الديوان

مبدعون ناضلوا بالكلمة المبدعة والحناجر الصادحة بالأغنيات والأناشيد الوطنية المطالبة بالحرية

يذكر المجد كلما ذكروا
 الخرطوم – عامر باشاب
كان لابد للإرادة الوطنية السودانية وهي تقاوم الاستعمار الانجليزي أن تسير على خطوط دفاعية  متعددة المسارات لمناهضة الاستعمار والتصدي للمستعمر البغيض، وبجانب نضال السياسيين ومقاومة الحركات الوطنية، كان هناك سلاح إبداع المبدعين وبراعة المتفردين من الشعراء والمطربين الوطنيين  أصحاب الأصوات الشعرية والحناجر الصادحة بالأغنيات والأناشيد الوطنية المطالبة بالحرية وسيادة السودان التي ألهبت الحماس في نفوس كل أبناء السودان وغيرهم من المبدعين الوطنيين.

خليل فرح الشرف الباذخ

أولئك الأبطال نذكر في مقدمتهم الشاعر الوطني المخضرم “خليل فرح” الذي كانت تتفجر معاني العزة والكرامة من بين ثنايا مفردات أشعاره الوطنية التي خرجت مدوية في بداية العشرينيات تحرك الحركات المناهضة للاستعمار مثل حركة (اللواء الأبيض) وثوار (1924)، وتفاعلاً مع هذه الثورة قدم “خليل فرح” (نحنا الشرف الباذخ) مواجهاً بها المستعمر، قال فيها 
من تبينا قمـنــا ربينــا … ما اتفاسلنا قط في قليل

دا ود عمي ودا ضريب دمي… إنت شنو طفيلي دخيل

محمد عثمان سوداني أنا
ومن الشعراء الوطنيين نجد الشاعر الوطني المخضرم “محمد عثمان عبد الرحيم”  

صاحب نشيد الاستقلال الرائع (أنا سوداني)
أنا سوداني أنا أنا سوداني أنا
كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتتن
نتغنى بحسنه أبداً دونه لا يروقنا حسن
حيث كنا حدت بنا ذكر ملؤها الشوق كلنا شجن
نتملى جماله لنرى هل لترفيه عيشه ثمن
خير هذي الدماء نبذلها كالفدائي حين يمتحن
بسخاء بجرأة بقوى لا يني جهدها ولا تهن
تستهين الخطوب عن جلد تلك تنهال وهي تتزن
أنا سوداني أنا أنا سوداني أنا
 هذا النشيد العظيم قدمه الفنان المناضل العظيم الراحل “حسن خليفة العطبراوي”، و”محمد عثمان عبد الرحيم” من المبدعين الذين ناضلوا ضد المستعمر، حيث كان عضواً في لجنة (الزعفران) التي قادت أول إضراب للطلاب في السودان ضد الحكم البريطاني عندما كان يدرس في (كلية غردون) التي تخرج فيها العام 1931 وبعدها رحل إلى عطبرة وانضم إلى الحركة الوطنية التي كانت تضم عدداً من المبدعين.
“العطبراوي” ﻻ ﻟﻦ ﺃﺣﻴﺪ
أما الفنان الوطني “حسن خليفة العطبراوي” قاد النضال في المدينة الثائرة “عطبرة” بالأغنيات الوطنية التي تطالب برحيل المستعمر (يا غريب يلا لي بلدك)، التي أنشدها في وجه المفتش الانجليزي بمدينة “الدامر”، وبسبب ذلك تم اعتقاله وقضى سنوات في السجن وخرج بعدها لمواصلة النضال ضد المستمر الإبداعي مقدماً (أنا سوداني) للشاعر الوطني “محمد عثمان عبد الرحيم”، و(يا وطني العزيز)
 يا ﻭﻃﻨﻲ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ
ﻳﺎ ﺃﻭﻝ ﻭﺁﺧﺮ
ﺃﻫﺘﻒ بي ﺣﻴﺎﺗﻚ
ﻭبي ﺣﺒﻚ ﺃﻓﺎﺧﺮ
للشاعر الوطني الطبيب “حسن الطيب” وقدم للشاعر الوطني العملاق “محيي الدين فارس” (ﻟﻦ ﺃﺣﻴﺪ) التي صور فيها حال المناضلين السودانيين من الطبقة الكادحة في كل المواقع حينما قال (ﺃﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﺭﻋﺪﻳﺪﺍً
ﻳﻜﺒﻞ ﺧﻄﻮﻩ ﺛﻘﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ
ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻔﺎﺡ
ﻻ ﻟﻦ ﺃﺣﻴﺪ
ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺃﺳﺮﺍﺏ
ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﺍﻟﻜﺎﺩﺣﻮﻥ
ﺍﻟﻌﺎﺋﺪﻭﻥ
ﻣﻊ ﺍﻟﻈﻼﻡ
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ
ﻭﺍﻟﺤﻘﻮﻝ
ﻣﻸﻭﺍ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ)
و(لن يفلح المستعمرون)
“الطقطاقة” نغمة الاستقلال الأولى
وفي ذلك الوقت أيضاً انتقلت الفنانة “حواء الطقطاقة” من الخرطوم لتنضم لكتيبة النضال الوطني في مدينة “عطبرة”، وكان نصيبها الاعتقال مع “العطبراوي” بعد إحيائهما لـ(ليلة وطنية بنادي العمال بعطبرة)، وبعد الإفراج عنها من قبل الانجليز عادت إلى أم درمان، وانضمت إلى حزب (الأشقاء) الذي كان يتزعمه الزعيم الراحل “الأزهري”، وشهد لها المؤرخون بأنها أول امرأة تغني للاستقلال، وكان ذلك لحظة رفع علم استقلال السودان بالقصر الجمهوري في العام 1956م.

