فرقاء حزب الأمة و(26 يناير).. من يحسم معركة رمزية (بيت المهدي)؟؟
الخرطوم. عقيل أحمد ناعم
(26 يناير) موعد رغم تاريخيته، إلا أنه هذا العام أصبح محل تسابق للتوسل به لجعله رمزية لطموحات وأهداف فرقاء حزب الأمة الأبرز، مؤسسات الحزب التي يقودها الإمام “الصادق المهدي”، ومجموعة ابن عمه “مبارك الفاضل” التي لا تعترف بهذه المؤسسات. بالأمس (الأربعاء) عقدت مؤسسات الحزب مؤتمراً صحفياً خصصته لإعلان تدشين حملة جديدة من حملات المعارضة اختار لها الحزب هذه المرة مسمى (هنا الشعب) وجعلت لها هدفاً كسابقاتها من الحملات هو (عزل النظام)، ولم يخل المؤتمر من الضرب تحت الحزام للخصم الداخلي الأبرز “مبارك”- دون تسميته- لمنع استخدامه لرمزية (26 يناير) برمزية بيت “المهدي” الذي أعلن “مبارك” ومجموعته عن اتخاذه محتضناً لفعالية (مؤتمر توحيد وجمع شمل الحزب)، متزامناً مع ذكرى فتح الخرطوم، لتتداخل قضايا وخلافات الحزب الداخلية مع اجتراره ذات تجاربه المعارضة التي لم تنجح في تحقيق هدف إسقاط النظام ولا حتى حشد الشعب وراء حملات المعارضة منذ حملة (ارحل).
{ حملة جديدة
درج حزب الأمة على اغتنام المناسبات التاريخية لاتخاذها منصة لتسويق أهدافه وسياساته خاصة تلك المتعلقة بالرغبة في إسقاط النظام، وعدّ الحزب في بيان تم توزيعه على الصحفيين في دار الأمة احتفال هذا العام له معانٍ ودلالات وإشارات مقصودة لذاتها، فنادى البيان وأهاب بجماهير الحزب كافة والشعب السوداني للاحتشاد في دار الأمة في 26 يناير في تدشين الحملة الجديدة (حملة هنا الشعب) التي سيخاطبها رئيس الحزب وإمام الأنصار “الصادق المهدي”، التي يعول عليها الحزب ضمن سلسلة الحملات التعبوية في اتجاه (عزل النظام، ودعم السلام العادل والتحول الديمقراطي، وإحداث الفعل النضالي التراكمي في طريق الانتفاضة الشعبية)، وقد منح البيان شرف إطلاق الحملة لرئيس الحزب “الصادق المهدي” لتتبناها من بعده قوى (نداء السودان) في “البيان السياسي” الصادر في باريس نوفمبر 2015م، على أن تنتظم كل الولايات والمحليات في تجمعات سلمية يراد لها- حسب البيان- أن تعكس إرادة الشعب السوداني في التغيير، لكن لن يفوت على المتتبع والمراقب لمسار حزب الأمة وفعله المعارض خلال المرحلة الماضية أنه وبقية قوى المعارضة أطلقوا من قبل حملة مشابهة هي حملة (ارحل) أرادت لها قوى المعارضة أن تحشد جموع الشعب في اتجاه إسقاط النظام وعزله، لكنها لم تحقق أي نجاح يذكر لدرجة أن الفعالية الرئيسية للحملة بدار الأمة شهدت حضوراً أحرج قادة المعارضة أنفسهم، إذ لم يتجاوز مائتي شخص، لكن ربما يرى الحزب أن الأجواء السياسية الداخلية والخارجية الآن تختلف عن تلك التي تزامنت مع حملة (ارحل)، إلا أن بعض كوادر الأمة الناقمين على طريقة إدارة “المهدي” للحزب وصفوا الحزب بأنه تحول إلى حزب شعارات دون أن تكون له المقدرة على تنزيلها إلى أرض الواقع بداية من حملة (ارحل) ودعوات الانتفاضة الشعبية المتكررة والاعتصامات في كل مدن السودان دون أن يكون لها أثر على الأرض.
{ معركة (بيت المهدي)
يبدو أنه الوصف الأنسب لما ينتويه فصيلا حزب الأمة خلال هذا التاريخ، فقبل نهاية العام الماضي أعلن “مبارك الفاضل” الذي يقود مجموعة مقدرة من كوادر وقيادات وقواعد الحزب عن عقد مؤتمر جامع معني بتوحيد حزب الأمة ولمّ شمله في ذكرى تحرير الخرطوم (26 يناير) واختار له مكاناً رمزياً للانعقاد هو بيت “المهدي” بأم درمان، ومعلومة رمزية بيت “المهدي” لدى قواعد الحزب وكيان الأنصار، مستصحباً أيضاً رمزية أحفاد “المهدي” باختياره “الفاضل” نجل الإمام “أحمد المهدي” رئيساً لهيئة توحيد الحزب، ولمعرفة الطرف الآخر الذي يضم رئيس الحزب ومؤسساته بهذه الرمزيات وجه سهامه لضرب هذه الرمزية ومنع مجموعة “مبارك” من استخدامها لصالحها، وهذا ما تبدى جلياً في تصريحات نائب رئيس الحزب اللواء (م) “فضل الله برمة ناصر” خلال المؤتمر الصحفي، التي بدأ فيها بنزع عضوية الحزب عن بعض آل “المهدي”- دون أن يسمي “مبارك” وابن عمه “الفاضل”- عاداً إياهم يستندون إلى تاريخ آبائهم قائلاً: (جاء أناس ليسوا أعضاء في الحزب فقط يستندون لتاريخ آبائهم)، وأضاف مؤكداً: (نرفض أن يتحدث باسم حزب الأمة أي شخص لا ينتمي للحزب المؤسس على دستور مسجل)، وأعلن عزم الحزب منع أي حديث باسمه من خارج المؤسسة، وقال: (أما من أراد الدعوة لحزب آخر باسم يختاره فهو حر)، ومضى “برمة” لأبعد من هذا بالتلويح بسيف مسجل الأحزاب الذي طالبه بالتدخل لحماية ما سماها “المؤسسات القانونية” من الذين وصفهم بـ”المتطفلين”. وانتقل بعدها برمة” للنقطة الأكثر حساسية المتعلقة بمقر بيت “المهدي” الذي أعلن “مبارك” عن اتخاذه مقراً لعقد مؤتمر توحيد الحزب، فلفت “برمة” إلى الاتجاه لتسجيل (مجمع بيت المهدي) وقفاً للأنصار، لكنه أشار إلى أنه حتى حين اتخاذ هذا الإجراء فإن المجمع مسجل باسم ورثة الإمام “عبد الرحمن المهدي”، وتأتي لحظة محاولة توجيه الضربة لمساعي “مبارك” بتأكيد أن أغلبية الورثة يرفضون استخدام بيت “المهدي” لعقد اجتماعات وصفوها بـ”الضرار الحزبي” وأنهم يمنعون استخدامه لأي نشاط لا يُجمع عليه الورثة. لكن “برمة” اتخذ في سبيل حسم هذه المعركة مع “مبارك” مساراً قد يكون غير متوقع باستنصاره بخصوم حزبه الخارجيين ضد الخصوم الداخليين الذين وصف ما يسعون إليه بأنه “مشاغبات طفولة سياسية”، فقد طالب (اللواء) سلطات الأمن التي يناصبها حزبه العداء بالتدخل بقوله: “يجب على المسؤولين في أمن العاصمة حماية الأمن من مشاغبات الطفولة السياسية”.
{ دعوة خاصة لـ”البشير”
لم يكن ممكناً أن ينقضي منشط لحزب الأمة دون الحديث عن الحوار ورؤية الحزب الخاصة حول ما يسميه (الحوار المنتج الجاد)، وبالفعل فقد أمّن اللواء “برمة” على عقد الملتقى التحضيري الذي ينعقد خارج البلاد، مطالباً بأن تشمل الدعوة إليه كل ممثلي النظام وحلفائه، وكل ممثلي الرأي الآخر، لكنه شدد على ألا يزيد تمثيل الطرفين عن (10) ممثلين لكل طرف.
لكنه أشار إلى أنه حوار تحضيري، لافتاً إلى أن الحوار الجوهري يعقد داخل السودان، وتشمل أجندته العدالة الانتقالية وضمانات التنفيذ، وقال: (إذا نجحت هذه الخطى فهذا ما ينتظره الشعب السوداني في كل مكان)، وأوضح “برمة” أن بإمكان الرئيس “البشير” لعب دور تاريخي باستجابته لمطلوبات الحوار الجاد وتنفيذ مخرجاته، وقال: (يمكن لقائد النظام الحالي تحقيق اختراق تاريخي، وإضافة عمر جديد للديمقراطية والسلام في السودان)، وأضاف: (نحن على يقين أن السودان سيجني من هذا الاتفاق مكاسب أهمها إعفاء الدين العام الخارجي البالغ “48” بليون دولار، ورفع العقوبات الاقتصادية ومقدارها “750” مليون دولار سنوياً، بجانب استئناف الدعم التنموي للبلاد البالغ “350” مليون دولار سنوياً، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب).
لكن بالمقابل حذّر الحكومة من رفض السير في هذا الاتجاه ورسم له سيناريوهين من العواقب بقوله: (إذا أخذت النظام الحاكم العزة بالإثم وفوت هذه الفرصة التاريخية، سيواجه بخطين داخلي وخارج، يتمثل الداخلي في مواصلة حملة “ارحل” بحملة “هنا الشعب”، من أجل انتفاضة شعبية سلمية تحقق أهداف الشعب المشروعة)، وأوضح أن الخط الخارجي يتمثل في جمع الحيثيات وتقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي تحت عنوان (السلام والحكم الديمقراطي في السودان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة).