الخرطوم بين المحيط العربي والمحور الإيراني
هل صحح السودان خطأ حرب الخليج بحرب اليمن
“كبر” و”عبد الواحد” معركة على أنقاض ولاية فأين لجنة الضبط والمحاسبة؟؟
حديث (السبت)
يوسف عبد المنان
{الفرحة العارمة التي انتابت السودانيين وعبروا عنها في مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة المهاجرين لدول الخليج العربي، بعد قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران والمواقف التي أبدتها بعض الشخصيات السياسية في شجاعة، مثل “حاتم السر” القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو يعلن جهراً دعمه لموقف الحكومة السودانية بقطع العلاقات مع إيران.
{لهذه الفرحة أسبابها ليست (الذاتية) للمغتربين السودانيين في المهاجر الذين دفعوا الثمن باهظاً قبل سنوات، حينما اتخذت حكومة بلادهم موقفاً يناقض مواقف الدول التي تستضيفهم وهم نحو خمسة ملايين سوداني هاجروا ولجأوا لأرض الله الواسعة بما في ذلك إسرائيل. وفجأة وقفت حكومة وطنهم مع “صدام حسين”.. في موقف عبر عنه الراحل د.”فضل الله علي فضل الله”، حينما قال في رسالة بعث بها لصديقه الراحل “الأمين الصادق عبد المنان” في “الرياض”، لقد اختارت بلادنا أن تقف مع الجاني ضد المجني عليه.. وتدين جثة المقتول وتبرئ خنجر القاتل.
اليوم تقف الخرطوم مع العرب والمملكة العربية السعودية التي مدت أياديها البيضاء للسودانيين في أيام عسرهم وشدتهم، ولم يضق صدرها بالملايين الذين يزرعون أرضها جيئة وذهاباً.. وبذلك قطعت الخرطوم آخر شعرة تجمعها بإيران وأسقطت من دفتر أغنياتها تلك الأنشودة التي تمجد الدول المارقة (العراق واليمن) و(إيران وليبيا “القذافي”)، وقد غابت شمس المغني “محمد بخيت” نفسه منذ سنوات الذي ساهم مع آخرين في تمجيد المواقف الخاطئة.. ولو أطلقت الحكومة يد الجماهير لتعبر عن مواقفها لخرجت تظاهرات في الشوارع تدعم القرار الذي اتخذته دبلوماسية الرئاسة الأسبوع الماضي، و(أخرجته) الخارجية كموقف رسمي للسودان الذي أصبح يتقدم على بلدان مجلس التعاون الخليجي الأقرب وجدانياً وثقافياً من الخرطوم للرياض. وفي سنوات خلت كانت الجماهير العاطفية والكيانات الشبابية الحزبية هي التي تحدد مسارات علاقات البلاد الخارجية دون التدبر والتفكر في مصالح البلاد العليا.. ولكن اللهيب الثوري وعدم الواقعية وموقف الدول العربية وخاصة الخليجية من التغيير الذي حدث في السودان ووصول الإسلاميين للسلطة، جعل الخرطوم أقرب لإيران التي رحبت بالتغيير الثوري في الخرطوم، وظنت أن القيادة الثورية والمرجعية الإسلامية يمكنها تحت وطأة الحاجة للدعم وبسبب العداء الأمريكي لها يدفعها لوضع كل البيض في سلة إيران التي لم تقدر تضحيات الخرطوم.. و(بخلت) بالبترول والمال والفرس كعادتهم شحيحون في العطاء حتى لأقرب الدول مودة لهم. وحينما أخذت إيران تدعم انتشار المذهب الشيعي في السودان وتستقطب بعض الأشخاص والطلاب، بدأت المراجعات بتجفيف البلاد من المراكز الثقافية الإيرانية.. ولكن العلاقة مع إيران ظلت محل جدل كثيف وصراع لتيارات داخل الحكم ما بين تيار يعتبر إيران صديقاً يمكن الاعتماد عليه في ساعة الضيق وهي تملك مخزوناً من الأسلحة والخبرات، قد يعين الحكومة في معاركها الداخلية مع المتمردين، ومع تيار آخر يعتبر أن الخرطوم أخطأت التقدير إبان حرب الخليج حينما كانت حساباتها، أن “صدام