الديوان

العشرة من بسطة في ضل الخواجة إلى سوق شعبي..

حكاية حريق طاحونة اليوناني “مقار” وقصص “حواء الكتيابية”…
المجهر – ميعاد مبارك
سوق شعبي عتيق جدران محلاته تحكي قصص مثيرة دارت بها رحلة الزمن، شخوص أفنوا زهرة العمر يقلبون فصول التجارة بين جنبات السوق الذي يعد ثاني أقدم أسواق الخرطوم… تكاثروا بعد أن كانوا نفراً قليلاً من باعة البسطة الجالسين في ظل طاحونة الخواجة اليوناني (مقار)، امتد السوق وانبسطت مساحته ومن ثم ضاقت، شكل مركزاً تجارياً في فترة من الفترات فكان ثاني أكبر سوق في الخرطوم، (المجهر) زارت سوق العشرة الواقع مابين (حي العشرة) و(حي النزهة) على مقربة من السوق الشعبي الخرطوم.. وكانت لنا هذه الجولة التي كللها الود والترحاب الذي غمرتنا به أسرة السوق فإلى التفاصيل…
سوق شامل
تطوع الجزار الشاب “بشير عبد اللطيف” وجال بنا معرفاً بالسوق معدداً ما فيه (السوق مكون من سوق محاصيل مطاحن ومحلات لسحن البهارات، سوق طيور، سوق خضار، وجزارات، كما تشغل الثمار الجافة والمنتجات الشعبية حيزاً واسعاً، بالإضافة لأصحاب المهن الذين فصلوا ملامح المكان من ترزية وكهربجية، حلاقين وحدادين، مطاعم وستات شاي، عطارين، ومحل غاز وغيرها).

رواكيب وطواحين
بدأنا من حيث جزارة “عم عبد اللطيف” حدثنا هناك “الصادق حسب الرسول” قائلاً (سوق العشرة من الأسواق المعروفة في الخرطوم، كان السوق الثاني بعد سوق الزنك سابقاً (واحة الخرطوم) حالياً، وهو سوق شعبي معروف له شعبيته في (الصحافات) و(الامتدادات) و(الديم)، وكانت بدايته (رواكيب وطواحين)، واصل الحكي عن السوق زميله الجزار “عبد اللطيف محمد صالح” (في العام 1955 كان سوقاً بدائياً واسمه حينها (سوق مقار).. وهذا اسم الخواجة اليوناني صاحب الطاحونة وليومنا هذا طاحونته موجودة)، وأضاف “أحمد شيخ إدريس مناع” المسؤول عن المنطقة في الثمانينيات هو الذي وضع حجر الأساس في العام 1982 لسوق العشرة بمسماه الحالي وبتخطيط جديد لأنه كان أول عهده (رواكيب) و(أكشاك)، وبالرغم من ذلك كان ثاني أكبر سوق بعد الزنك).

