تقارير

ماذا وراء تشديد أمريكا إجراءات السفر وتحذير رعاياها من الذهاب للسودان

هل هي محاولة لتمديد المقاطعة أم خوف من تسرب (داعش)؟
الخرطوم ــ محمد جمال قندول
“واشنطن” تحذر رعاياها من السفر إلى السودان تفادياً لخطر الإرهاب من الجماعات المتطرفة المتواجدة هنالك .. هكذا كان نص الخبر، الذي سيطر على معظم صحف الخرطوم صباح أمس (السبت). وبالنظر إلى العلاقات المتردية، أصلاً، بين “الخرطوم” و”واشنطن”، فإن فحوى الخبر تكرر في أكثر  من مناسبة، ولكن هذه المرة اختلف الأمر، حيث أن  الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب تحذير رعاياها من السفر إلى السودان، اتجهت نحو   التشدد في  إجراءات منح التأشيرة لأشخاص زاروا دولاً تصفها الحكومة الأمريكية بمعاقل الإرهاب، أو من يحملون أكثر من جنسية من ضمنها هذه الدول،  والتي تأتي في مقدمتها السودان وإيران وسوريا والعراق. الإجراء الجديد يكشف عن نفس التوجهات التي ظلت تحكم علاقة واشنطن مع السودان،  وعدم  رغبتها في التطبيع، وإنهاء الحصار الذي تفرضه على السودان، رغم التفاؤل الحذر، الذي ظل يبديه  بعض  المسؤولين بالخرطوم، بشأن الحوار مع واشنطن ، وإمكانية إيجاد وسائل للتطبيع معها .
عاصفة الحزم
وعلى الرغم من التفاؤل  الذي ساد مؤخراً على خلفية انفراج العلاقات السودانية بالإقليم الخارجي خاصة، على المحور الخليجي،عبر مشاركة الخرطوم الفاعلة في عاصفة الحزم، مما شكل انفتاحاً للعلاقات غير مسبوق مع المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف  العسكري باليمن،  بجانب العلاقات التي باتت أكثر حيوية مع الإمارات وقطر وعدد كبير من الدول العربية والأوربية، بفضل الجهود المبذولة من الخارجية السودانية والتي يقف على رأسها البروفيسور “إبراهيم غندور”، وفي إطار  تلك السياسات  قطع السودان علاقاته مع إيران، وسحب أعضاء السفارة السودانية بجانب مغادرة  طاقم  السفارة الإيرانية، على خلفية اعتداءات تعرضت لها سفارة المملكة العربية السعودية بطهران، وقد بدا هذا التطور بمثابة بوابة انفراج أكبر في  علاقات السودان الخليجية خاصة والعربية بشكل عام. وفي ظل هذا الحراك استضافت الخرطوم عدداً كبيراً من المسؤولين الأمريكيين، الذين زاروا البلاد  في الآونة الأخيرة، أجروا لقاءات مع المسؤولين. وقد تمت اتصالات أخرى بين الجانبين، في مستويات مختلفة، أبرزها اللقاء الذي تم بين “غندور”والرئيس الأمريكي “باراك أوباما”،  بالعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا”، بجانب المهاتفات واللقاءات التي تمت بين “كيري” وزير الخارجية الأمريكي، ونظيره السوداني “غندور”، وزيارة بعض أعضاء الكونغرس للسودان  الشهر الماضي، والتي تلتها زيارات لوفود غير رسمية لواشنطن. ووسط كل هذه المعطيات، التي تعبر عن تقدم على طريق الحوار بين الخرطوم وواشنطن، في اتجاه التطبيع، اتخذت الولايات المتحدة هذا القرار الذي يعد انتكاسة لشعلة الأمل التي بدأت تضيء في نهاية نفق العلاقات بين البلدين.
تسرب (داعش)
البروفيسور “حسن الساعوري” الخبير السياسي، يرى بأن خطوة الولايات المتحدة الأمريكية تندرج تحت بند الخوف من تسرب(داعش)، خاصة عقب إعلان الخرطوم عن تدريب فرقة من قوات الدعم السريع لمنع تسرب (داعش)، من الحدود الغربية،  مما يعني أن خوف السودان من التسرب قد فهم لدى أمريكا، وعدد من الدول،  على  أنه فعلياً قد  تسربت (داعش) إلى داخل البلاد،  مما حدا بأمريكا أن تحذر  رعاياها  من خطر الإرهاب .