حسين” يستطيع صد الهجوم الأمريكي والسيطرة على بلدان الخليج، وأن “صدام” صديق وقد قدم شحنات السلاح للحكومة الديمقراطية 1986 – 1989م، وساهمت الأسلحة العراقية في استعادة بلدة “الكرمك” الحدودية التي اتخذتها المعارضة الإسلامية حينذاك ثغرة لمهاجمة حكومة السيدين، وقدم العراق الدعم العسكري والوقود للسودان، حينما مانعت دول الخليج عن بيع (بترولها للسودان) بالدولار فوق الطاولة إمعاناً في إذلاله ومحاولة ترويضه، وتشبثت دول الخليج طويلاً بوهم استمالة أطراف في النظام السوداني وإقصاء أخرى.. وبعد مرور السنوات وتبدل أشياء وقد فعلت سنوات الحكم الطويلة فعلتها في النظام الذي أصبح أكثر واقعية، واكتشفت الحكومة أن الفيلسوف “الجاحظ” حينما كتب كتاب (البخلاء) عن الفرس كان واقعياً جداً وأجاد التوصيف والتشريح لتلك الدولة الغامضة في سياساتها وتوجهاتها وغير الوفية لتحالفاتها، لتأتي حرب اليمن الثانية أو الثالثة إذا اعتبرنا (ذوبان) اليمن الجنوبي في اليمن الشمالي هي الحرب الثانية، ويتخذ السودان موقفاً متقدماً في الدفاع عن (الحرمين الشريفين) كما يقول وزير الخارجية السوداني. وتقف اليوم القوات السودانية على مشارف المدن اليمنية الكبرى مشاركة مع السعوديين والقطريين.. والإماراتيين في حرب وقودها العرب في مواجهة المعارضة اليمنية التي تتدثر بعباءة المذهب الشيعي والنصف الآخر بالمذهب السني، مما جعل توصيف حرب اليمن بأنها حرب بين السنة والشيعة توصيفاً غير دقيق، ويبرز الفتنة، لأن كل بلدان الخليج بعض من مواطنيها شيعة حتى المملكة العربية التي نفذت حكم الإعدام على الشيعي “نمر النمر” لم تقدم على تلك الخطوة، إلا بعد أن قام “نمر النمر” بالتحريض والتخريب والتورط في أنشطة إرهابية داخل المملكة العربية السعودية، وتم تقديمه للمحاكمة وفق أحكام الشريعة الإسلامية ومعه سعوديون بعضهم سنة وآخرون شيعة، ومصريون وتشادي، وليس من بين الذين تم إعدامهم إيراني واحد، رغم ذلك خرقت “طهران” معاهدة “فينا” التي تمنح الدبلوماسيين حماية من الاعتداء.. واعتبار مقار السفارات أراضي تابعة لدولة السفارة والاعتداء عليها هو اعتداء على أرض أجنبية، وبذلك أصبح اعتداء المتظاهرين الإيرانيين المنددين بإعدام المرجع الشيعي على السفارة السعودية في “طهران” والقنصلية في مدينة “مشهد” الإيرانية اعتداء على السعودية وسيادتها وأمنها.. ويتوجب على جامعة الدول العربية الوقوف معها ومساندتها، لكن جامعة الدول العربية ماتت قديماً ولم يتبقَّ منها سوى الأشباح والصور، وكذلك تفاوتت ردة الفعل ما بين تخفيض التمثيل الدبلوماسي كالذي قامت به الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر دولة المواجهة الأولى مع إيران مثل الأردن ولبنان بالنسبة لإسرائيل.. ولكن غداً (الأحد) ربما اتخذ وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم بالقاهرة قراراً متأخراً بشأن الموقف من إيران التي استعادت في العام الماضي جزءاً كبيراً من علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي بصدد رفع العقوبات المفروضة على إيران من قبل الولايات المتحدة، وتلك خطوة سيكون لها أثرها على الصراع الراهن بين الدول العربية وإيران التي تمتلك احتياطياً كبيراً جداً من البترول ومخزوناً تستطيع أن تغرق به سوق النفط العالمية ومعروف جودة النفط الإيراني.. وفي ذات الوقت لم يتضح بعد