ذكرى الشريف "حسين" .. آخر العظماء!
{تحل علينا اليوم الذكرى الرابعة والثلاثون لوفاة الزعيم الوطني الكبير الشريف “حسين يوسف الهندي” الذي انتقل إلى رحاب الله وهو يقود معارضة شريفة وشرسة ضد نظام الرئيس الأسبق “جعفر محمد نميري”، فرجعت الروح إلى بارئها في اليوم التاسع من شهر يناير عام 1982م بمدينة “أثينا” حاضرة اليونان ومهبط حضارات الإغريق .
{كان الشريف “حسين” سياسياً وطنياً من طراز فريد، يندر أن تنجب مثله حواء السودان، ورغم أنه كان رئيساً للحزب الاتحادي الديمقراطي طيلة سنوات المعارضة لنظام (مايو)، إلا أنه لم يكن متحزباً متعنصراً أو متخندقاً في حدود حزب أو كيان أو قبيلة، كان خيره لكل السودانيين دون تمييز لولاءاتهم وأحزابهم، ولهذا تجد أن كثيراً من الطلاب السودانيين الذين درسوا بالخارج في حقبة السبعينيات ومطلع الثمانينيات، كانوا يتلقون دعماً من (الشريف) والجبهة الوطنية المعارضة التي كان يقودها الرجل بقوة وحنكة واقتدار.
{وعندما يسأل أحدهم أحد الذين عاصروا بعضاً من سني (الجبهة الوطنية) من قيادات (الإخوان المسلمين) مثل الشيخ “أحمد عبد الرحمن محمد” أو الشيخ “عثمان خالد مضوي” أو الشيخ “علي عبد الله يعقوب” أو من شبابهم حينذاك في الداخل والخارج مثل “غازي صلاح الدين” و”حسن مكي” وغيرهم، أو من قيادات وأعضاء فصائل الجبهة الأخرى في حزب الأمة القومي وبعض أحزاب اليسار، فإنك تسمع منهم الكثير من عبارات التقدير والتبجيل، والوفاء والاحترام لذلك الفارس المغوار الذي لم يكن يفرز بين (اتحادي) و(أنصاري) و(أخ مسلم) داخل الجبهة الوطنية، بل كانوا جميعاً في قلبه وعقله ونظره سودانيين وطنيين يقاتلون من أجل السودان الكبير .
{ارتبط الشريف “حسين” بعلاقات صداقة وطيدة مع زعماء ورؤساء على مستوى العالم العربي والمحيط الأفريقي، مثل إمبراطور إثيوبيا “هيلاسلاسي” والرئيس المصري الخالد “جمال عبد الناصر”، وقد تعاون “ناصر” و”الشريف” في دعم عدد من حركات التحرر الأفريقي عبر السودان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. كما عرف عن “الشريف” صداقته الوثيقة بمؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيسها الشيخ “زايد بن سلطان آل نهيان” والرئيس الشهيد “صدام حسين” والعقيد الليبي “معمر القذافي”.
{وقد استغل الشريف تلك العلاقات الدولية لصالح السودان ومشروعه لاستعادة الديمقراطية في البلاد، لا لذاته ومصالحه وكنز الأملاك وادخار الثروات، وقد كانت بيده وتحت تصرفه أموال طائلة وهو ابن أحد أكبر الأثرياء كبير الطائفة الثالثة بالسودان بعد (الأنصار) و(الختمية) .. الشريف “يوسف الهندي” الذي تبرع للخريجين قبيل الاستقلال بدار الخريجين المعروف بأم درمان ليكون منطلقاً للحركة الوطنية في بلادنا، كما تبرع هو وأبناؤه بالكثير من الأراضي والمشاريع الزراعية وجروف النيل في ضاحية “بري” وفي منطقة “الحوش” وعلى امتداد ولايتي سنار والنيل الأزرق، وقد عرفت الأسرة الهندية بزهد نادر وعفاف لا مثيل له، عاشوا مع الناس فقراء لا يكنزون ذهباً ولا فضةً، عاشوا قديسين وماتوا مساكين على سعة ما ورثوا من أراضٍ وبلدات، وهكذا كان الشريف “زين العابدين الهندي” صورة مصغرة من أخيه الأكبر الشريف “الحسين”!!
{مات الشريف “حسين” في غرفة باردة في أحد فنادق “أثينا”، ونعته الكاتبة العربية الشهيرة “نازك الملائكة” في أحد كتبها، مات الشريف وهو لا يملك من حطام الدنيا قصوراً ولا فيلات وشقق كما امتلك السياسيون السودانيون من قبله ومن بعده في “لندن” و”برلين” و”باريس” و”القاهرة” و”دبي”، رحل معدماً وقد كان أعظم وزراء المالية الذين مروا على حكومات السودان، فقد أسس في عهده نظاماً للدعم الاجتماعي للشباب الذي لم يجد فرصة للعمل كما هو الحال الآن في أوربا وأمريكا ما سمي في نهاية عقد الستينيات بـ(بند العطالة)، وهو نظام غير مسبوق في دولتنا ولا يتوقع له أن يعود مرة أخرى .
{إننا إذ نتذكر التاريخ العظيم للسياسي الفريد رمز (الاتحاديين) الكبير بعد رافع علم الاستقلال الرئيس “إسماعيل الأزهري”، فإننا ندعو جميع (الاتحاديين الديمقراطيين) بكافة أجنحتهم وفصائلهم، إلى تمثل قيم وأخلاق الشريف “الحسين” واسترجاع مسيرة النضال الطويل التي مشاها بعنفوان متجرداً من كل ولاء إلا ولاءه للسودان، لعلهم وكل ساسة السودان بكل نخبهم ومللهم، يعتبرون ويتحدون ويوحدون فصائلهم المتشرذمة وفاءً لهذا الإرث التليد .
{من عبارات الزعيم الخالدة أيام ضنك المعارضة وضيقها بالمهاجر: (نجوع .. ونجوع .. ونأكل أصابعنا .. ولا نأكل قضايا الوطن)!!
{اللهم ارحم ابن السودان البار .. الشهم الجسور .. الكريم ..العفيف الشريف “حسين الهندي” .. بقدر ما وسعت رحمتك يا الله.
{(سبت) أخضر.