واعتبر “الساعوري” بأن قراءته هي الأقرب للواقع، وأن قراءة أخرى تعد إخراجها مجافياً للواقع، مؤكداً ومكرراً،  بأن أمريكا تريد أن تكون يقظة وتتوقى من أي إجراء احترازي تتخذه الخرطوم .
العصا والجزرة
في وقت يرى فيه الخبير السياسي د.”صلاح الدومة”، بأن أمريكا لا تزال تتعامل مع  الخرطوم بسياسة العصا والجزرة . ويزيد د.”صلاح” قائلاً: سياسة أمريكا هي بمثل سياسة التعامل مع حيوان الأرنب، والذي يقدم له الجزر أم العصا.
وأضاف  خلال  حديثه، بأن تحذير واشنطن لرعاياها من  السفر إلى الخرط، يندرج تحت بند (العصا) بمعنى أنها قدمت طلبات للخرطوم داخل الأبواب المغلقة، ولكن حكومتنا لم تستجب لها.
ويصف د.”الدومة” سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في عهد “باراك أوباما” مع الخرطوم، بالأكثر وضوحاً، إذا ما قورنت بالحكومات المتعاقبة، السابقة عليها حيث أن “أوباما” أدخل  (3) بنود في سياستها مع الخرطوم للتطبيع، أبرزها محور الحريات وحقوق الإنسان، بجانب حل مشكلة دارفور والمنطقتين، ومحاربة الإرهاب. ولكن بالمقابل فإن الحكومة قد تعنتت في إيجاد الحلول مما جعل سياسة أمريكا لم تبارح مكانها.
تعامل ضبابي
وحسب خبراء، فإن خطوة أمريكا الأخيرة كانت بمثابة التأكيد على أن العلاقات معها لم ولن تصل إلى تطبيع في ظل الضبابية، التي تتعامل بها أمريكا وسياسة النفس الطويل لها مع الخرطوم،  مما يجعل أي فرصة لتحسين العلاقات ستبقى رهن  رحمة الوقت الطويل للدراسة وتبادل الثقة حتى تأتي حكومة أخرى، لتنسف ما بدأ مع  سابقتها.
بينما يرى خبراء، كذلك  بأن واحدة من أهم محاور تحسين العلاقات مع أمريكا وبالتالي رفع العقوبات،  هي أن تطبع الخرطوم مع إسرائيل، وهو ما حدا بعدد من المسؤولين بالخرطوم للمجاهرة بدراسة التطبيع مع إسرائيل،  آخرها حديث وزير الخارجية “إبراهيم غندور”،  في واحدة من الندوات، بتأكيده  على دراسة الأمر. ولم يكن حديث الوزير الأول ولا الأخير، حيث صرح وجاهر من قبل والي القضارف المثير للجدل “كرم الله عباس”، على ضرورة التطبيع مع إسرائيل.
ويبرر الخبراء بأن علاقات السودان الأخيرة مع الخليج، لعبت دوراً كبيراً في تحسين أو فتح جبهة للتحاور مع بعض المسؤولين الأمريكيين. ولكن القوى الصهيونية داخل الكونغرس، هي التي لا تزال تعوق أي خطوة لتطوير العلاقات ما بين الدولتين.
قوى داخل الكونغرس
في وقت يقول فيه القيادي بالمؤتمر الوطني د. “قطبي المهدي”،  بأن القرار الأخير من الولايات المتحدة هو بمثابة تحرك من أعداء السودان داخل الكونغرس، وهم الذين اتخذوا القرار وتمت إجازته من القيادة الأمريكية،  وهو ما يعني بأن هنالك قوى كبيرة داخل الكونغرس تعوق تقدم العلاقات وتعمل على هدم أي فرصة للتحاور مع القيادة الأمريكية حول التطبيع.
وأضاف خلال حديثه لـ(المجهر)، أن التحذير الأمريكي امتد ليشمل حتى المواطنين غير الأمريكيين من الدخول إلى الولايات المتحدة، في حال زيارتهم  السودان أو دول الإرهاب، كما يصفون. وأشار “قطبي” إلى أنها محاولة لتمديد المقاطعة مع السودان. 
ويرى “قطبي” بأن الأمل ضعيف في التطبيع مع أمريكا، في ظل النفوذ القوي لقوى داخل الكونغرس تعرقل هذه المسألة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية