فتح الحدود بين السودان ودولة الجنوب من يجني الثمار؟
“جوبا” تستبشر بالقرار والجنيه الجنوبي ينتعش مقابل نظيره السوداني
أكثر من (150) سلعة ستنساب إلى الجنوب وتوقعات بأن يحقق السودان (1.5) مليار دولار في العام
الخرطوم: سيف جامع
استفادت دولة الجنوب سريعاً من قرار السودان فتح حدوده المغلقة قبل أكثر من خمس سنوات على خلفية توتر العلاقات مع البلدين، وانتعش الجنيه الجنوبي مقابل الجنيه السوداني (أمس) بنسبة طفيفة، حيث إن سعر صرف الجنيه السوداني يقدر بجنيهين مقابل الجنيه الجنوبي في نقاط العبور، لكن بحسب سماسرة عملات (أمس) فإن هنالك انتعاشاً في العملة الجنوبية تزامناً مع القرار، ولعل الحالة الاقتصادية المشابهة في دولتي السودان وجنوب السودان قد أدت بالتعجيل بفتح حدود البلدين بعد إغلاق أحادي الجانب من الحكومة السودانية، ويأتي هذا القرار الذي أصدره رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير”، في أعقاب الخطوة غير المتوقعة وأحادية الجانب، حينما أعلن رئيس جنوب السودان “سلفا كير ميارديت” تطبيع العلاقات مع السودان بعد موافقة “البشير” الأسبوع الماضي على خفض رسوم عبور نفط الجنوب في أراضي السودان عبر خط أنابيب إلى البحر الأحمر في ظل انخفاض أسعار النفط عالمياً.
وواجه الجنوب أزمة اقتصادية طاحنة بسبب الحرب الدائرة هنالك بقيادة “ريك مشار”، بالإضافة لانخفاض أسعار النفط عالمياً، التي أدت إلى توقف الإنتاج في الحقول بالمنطقة الشرقية.
وفي خطوات عملية قد وجه (البشير) “الجهات المختصة باتخاذ كافة التدابير لتنفيذ قرار فتح الحدود مع جنوب السودان على أرض الواقع”.
بينما سبقه “سلفاكير” بقرار سحب جميع القوات العسكرية التابعة لبلاده، من الحدود معها، لمسافة (5) أميال جنوباً، وفقاً لحدود عام 1956، وتفعيل جميع اللجان المشتركة التي تم تشكيلها بعد انفصال عن السودان في 2011، وتتمركز القوات الجنوبية في منطقة جودة الفخار السودانية المتنازع عليها، فيما توجد قوات أخرى في الشريط الصفري في قاعدة (وانطو).
بشريات كبيرة وآمال عراض حملها قرار “البشير” بفتح الحدود، حيث يتوقع أن تستفيد الولايات الحدودية المتاخمة وهي جنوب وشرق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق فضلاً عن الجنوبية وهي، أعالي النيل، والوحدة، وغرب بحر الغزال، وشمال بحر الغزال، وواراب.
ورغم الإجراءات المشددة التي تقوم بها الحكومة السودانية في حدودها مع دولة الجنوب في عدة مناطق في الشريط الحدودي، إلا أن تسلل الحدود بات يشكل إزعاجاً شديداً خاصة بعد دخول قوات العدل والمساواة بقيادة “جبريل إبراهيم” إلى دولة الجنوب واتخاذه نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات عسكرية.
وكانت السلطات السودانية قد وجهت بإغلاق الحدود المشتركة مع جنوب السودان، في أعقاب انفصال الأخيرة وتدهور العلاقات عام 2011، وتسبب ذلك في استقطاع ثلاثة أرباع إنتاج السودان من النفط، أي ما يقدر بخمسة مليارات برميل من الاحتياطي، وفقاً لإحصائيات مراقبين.
واشترطت السودان لفتح حدودها مع الجنوب، بأن تقوم “جوبا”، بطرد متمردي الحركة الشعبية، الذين تقول “الخرطوم” إن حكومة جنوب السودان تأويهم لمحاربة الحكومة السودانية.
وفي المناطق الحدودية التي ترتبط مع دولة الجنوب في الخط الحدودي البالغ ألفين ومائة وخمسة وسبعين كيلومتراً (2,175 كلم)، رحب التجار هنالك بالقرار واعتبروا أن من شأنه أن يؤدي إلى انتعاش الحركة التجارية بين البلدين. وقال التاجر (حسام سمير) من مدينة “الجبلين” إن دولة الجنوب ستستفيد كثيراً من التبادل التجاري مع السودان، متوقعاً أن تستأنف حركة المواصلات البرية من النيل الأبيض في مدينتي ربك والجبلين.
ويقول الخبير الاقتصادي دكتور “عادل عبد العزيز” إن القرار إيجابي ويصب في مصلحة الاقتصاد في البلدين، وأضاف “تعبير فتح الحدود حتى لا يفهم خطأ مقصود به التبادل التجاري بين البلدين وفقاً للحدود الدولية المعروفة، مؤكداً أن الجنوب يحتاج للكثير من السلع من السودان ابتداءً من السلع الغذائية من الذرة والدخن والملح إلى الأجهزة الكهربائية والمتحركات وغيرها من سلع التبادل التجاري، ودعا عبد العزيز بضرورة أن يتم التبادل التجاري من خلال صورتين، الأولى في إطار التجارة الحدودية وهذه تكون في حدود مبلغ محدد للسلع التي يتم إنتاجها بواسطة السكان والقبائل على جانب الحدود، والنوع الثاني هي السلع الدولارية التي يجب أن تتم في إطار التجارة الدولية المعروفة عبر النظام المصرفي في البلدين.
ووفقاً لمؤشرات اقتصادية فإن دولة الجنوب تعتمد على أكثر من (150) سلعة من السودان، وظلت هنالك حركة تهريب كبيرة لهذه السلع إلى الجنوب عبر البر باستخدام السيارات والدواب، واتخذت الحكومة إجراءات صادرت بها سيارات بعض المواطنين وحكم على آخرين بالسجن، ويتوقع الخبير الاقتصادي “عادل عبد العزيز” أن يبلغ حجم التجارة البينية مع دولة الجنوب ما لا يقل عن (1.5) مليار دولار فى العام، وذلك بحكم الكثافة السكانية الكبيرة للمقاطعات الحدودية الجنوبية المقابلة للولايات السودانية، ويذكر “عادل عبد العزيز” أن تفعيل التجارة الحدودية جزء من اتفاقيات التعاون الشامل التي وقعت بين البلدين في 2013 ولا شك أن البداية والأولوية ستكون للتجارة وتبادل المنافع،
ويبدو أن جوبا تعاني من انخفاض أسعار النفط عالمياً بحيث انخفض سعر البرميل إلى أقل من (40) دولاراً وسط مخاوف من تهاوي الذهب الأسود إلى مستويات تاريخية، ورحب أمس (الخميس) المتحدث باسم حكومة جنوب السودان، “مايكل ماكي لويث”، بقرار الشمال بفتح الحدود معها، وقال “إنها خطوة إيجابية في الطريق الصحيح لأن هذا ما سيقود إلى تطبيع العلاقات مع السودان”، معتبراً أن هذه الخطوة ستعزز الروابط الاقتصادية بين البلدين.
كما رحبت بعثة جنوب السودان عبر سفارتها بـ”الخرطوم” بقرار الرئيس “البشير” بفتح الحدود بين السودان وجنوب السودان، مشيرة إلى المدلولات والأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية الإيجابية الكبيرة للقرار.
وقال السفير “ميان دوت” رئيس البعثة في بيان صحفي (أمس) إن إعلان الرئيس “البشير” فتح الحدود بين “الخرطوم” و”جوبا” من شأنه الإسراع في تنفيذ اتفاقيات القضايا العالقة مثل حل قضية “أبيي” وترسيم الحدود وتحديد الخط الصفري بين الدولتين، بجانب إعفاء الديون، مشيراً إلى أن فتح المعابر العشرة سيعمل على انسياب البضائع والتبادل التجاري وإنعاش الأوضاع الاقتصادية بالدولتين.
وأكد “ميان” أن الحدود والقوافل والأطواف التجارية ستكون مؤمنة بين الطرفين نسبة لوجود الشرطة والمواصفات والمقاييس وشرطة وأمن الحدود بالمعابر الحدودية، وزاد قائلاً إن إعلان فتح الحدود قرار تاريخي سيعمل على تطبيع العلاقات بين الطرفين وزرع الثقة بين الخرطوم وجوبا).
ويرى مراقبون أن فتح الحدود واستئناف التعاون الاقتصادي بين الدولتين، يحقق مكاسب اقتصادية لا غنى عنها لأي من الطرفين، ويشيرون إلى أن أهم الضرورات التي تستوجب التعاون الاقتصادي بين الطرفين بعد الانفصال، تحقيق معدلات نمو تضمن تحسن المستوى المعيشي المتدهور، فضلاً عن اعتماد الجنوب على السلع الاستهلاكية السودانية، والتي تعتبر جزءاً من ثقافته الاستهلاكية.
كما أن هنالك عوامل قد تساعد في تحقيق التعاون الاقتصادي والتبـادل التجاري بين الدولتين، مثل الجوار الجغرافي الذي يعتبر نقطة قوة للتعاون الاقتصادي بعد الانفصال، حيث تتوفر وسائل النقل التي تربط بين الدولتين سواء كانت برية أو نهرية أو جوية مما يعني سهولة الاتصال مما يسهل التجارة البينية وتبادل السلع والخدمات بين الدولتين.
واشتهرت مناطق حدودية بين البلدين بالنشاط التجاري مثل “كاكا الحدودية وبوط والجبلين وجود العدل والقيقرر وقوز فامي ومنطقة (14) ميل في بحر العرب”، فضلاً عن المدن الجنوبية التي تصلها السلع السودانية مثل “بانتيو، الرنك وراجا”.