العهد الذهبي للجزارات
واصل “عبد اللطيف” حديثه قائلاً: (نحن نعمل في هذه الجزارة قرابة العشرين عاماً وهي لعمنا “بابكر إسماعيل” وأخونا “سراج”، منذ تأسيس السوق الجديد عام 82 بدأ العهد الذهبي للجزارات، حوالى 48 جزارة كلها كانت بتشتغل، وكان يتوافد على السوق سكان (منطقة العشش) المتاخمة للسوق، وكذلك الزبائن من المناطق البعيدة بالذات يومي (الخميس) و(الجمعة)، وكانت تباع فيه الكثير من البضائع الشعبية).
ذكريات البرندات القديمة
“إسحاق” تاجر الدواجن عاد بنا إلى بداياته في السوق قائلاً (تقريباً أتيت إلى السوق منذ العام  1983أنا زمن جيت السوق القديم كانت في البرندات القديمة كنت صغيراً في السن، وكانت “زينب” و”حواء” يبعن الحمام والبيض، بينما يبيع “عبد الحميد” الدجاج وذلك جوار طاحونة الخواجة (مقار) وبنبيع في الملجة الفاضية، وبالمساء بنمشي فريق (برقو) ما كان عندنا (راكوبة) نختو فيها، وكنا بنبيع في السوق الشعبي الخرطوم الذي كان سوقاً لسفريات (المناقل والحصاحيصا والدويم).
حواء الكتيابية
أخبرنا بائع الطيور “إسحاق” أن الخالة “حواء” التي تمثل نساء الرعيل الأول في السوق موجودة فذهبنا إليها، وجدناها مع رفيقاتها في إحدى البرندات، يجلسن على (البنابر) وهن منهمكات في غسل بعض العلب الفارغة وقناني الزجاج، رحبت بنا وابتدرت معرفة باسمها الكامل (اسمي “حواء عبد الرحيم خلف الله علي الكتيابية” قعدنا في ضل الخواجة وفي فسحة ملجة والامتداد زمن، بعدها “نميري” ودانا “الزنك”، وكنت ببيع (حمام وطلح وشاف ومقاشيش، وحسع ذي ما شايفة كرور وبرطمانيات وعلب والعندو مناسبة بجي يشتري مننا).
وأكملت (زمن “عبد الحميد” وولدو “إسحاق” بعنا توابل ولما شالوا العشش فضينا بضاعتنا من الزعل في الخور ومشينا. واصلت متحسرة (زمان كان كويس وأي زول كان بسترزق، أتنقلت من بضاعة لبضاعة فرشت طباقة وسمك ناشف زمن الطرابيز والجزارة، أما الآن قاعدين على باب الله أحسن من ما نقعد ونتكسر في البيت)، وبدأت تعدد رفيقات الدرب اللاتي غيبهن الموت (طيبة زين الله وفاطمة الرزيقية، أما قبل 85 حاجة حرة من فريق برقو وزينب شاويش ورابحة بنت مكي وأم عبد الله وبخيتة، حجة زينة وعشة أم حنون ومحمد).
حريق طاحونة الخواجة
واصلت “حواء الكتيابية” اجترار الذكريات قائلة (كنا بنشري الطلح والشاف بـ5 قروش ونبيعه بعشرة ونلقى 5 قروش نحمد الله ونشكره)، وكنا من الناس الفي السوق قدام جنب الخواجة مقار)، وأخذت تتذكر معنا أيام طاحونة الخواجة اليوناني “مقار” قائلة: (كانت زمان طاحونة حجر وحصل حريق كبير يومها مقار ضبح تورين ومشى بورتسودان جاب الصبابات).
جارتها الحاجة “كلتوم سليمان إبراهيم” أوضحت أن بداياتها كانت متأخرة بالنسبة لبدايات “حواء الكتيابية”، وأضافت (بديت سنة كم وستين في الفسحة الجنب (مقار)، بعدها نقلوا السوق للامتداد بالتحديد جنب مدرسة الامتداد سنة 79 جابوه راجع).

الطواحين تثبت وجودها
“اليسع بابكر أحمد” بدأ عمله في السوق منذ العام 2001، قال ضاحكاً: (جايين جداد في السوق، بنطحن دقيق طابت وقمح ودخن وعكر وفتريتة، وبالرغم من دخول الدقيق الجاهز السوق، إلا أن الناس لازالوا يأتون للطحن في الطواحين العادية وأغلب زبائني من العشرة وما حولها والجريف).
أنواع الثمار الجافة
“عبد الله حارن” بائع محاصيل – بدأ مزاولة مهنة التجارة في سوق العشرة منذ العام 2004م، يستجلب الحبوب والثمار الجافة التي يبيعها حسب ما قال من مختلف الولايات، العيوش  من “القضارف”، “الجزيرة”، الفول السوداني واللوبا العدسي والكبكبي والبلح بأنواعه من الشمالية، ومن غرب السودان (النبك واللالوب والقونقليز والكركدي)، والتي وصفها بأنها من أجود أنواع الثمار الجافة على مستوى السودان.

التوابل وبهارات مسحونة
سحانة “أولاد بلال” واحدة من أهم المعالم التي تميز سوق العشرة وتجلب له الزبائن الذين لازالوا يحتفظون بصورة السحانة القديمة والنسوة اللائي يقمن على تنظيف التوابل جلوساً أمامها في صورة جميلة تحكي ملامح أحد معالم السوق التي حولته عجلة الزمن إلى بقالة كبيرة، تبيع بالإضافة للبهارات المسحونة الكثير من البضائع، حدثنا هناك أولاد بلال “شهاب” و”صابر” قائلان (أولاد بلال من أقدم المحال التجارية بدأت بالتوابل ومع تغيير الأوضاع أدخلنا جزءاً من المحاصيل والمواد الغذائية).
أنهينا جولتنا في السوق العتيق وسط إصرار كبير من أهل السوق الذين أصروا على أن نتناول وجبة الغداء معهم، ولم يخلوا سبيلنا إلا ونحن محملون بمجموعة من الثمار الجافة اللذيذة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية