بكل الوضوح
“هاشم الجاز” فجيعة وطن رحيل عالم عظيم وإنسان نبيل
عامر باشاب
{ اليوم أكتب بقلم مفجوع وموجوع يشتعل حزناً وألماً على رحيل أستاذنا وكبيرنا الدكتور “هاشم محمد محمد صالح الجاز”، الذي فارق دنيانا الفانية صباح (السبت) الماضي بصورة مفاجئة وفاجعة بـ(مطار الدوحة) قبل أن يشير بتلويحة الوداع لأهله وأحبابه وأصدقائه وزملائه وطلابه.
{ حقيقة منذ أن تلقيت وبأسى شديد نبأ رحيل هذا الإنسان النبيل، فصورته بكل وقارها وتوهجها وقامتها وروحه بكل سماحتها ونبلها لم تفارق خيالي لحظة واحدة، وظللت أعيد شريط الذكريات وأسترجع اللحظات الجميلة التي جمعتني بـ”هاشم الجاز” المحاضر المبدع طويل البال الذي كان يدرسنا بحرص شديد مادة (الإذاعة والتلفزيون) بمركز (الرأي العام) لتدريب الإعلاميين الذي أسسه الأستاذ “محجوب عروة”.. ثم تمر أمام عيني الدامعتين مشاهد حفاوة استقباله لي بمكتبه بمجلس الصحافة والمطبوعات عندما ذهبت له وبرفقتي المصور الفنان “محمد تركي” لكي أجري معه مقابلة صحفية لـ(صحيفة الدار) ونشرت فيما بعد بمجلة (المرابط) إحدى إصدارات الشرطة الشعبية.
{ كان هذا أول حوار يجرى معه بعد تقلده لمنصب الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، وبالنسبة لي كان فأل خير، وأذكر حينها أن “الجاز” هذا الرجل العظيم أعطاني ثقته الكاملة.. لم يترفع عليّ كما يفعل دائماً الكثير من أساتذة وخبراء الإعلام عندما يأتي صحفي متدرب لمحاورتهم، تعامل معي كصحفي محترف رغم علمه بأنني ما زلت في بداية الطريق أتحسس الخطى في بلاط صاحبة الجلالة، وبسبب حواري معه بدأ اسمي يظهر باستمرار بـ(الدار واسعة الانتشار).
{ ثم أتتني مشاهد استقباله لنا واهتمامه بنا كصحفيين.. من الوهلة الأولى يخترق قلبك بابتسامته الودودة، يحتويك بحديثه المهذب وبتواضعه وأريحيته واحترامه وتقديره للجميع صغاراً وكباراً.. هكذا كان خلال افتتاحيات الورش والبرامج والدورات التدريبية والتأهيلية التي نشطت في عهده وتوقفت بعد مغادرته مجلس الصحافة.
{ يشهد له تاريخ الصحافة السودانية أنه طيلة فترة تقلده منصب أمين عام مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية عمل جاهداً على تطوير المجلس والطفر بلجانه ورفده بالكفاءات، وعمل مع رفيق عهد العمل والإنجازات البروفيسور “علي شمو” للإعلاء من شأن الصحافة وترقيتها والنهوض بها وبمهنية كل المنتسبين لها ظل مدافعاً عن حقوق الصحفيين، ويكفي أن في عهده المجلس قرر رفع الحد الأدنى لأجور الصحفيين، والوحيد الذي ارتقى بامتحانات (القيد الصحفي)، وحرس بوابته، وكان في عهده عزيزاً وله قيمة لا يذهب إلا لمن يستحقه.
{ كل من زاملوه في مواقع العمل الأخرى شهدوا أنه كان مثالاً للتفاني والإخلاص والتجرد ونكران الذات، مكرساً كل وقته وجهده وعلمه لخدمة البلاد.. عاش حتى آخر لحظه في عمره مهموماً بالقضايا الوطنية.
} وضوح حزين
{ إذا ما بحثت في كل قواميس اللغة العربية وغيرها من اللغات الأعجمية لن أجد مفردات مناسبة أنعي بها الدكتور “هاشم محمد صالح الجاز”، ولن أجد كلمات أعبر بها عن حزني على رحيل هذا العالم العظيم والإنسان الخلوق النبيل، فهو بالحق طراز نادر من علماء وقادة الإعلام ونسيج إنساني فريد تلتقي عنده كل خيوط القيم الأصيلة والخلق القويم.
{ الفقد عظيم والمصيبة كبيرة، ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله.. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).