، وحينما وصل إلى الدراسة بـ(حنتوب) تغيرت قناعاته، حيث التحق بمؤتمر الطلبة، التابع للشيوعيين، وعضوية مؤتمر الطلبة السري والذي كان يعرف اختصاراً بــ(م، ب)، وتطور فيما بعد إلى أن أصبح عضواً برابطة الطلاب الشيوعيين، ثم عضواً بـ(الحزب الشيوعي)، وأضاف بأن الانتماء السياسي بالسودان تغير عن ما كان عليه في الأربعينيات، والتي كانت تتحكم فيه طوائف محددة ممثلة في الأنصار والختمية، لتأتي مرحلة التعليم بالسودان ويتغير الفكر، إلى الأفضل إلى إن ظهرت جماعة الإخوان. وعنها ويقول: حين وصلت جماعة الأخوان المسلمين، كان من مؤسسيها بالسودان عموماً خالي شقيق أمي “عبد الرحمن عمران”.
ويضيف: في الماضي كانت عقبة النشأة، وما عليه الأسرة كان سمة بارزة، وأكبر دليل هو انشقاق عدد كبير من الشباب الذين كانوا اتحاديين وانضمامهم إلى الحزب (الشيوعي)، وهو ما يؤكد بأن القناعات في تلك الفترة تخطت حدود أن تتبلور بالمنزل، خاصة وأن الساحة السياسة، كانت قد بدأت بالاتساع لأفكار وأحزاب جديدة.
ويبرز “أبو عيسى” حديثه عن أسرته ويقول: بيتنا كلهم ختمية واتحاديون، وكان فيهو خلافة الختمية في عموم الجزيرة، وأهلنا كلهم ختمية بينما كانت تقف على زعامة الأنصار عائلة أخرى مهمة بـ”مدني”، وهي أسرة (نقد الله) الأمير “محمد عبد الرحمن نقد الله” وشقيقه “عبد الله محمد عبد الرحمن” والد القيادية بحزب الأمة “سارة نقد الله”.
الجيل الناشئ
الانتماء السياسي بات يفرض الكثير من الجدل، ولكنه يعكس في ذات الوقت الديمقراطية المتبعة داخل الأسر السودانية، رغم أن غالبية شباب الجيل الناشئ حديثاً بعيد عن النشاط والتحزب. ولكن الخبير السياسي “د. صلاح الدومة” يعتبر أن أمر الاختيار الفكر السياسي في السودان يحمل طابع (المصلحة)، حيث ينظر الشخص أولاً لمدى الاستفادة التي سيجنيها من حزبه وبعد ذلك القناعة بالأيدلوجية الفكرية، للرؤية السياسية للحزب الذي ينتمي له، ومن ثم قناعة بالبرامج والأهداف، مشيراً إلى أن السياسة تعد الشيء الوحيد الذي لا تستطيع أن تجبر شخصاً على انتهاج طريق فكر محدد فيه، وإنما لقناعات في نفس الأشخاص.
بينما يرى نائب رئيس الحزب الأمة اللواء (م) فضل الله برمة بأن الانتماء يكون لقناعة محددة، ويقول لــ(المجهر) بأن الانتماء ليست له أية صلة بالقرابة، وإنما حرية الرأي والرأي الآخر، وزاد أشقاء بالبيت الواحد ينتهجون أفكاراً مختلفة رغم الدم الواحد الذي يجري في عروقهم.
واستبعد “برمة” قصة تأثير الاختيار بالجانب العاطفي، وقال مستهجناً: “ما فيها حاجة اسمها عاطفية في السودان المسألة قناعة فكرية فقط”.
فيما يرى أستاذ علم الاجتماع “د. عبد الرحيم بلال” بأن القناعات السياسية في السودان لها مرحلتان، ويقول لــ(المجهر) بأن المرحلة الأولى هي التأثر بمحيط الأسرة والنشأة على فكرها العام، حيث إن الأسر في السودان لديها مناهج ثابتة إما (ختمية) أو (أنصار). وهي ما كانت تبني عليها القناعات حتى الخمسينيات قبل أن يتغير الوضع في الستينيات حينما ظهرت الأحزاب العقائدية، والتي جذبت الكثير من الشباب. وأضاف بأن المرحلة الثانية هي مرحلة تكوين قناعات فكرية مستقلة فردية. وهي تحدث في فترة الشباب.
ويرى “د. عبد الرحيم” بأن الجيل الناشئ حالياً أغلبه بعيد عن السياسة، بينما فيهم جزء يتعاطها، خاصة أفكار الأحزاب العقائدية.
أشقاء متصالحون
وغير الأشقاء الذين ينشأون في كنف الخصومة السياسية، برز عدد من الأشقاء الذين يلعبون أدواراً مختلفة، في الحياة السياسية حالياً، ومن مواقع مؤثرة، سواء في الحكم أو المعارضة، منهم على سبيل المثال، أبناء رئيس حزب (الأمة القومي) “الصادق المهدي” منهم “مريم” و”رباح”، والأمين العام لحزب (الاتحادي المسجل) “جلال الدقير” وشقيقه “محمد يوسف الدقير”. وأبناء رئيس حزب (الاتحادي الأصل) ويبرز أيضاً مساعد رئيس الجمهورية الأسبق، ونجل زعيم الطائفة الختمية “جعفر الميرغني” وشقيقه “محمد الحسن”، الذي يشغل منصب مساعد الرئيس الحالي.