الموقف في اليمن هل تستطيع قوات تحالف عاصفة الحزم القضاء على المعارضة اليمنية التي لها جذور عميقة في التراب اليمني، حيث تتخلق بعض جزئيات وأطراف المعارضة بالقبلية والمذهب وتعتبر قبيلة (الحوثيين) من أكبر القبائل اليمنية ويمثل “عبد الملك الحوثي” زعيماً لها إضافة إلى شيعية أعداد كبيرة من الحوثيين اليمنيين، الشيء الذي يجعل تحقيق نصر نهائي وحاسم أمراً بعيداً، لذلك بدأت المفاوضات في “جنيف” والتي ترعاها الأمم المتحدة متعثرة شيئاً ما.. وإلا أن طريق التفاوض بعد تثبيت حكم الشرعية للرئيس “عبدو منصور” تعتبر أولوية قصوى لقوات تحالف الحزم، من ثم دخول الأطراف اليمنية جميعاً في مساومات من أجل إقرار اتفاق سلام ينهي الصراع في هذا الجزء من الوطن العربي. ولكن في خضم هذه التطورات يدخل السودان في عمق الصراع العربي الإيراني.. ويستعيد الأراضي التي فقدها في التسعينيات من القرن الماضي بحسن التقدير والتدبير.
{ معركة “كبر” و”عبد الواحد”
{غداة عودة نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” من زيارة هامة لولاية شمال دارفور التي تمثل قلب الصراع الدارفوري مع المركز، والوصول لمناطق دار زغاوة الواقعة في أقاصي الشمال على الحدود مع ليبيا وتشاد، وجاءت زيارة “حسبو محمد عبد الرحمن” بتخطيط من حكومة المهندس “عبد الواحد يوسف” التي أخذت تمشي في مناطق ما كانت حكومة الفاشر السابقة بقيادة (الخليفة “كبر”) كما يقول الملك “معاذ” أقرب القيادات إليه يروق لها زيارتها وبينها وتلك المناطق شيء من الفتور طوال (12) عاماً أمضاها “كبر” في كرسي الحكم بشمال دارفور، تقاصرت خطاه عن الوصول لدار زغاوة في أمبرو وكارنوي والطينة. وقد وصل “حسبو” لمنطقة كان آخر مسؤول من حكام الخرطوم يبلغها الجنرال “الباقر” في القرن الماضي.. وبعد تلك الزيارة التي شملت أيضاً محليات شرق دارفور.. خرج الوالي السابق “عثمان كبر” عن صمت تدثر به طوال سبعة أشهر وأخرج الهواء الساخن من صدره المحتقن بمرارة مغادرة موقعه.. ورؤيته للميدان الذي كان “كبر” فارسه الأول، قد رتعت فيه خيول غير خيوله.. ولم يختر “حسبو محمد عبد الرحمن” السيد “عثمان كبر” من بين أعضاء وفده الذي ضم “بحر إدريس أبو قردة” والعميد “بخيت دبجو” والوزير “التجاني مصطفى” و”تاج الدين نيام”.. لذلك كانت ردة فعل “عثمان كبر” أن زار منطقته ومسقط رأسه الطويشة التي كرمته بدلاً من تكريمه من قبل كل أهل دارفور أو على الأقل كل ولاية شمال دارفور، اعترافاً بدوره في إرساء الأمن والاستقرار في سنوات حكمه التي بلغت (12) عاماً، أي ما يضاهي سنوات خلافة أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” بسنواتها التسع والثمانية أشهر مضافاً إليها سنوات خلافة “أبي بكر الصديق” رضي الله عنه.. وفي الطويشة بدأت الحرب القذرة على المهندس “عبد الواحد يوسف إبراهيم” وأحد المقربين من “عثمان كبر”، الملك “معاذ جلال الدين” ملك منطقة (السميات) يصعد لمنصة المخاطبة ويصف حكومة جاء بها الرئيس “البشير” بأنها عمارة أساسها من (الجالوص)، ويرفع ورقة أمام الجماهير القليلة التي جاءت لحضور احتفائية التكريم، ويقول إن هذا الخطاب جاء من حكومة الفاشر (مزقه وداس عليه بقدمه) كما ورد في مقال للأستاذ “بقال” في عدد من المواقع الأسفيرية. وإن صح ذلك فإن الملك “معاذ” يضع نفسه في مواجهة سلطة القانون وهيبة الدولة التي احتقرها وحط من قدرها في سلوك له لا يصدر إلا من شخص استبدت به الخصومة.. وفي سياق المعركة التي بدأت من قبل “عثمان كبر” خرجت أحاديث نائب رئيس مجلس شورى المؤتمر الوطني (المركزي) ملتهبة تصلي ظهر الحكومة الولائية بكلمات حارقة.. اتجهت إلى التقليل من شأن حكومة المهندس “عبد الواحد” كرد على ما جاء في خطبة الدكتور “التجاني سيسي” أمام الفريق أول “بكري حسن صالح” الأسبوع الماضي بإشادته بأداء جميع ولاة دارفور (المعينين) من خارج حدود دارفور الجغرافية، وذلك الحديث في منطقة (تابت) وفي اللقاء الجماهيري الحاشد بضواحي الفاشر منطقة (حمرة) قد أثار غضب “عثمان كبر”.. الذي وصف العلاقة بينه و”عبد الواحد يوسف” (بالمتوترة)، ولكن “كبر” عجز عن تبرير اختفاء عدد من العربات كانت (بحرزه) لحظة مغادرته السلطة كما قال بذلك الوالي “عبد الواحد يوسف” الذي كشف عن مديونية حكومة شمال دارفور، وقال إنها فوق طاقة وقدرات الولاية، وأن بنك الخرطوم وحده يطالب الولاية بمبلغ (105) مليارات جنيه، نفذت بها مشروعات كما يقول “عثمان كبر” الوالي، ولكن الوالي يقول إن تلك المشروعات غير مقنعة وهناك (أوضة) واحدة تمت صيانتها بمبلغ مليار جنيه، الشيء الذي يضع “عثمان كبر” في طائلة المتهمين بالفساد في الدولة.
{ولكن “عثمان كبر” الوالي السابق الذي جددت فيه الحكومة الثقة ووضعه المؤتمر الوطني في مرتبة عليا نائباً لرئيس مجلس الشورى، يفتح باب (المناقرة) على مصراعيه ويهاجم الوالي الذي جاء من بعده علناً، وهذا ما لم يقدم عليه “يوسف الشنبلي” في النيل الأبيض الذي وقف مسانداً لخليفته “عبد الحميد موسى كاشا”، وحتى اللواء “أحمد خميس” في “الفولة” لم يتحدث حتى اليوم بكلمة في حق الأمير “أبو القاسم الأمين بركة”. واختار د.”عبد الرحمن الخضر” الصمت رغم السهام التي صوبت نحوه والترصد من قبل البعض وحمله إلى المحاكم كشاهد في بعض القضايا. ولكن “الخضر” كان حاضراً في يوم التسليم والتسلم مع الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” ولم يتحدث حتى دفاعاً عن نفسه في وجه سهام وسيوف التجني التي تعرض لها، دعك عن مهاجمة الوالي الذي جاء من بعده.. لكن “عثمان كبر” خرج عن تقاليد الصمت التي يفرضها الانضباط الحزبي على عضويته الملتزمة واختار قيادة معركة في الرأي العام.
{وحينما سألت الصحف الوالي “عبد الواحد يوسف” عن ردة فعله على ما قاله “كبر” في حقه.. قال “عبد الواحد” (أنا عضو ملتزم في المؤتمر الوطني لن أبوح بأسرار فترة “عثمان كبر” لأنها أسرار قيادي في المؤتمر الوطني، وأعفو عن المساس الشخصي لأنها ضريبة الوظيفة العامة وأنصرف لمسؤولياتي في حسن إدارة الولاية). تلك الكلمات رفعت من مقام المهندس القادم من بادية دار حمر، ولكن السؤال هل في الفترة الحالية انتهت مهمة لجنة الضبط والمحاسبة في المؤتمر الوطني، وكيف يسمح لوالٍ سابق مهاجمة الحكومة التي هو جزء منها واحتقارها.. وفتح منابر يجعل المؤتمر الوطني حزباً (يقذفه) منسوبوه من داخله بالحجارة، وفي يوم ما تم فصل “أمين بناني” و”مكي بلايل” و”لام أكول أجاوين” من المؤتمر الوطني لمجرد إبداء رأي في سياسات الدولة والحزب. واليوم يخرج نائب رئيس مجلس الشورى ويهاجم قيادات حزبه ولن يستطيع أحد الحديث إليه لأن دارفور منطقة (ملتهبة) واستثنائية، يخرج منسوبو الحزب فيها عن التقاليد والأعراف ولكنهم قيادات فوق الحزب.
ثغرة الحدود
{عادت قضية الحدود بين دولتي السودان وجنوب السودان لدائرة الضوء مرة أخرى، وقد أعلن الوزير “كمال إسماعيل” الأسبوع الماضي أن لجنة مشتركة تبحث في هذا الأسبوع السبل المثلى لفتح معابر على الحدود بين الدولتين لانسياب حركة التواصل.. وقضية الحدود من مقعدات تطور العلاقة وتناميها بين الخرطوم وجوبا.. وحتى اليوم هناك خلافات محدودة في (20%) من الحدود ويدعي الجنوب حقوقاً في أراضٍ شمالية مثل أبيي وهجليج وكافي كانجي بولاية جنوب دارفور، وقد تخلى المفاوض السوداني غفلة منه عن منطقة “كاكا” التجارية في النيل الأبيض للجنو، مما أغرى المفاوض الجنوبي أن الشماليين قد يتنازلون عن مناطق أخرى غنية بالمعادن.. ومنذ سنوات أنهت اللجان المشتركة الاتفاق على ترسيم (80%) من الحدود ومتبقي الـ(20%) وبدلاً من فتح المعابر على طول الـ(80%) من الحدود تم رهن مصالح الدولتين إلى أن تبقى مجمدة، وقضية الحدود معلقة حتى يتم الفراغ مما تبقى من الأرض، وفي ذلك أيما قصر نظر وبعد عن الواقعية ولن تتهم لجان الحدود بالتواطؤ مع المستفيدين من تدهور العلاقات بين البلدين وتجار الأزمات في الشمال والجنوب معاً.. فالحدود مفتوحة للتجارة غير الرسمية وللمهربين الذين يكتنزون مليارات الجنيهات يومياً بتهريب السلع من الشمال إلى الجنوب، ويدفعون في الحدود الرشاوى والعطايا حتى يتم غض النظر عنهم.. وحكومة جنوب السودان لها مصلحة حقيقية في استمرار تدفق السلع عبر التهريب الذي يفقد السودان عائدات ضخمة من العملات الصعبة، بينما يتغذى الجنوب على دقيق يدعمه مزارع البصل في كسلا وبائع المساويك في محطة درديب بالبحر الأحمر.. وفي مفاوضات السلام الأخيرة بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال تقدمت الوساطة الأفريقية بمقترحات بدخول الإغاثة من دولة جنوب السودان وإثيوبيا للأراضي السودانية المتاخمة لتلك الدولتين، على أن تكون هناك نقاط رقابة على الحدود تشترك فيها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والحكومة السودانية ومتمردو قطاع الشمال، ومن حق السودان تفتيش شحنات الغذاء والاعتراض على دخول أية سلعة غير متفق عليها أو مطابقة للمواصفات، ولكن المفاوض الحكومي رفض ذلك رغم أن الحدود المعنية (90%) منها تسيطر عليها الحركة الشعبية قطاع الشمال، وبدأ موقف المفاوض الحكومي غريباً جداً.. واليوم تلوح بارقة أمل في ازدهار التجارة الحدودية من خلال معابر محمية من قبل الحكومتين بعبور الشاحنات والرقابة عليها.. بدلاً من الوضع الحالي حيث تدخل شحنات أي شيء دون رقابة ولا سيطرة للسودان على حدوده.. فهل يتم فتح نوافذ الأمل وتستقر العلاقات على جادة الطريق وتأجيل المناطق المختلف حولها إلى حين الاتفاق في المستقبل. وقضايا الحدود دائماً ما يمتد الخلاف حولها لسنوات طويلة جداً، ولكن مصالح الشعوب لا تؤجل وترهن إلى حين حل جميع القضايا الخلافية العالقة.