“الشفيع” و”ود القرشي”..  اتحاد ابداعي لاعادة أمجاد الكرام

وقد سجل التاريخ بأن ثنائية الفنان الوطني الكبير “عثمان الشفيع” والشاعر الوطني الكبير”محمد عوض الكريم القرشي” لم تتوقف عند الأغاني العاطفية بل تجاوزت ذلك إلى الثنائية في الهم الوطني والنضال ضد الاستعمار والكفاح من أجل الحرية والاستقلال.
“الشفيع” كان ناشطاً في الحركة الوطنية و”القرشي” كان ناشطاً في الحركة الوطنية بالأبيض ومما يروى في سيرة  الراحل عثمان الشفيع ، ورد في سودانيزأولاين ، أنه “كان هناك  حفل ساهر في سينما الخواجة برامبل ( مبنى البوستة ) القديم،
وكان الفنان عثمان الشفيع أحد المطربين المشاركين … وفي نهاية الحفل
قدم عثمان الشفيع فاصلاً غنائياً ،وكان مطلب الجماهير ( وطن الجدود )
وأستجاب للمطلب وغنى ( وطن الجدود ) .. وثارت الجماهير وعلا الهُتاف
وتجاوب معهم الفنان المناضل عثمان الشفيع وخرج للشوارع محمولاً على الأكتاف
في تظاهرة صاخبة جابت كل طرق الرئيسية لمدينة أم درمان وعلى أثر هذا تم اعتقاله أربعة أيام حتى تم أطلاق سراحه بعد تدخل من جهات وطنية متعددة .”
وطن الجدود نفديك بالأرواح نجود
.. ..
وطن الجدود نِعم الوطن خيراتو كم يتدفـــــقـــن آن الأوان أن نُـمتحـــن في سبيلو لا نطلب ثمن
.. ..
وطن الجدود نحن الفداء من المكائــــد والعـــــداء نتمنى ليك دايماً تســـود بدمانا نكتب ليك خــلـود..
..
هيا يا شباب هيا يا جنـود هيا حطمــوا هذي القيود..
. هيا يا شباب هيا للأمام سودانّا قد ملّ المــــــلام حرية كاملة هي المُرام تؤخذ ولا يجدي الكلام حذاري أن وطنك يضام حذاري أن يصبح حطام جهلٌ وفقر وانقسام..
فلنتحد ويجب نعــيــــد لوطنّا أمجاًد الكرام….
هيا يا شباب ضموا الجنوب القافلة ســــــارت لن تؤوب أبنوا السلام دكوا الحروب وماء نيلنا يكون عـــذوب..
….
أهتف معي قل يا أخي يحيا الكفاح وينتقي فليخرج الباغي الشقي ويرفرف العلم الأبّي.

