خربشات (الجمعة)
مثل سائر المبدعين في بلادي عندما يرحلون ومعهم كثير من المآسي والأحزان.. وقد رحل من قبله “علي عبد القيوم” ورحل “الناصر قريب الله” أميز شعراء السودان.. تحف رحيلهما المرارة والحزن والأسى.. وليس بعيداً فقد غادرنا إلى غير رجعة صاحب أم درمان تحتضر في صمت وكبرياء، وقد نعى الناعي يوم الجمعة الماضي رحيل المطرب والشاعر والفنان التشكيلي “عباس عبده الحسب عربان” بعد رحلة حياة عامرة بالعطاء الفني وهو يردد أغاني التراث الكردفاني (الجنزير التقيل) و(يا أم صديراً جنة الفارس الخيل رمنا) وكثير من تراث البقارة الذي ساهم “عباس عبده الحسب” في نشره على قطاع عريض من السودانيين ليضيف لإسهامات “عبد القادر سالم” لوناً وطعماً خاصاً بأغاني من عمق الفرقان والقرى، ومثلما مزج “عبد الرحمن عبد الله” بين ثقافة بدو الشمال الكردفاني ومنحنى النيل في أقاصي الشمال كانت بعض إيقاعات المطرب الراحل “عباس عبده” مستوحاة من (الكرنق) الرقصة الشعبية الأولى عند القبائل النوبية بمختلف تكويناتها.. لم يشتهر “عباس عبده” كثيراً في وسائل الإعلام القومية التي تبدو متحفظة في الانفتاح على المطربين الجدد والشعراء القادمين من الظل.. لذلك كان “عباس عبده” قليل الظهور في أجهزة الإعلام.. وقد بزغ نجمه في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي كمطرب في مدينة الدلنج يغني في الأفراح الخاصة والمناسبات العامة.. ماهر في عزف العود يفيض حيوية وعافية.. بعد تقاعده من القوات المسلحة انضم لفرقة فنون كردفان.. كان صاحب ريشة أنيقة، خط على جدران صالة المغادرة والوصول بمطار الأبيض أجمل اللوحات.. هو مثل “عبد العزيز العميري” يغني ويكتب الشعر ويرسم بريشته لوحات مستوحاة من الواقع.. ويمدح الرسول “صلى الله عليه وسلم” حتى تفيض عيناه بالدمع.. في زواج أشهر التجار بالدبيبات “نصر حماد قمبر” غنى (القمر بوبا).. و(جدي الريل أبو كزيما).. وغنى (الجنزير التقيل) فسالت مشاعر الحسان جداول من الدمع الشفيف.. وغنى في حاجز القناوي زواج “حامد التوم يحيى” فأطرب حتى (عرديب) وادي النامية الشهير.. غادر “عباس عبده” السودان مهاجراً بحثاً عن واقع أفضل وحياة يتوق إليها الشباب من أمثاله، والمبدعون الذين ضاقت بهم الأرض مثله آخرون.. “الموصلي” “وسيف الجامعة”.. ود. “محمد الواثق” و”عبد الرحمن عبد الله”.. ويمم “عباس عبده” شطر ليبيا التي قتلت المبدعين أحياءً وقد رثا الشاعر د. “محمد الواثق” الوطن حينما وجد نفسه في وظيفة بائسة بجامعة طبرق.. كتب يقول:
ما كنا في السودان نعاني ضيق معيشة
لو ساد أهل البصائر
نزحنا إلى هذه وتلك تردداً
ترى الموت يعلوهم يقطع الدوابر
وحينما ضاقت بـ”عباس عبده” ليبيا “القذافي” لجأ إلى تشاد يغني ويزرع الفرح في أوساط السودانيين والتشاديين.. وحينما انتدب السفير “الزين إبراهيم حسين” وهو من تلك المناطق أي الأبيض والدلنج والحمادي نسج علاقات إنسانية شفيفة مع الراحل “عباس”.. وسعى لعودته إلى الخرطوم بعد أن أقعده المرض ووهن الجسد.. لكن الأقدار أبت إلا أن يأتي “عباس عبده” ليقيم مع “عبد القادر سالم” في منزله شهوراً وقد أسلم نفسه للقدر وأنهكه المرض وذبل الجسد.. ففارق الحياة الجمعة الماضية.. ومثلما زرع الفرح في قرى وفرقان كردفان بث رحيله المفجع الحزن في كل مكان، وهو الذي كان ينشد في غربته القسرية أبياتاً من شعر “عز الدين هلالي” التي لم تغنَ بعد:
وأسافر وين وأنا الحاضر
في كل شوارع الحلة وأنا الماضي
وأنا الحاضر
وأنا العايش غنا الشلة
وأنا الما قلت غير حاضر
وغير بس في التشهد لا
فدى الوطن الدوام حاضر
معانا معانا ما ولى
رغم الغربة والعزلة
بعيشك يا وطن أبداً
(2)
{ في خواء الساحة السياسية من النجوم التي تمنح المنابر عافيتها والندوات ألقها.. والمشهد السياسي حيويته.. وفي غياب حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي.. وانقسام الإسلاميين بين حائر يترقب، ومبعد من المشهد متعب من رهق السلطة وعبء (26) عاماً من الحكم المطلق، وفي زمن أصبح الحزب الشيوعي حقيبة في يد المنشق السابق عن الحزب “ياسر عرمان”.. ليس غريباً ولا مدهشاً أن تسد امرأة اسمها “تراجي مصطفى” الفَرقة، وتملأ الساحة السياسية بالحديث عن أي شيء.. امرأة من رحم المعارضة جاءت (تبصق) على كل شيء.. تاريخها.. حلفائها السابقين.. الحركات المسلحة التي منحتها ما لا تستحقه.. تنبذ “تراجي مصطفى” العنف المادي ولا تجد ما يحول بينها وممارسة العنف المعنوي واللفظي مع خصومها.. امرأة من مواليد 1966م، أي ما بين الشباب والكهولة، هرعت إليها الخرطوم التي أصبحت تبحث عن كل قادم إليها.. تقدمه في المنابر.. وتحتفي به احتفاء الأم بعودة طفلها المفقود.. الخرطوم كأنها مدينة (فاقدة حنان)، زحف قادتها حكاماً وإعلاماً ورموزاً سيراً بالأقدام إلى استقبال والاحتفاء بشاعر أكتوبر “محمد المكي إبراهيم” الذي ما كان شيئاً عندها حينما كتب (الرحيل إلى طفلة المدائن ويختبئ البستان في الورد).. ولكن الخرطوم الرسمية استيقظت حينما كتب على لسان “محمد عثمان الميرغني” (سلم مفاتيح البلد وما بتسلم).. طارت الطائرات من الأبيض إلى أم درمان من أجل “ود المكي”، مثلما تطير الطائرات ما بين الفاشر والخرطوم من أجل “تراجي مصطفى”، امرأة تعجبها إسرائيل التي مزقت أحشاء حركة “حماس” وحصدت أرواح شباب قطاع غزة والضفة الغربية.. وتصدع
“تراجي” بحبها لإسرائيل في منابر الخرطوم، لكن بعد تقديم عربون العفو وغفران الأخطاء حينما تجرح المعارضة بلسانها وتلسعها بسياط الكلام، فإن ذلك يغفر لها ما تقدم من لسانها وما تأخر.. وقد أصبحت “تراجي مصطفى” هي نجمة نجوم نساء الساحة السياسية، لأن “سناء حمد” أصبحت موظفة في وزارة “غندور”، ولأن “سعاد الفاتح” (هرمت) وباتت عملة غير مرغوب فيها.. ولأن الحزب الشيوعي أصبح بلا نجوم وعقمت الساحة إلا من “تراجي مصطفى” التي شغلت الناس هذه الأيام.. نصيحتي (لبنية دارفور) مجازاً أن تغادر الخرطوم قبل أن تفقد طعمها، لأن في الأخبار غير المؤكدة هنالك امرأة أخرى من ذات طينة “تراجي” اسمها “سارة منصور” في طريقها للخرطوم التي لا تحتمل (…..).
(3)
الوسط الرياضي يشغله هذه الأيام لاعب المريخ “شرف شيبوب” الذي يمارس نوعاً من التجارة ما بين المريخ والهلال.. يغازل الهلال ويتدلل على المريخ.. يستفيد من أموال “الكاردينال” التي تفيض على نادي الهلال، وأموال لجنة تسيير المريخ وأطماع “جمال الوالي” في العودة لنادٍ تركه بمحض اختياره حتى يعود عبر الانتخابات القادمة.. “شرف شيبوب” لاعب عادي جداً تعود أصوله لدولة جنوب السودان، كما تقول الصحافة الرياضية، لم يقدم طوال فترته بالمريخ ما يثبت أنه لاعب خارق إلا هدفاً غير محتسب في مباراة اتحاد العاصمة الجزائري.. لكن السماسرة جعلوا من “شيبوب” أيقونة هذا الزمان البائس.. وهو الآن ما بين وعود “الكاردينال” وأشواق “جمال الوالي” ليعود لكرسي رئاسة المريخ ويعود معه لاعب يطلب مبلغ (900) ألف جنيه للموسم الواحد، وهو لا يستحق أكثر من مائة ألف.. لكن الصحافة الرياضية تبيع للناس الأوهام، وكل جمعة والجميع بخير.