“أحمد محمد صالح وأحمد مرجان”.. نشتري المجدَ
ومن الرموز الإبداعية التي ناضلت بالكلمة المموسقة والإلحان الثورية
الشاعر “أحمد محمد صالح” مؤلف كلمات النشيد الوطني في العام 1955 أي قبل الاستقلال بعام وضع له الألحان الموسيقار “أحمد مرجان” واصبح السلام الجمهوري لجمهورية السودان

نحن جند الله جند الوطن إن دعا داعي الفداء لن نخن

نتحدى الموت عند المحن نشتري المجدَ بأغلى ثمن

هذه الأرض لنا فليعش سوداننا علماً بين الأمم

يا بني السودان هذا جيشكم يحمل العبء ويحمي أرضكم

نحن أسود الغاب أبناء الحروب لا نهاب الموت أو نخشى الخطوب

نحفظ السودان في هذي القلوب نفديه شمال وجنوب

نبذل الدماء نفدي الحمى نرفع العلم

بالكفاح المر والعزم المتين وقلوب من حديد لا تلين

نهزم الشر ونجلى الغاصبين كنسور الجو وأسود العرين

ندفع الردى ونقصر من عدا نرد من ظلم

إن حيينا إنما نحيا بكم أو نمت فالفخر والمجد لكم

حرروا البلاد حاربوا الفساد وابعثوا الهمم

بشير والشروق
وشمس الاستقلال التي استدارت للخروج في عباس سنة العام 1955 جعلت روح الإبداع تعتمل في دواخل الموسيقى وعازف العود الماهر وقتها “بشير عباس” لتخرج مقطوعة (الشروق) وتعني شروق شمس الاستقلال.
كاشف أرض الخير
ومن المبدعين الوطنيين الأفذاذ الذين كانوا يشعلون الحماس في دواخل المناضلين المطرب العملاق “إبراهيم الكاشف” الذي شهد له مسرح (نادي الخريجين) بإحيائه لليالي الوطنية التي قدم فيها العديد من الأعمال الغنائية الوطنية من بينها رائعة ” خليل فرح ” (عازة في هواك) ورائعة “السر قدور” (أرض الخير) التي أبدعت فيها بأحاسيس نيل الاستقلال
أرض الخير (أفريقيا) مكاني
زمن النور والعزة زماني
أرض جدودي جباههم عالية
مواكب ما بتتراجع تاني
أقيف قدامها وأقول للدنيا أنا سوداني
شمسك طلعت وأشرق نورا بقت شمسين
شمس العزة ونورها الأكبر
هلت شامخة زي تاريخي قوية وراسخة
ملت الدنيا وخيرنا بيكبر
شمس إيماني بأوطاني
ده الخلاني أقول للدنيا أنا سوداني

“وردي” راية استقلالنا
ونختم بإمبراطور الأغنية السودانية وعملاق الأغنيات الوطنية وهو بالطبع من المبدعين الذين ارتبطت أسماؤهم بالاستقلال، وإذا كان الزعيم “إسماعيل الأزهري” والزعيم “محمد أحمد المحجوب” رفعا بأيدهما علم استقلال السودان على قمة سارية القصر الجمهوري، فالإمبراطور “وردي” رفع بصوته المترع بالإبداع راية الاستقلال لتعلوا فوق هامات الزمان، حيث قدم أروع وأعظم الأناشيد الوطنية التي شكلت وجدان شيب وشباب الشعب السوداني ويكفيه فخراً ونبلاً أيقونة الاستقلال (راية الاستقلال) التي كتب كلماتها الشاعر الوطني المهاجر “عبد الواحد عبدالله”:

اليوم نرفع راية استقلالنا
ويسطر التاريخ مولد شعبنا
يا إخوتي غنوا لنا – غنوا لنا
…..
يا نيلنا ويا أرضنا الخضراء يا حقل السنا
يا مهد أجدادي ويا كنز العزيز المفتدى

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية