أمن وسياسة
إفادات الفريق “محمد عطا المولى” المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني للزميلة “لينا يعقوب”، اتسمت بعدة ظواهر في سياق قراءة المشهد الأمني والعسكري والسياسي والإعلامي وما بينهما من تداخلات، وبدا مدير جهاز الأمن هادئاً في ردوده على بعض الأسئلة ولم يثر ويغضب، ويكشف عن وجه آخر تعيشه السلطة واعتدال المزاج وبعد التنفيذي عن التوتر دليل على أنه يعيش في عافية وجدانية.. وحينما يتحدث التنفيذي مهرجاً.. وغاضباً يتوعد فإنه يكشف عن اضطراب تعاني منه سلطته.. وبدا “محمد عطا المولى عباس” أكثر هدوءاً من السياسيين وموضوعياً في تقييمه حتى لألد أعدائه من الحركات المسلحة. لم يتحدث عن القضاء نهائياً على تلك الحركات رغم أن الواقع في دارفور يقول إن حركة مثل العدل والمساواة قد كسرت شوكتها وتفرق شمل قادتها وخسرت آخر معاركها في الصيف الماضي في منطقة (قوز دنقو)، وهي عملية مزدوجة (استخبارية وعسكرية مباشرة) قضت عليها، ولكن الفريق “محمد عطا” يفترض أسوأ الخيارات وهي إمكانية أن تحيا الحركة من جديد.. ويقول إنها يمكن أن (تبعث) من جديد، ولكنه يعدد الصعوبات التي تجعل من (بعثها) مرة أخرى شيئاً مستحيلاً.. وقراءات “محمد عطا” الأمنية والعسكرية وهو الذي بين يده معلومات تتدفق كل ساعة تشير إلى أن الوضع في جنوب السودان بات غير مثالي لوجود الحركات المسلحة التي تتواجد الآن هناك.. وأشار إلى أن (الدروب) قد سدت على الأرض بوجود قوات سريعة وخفيفة الحركة تستطيع ملاحقة العدل والمساواة والقضاء عليها إن هي أقبلت على فكرة العودة شمالاً حيث منبعها، ولا يستبعد “عطا” أن تلجأ العدل والمساواة لخيار دولة أفريقية الوسطى لكنه خيار بائس على حد توصيفه وليس تعبيره.
ومأزق بقية الحركات تجسده واقعة القبض على الناطق الرسمي باسم حركة “عبد الواحد محمد نور” “مصطفى طمبور” داخل الضعين بعد أن وشى به من كان مكلفاً بحراسته.. وقد قبضه الملازم شرطة “محمد الأمين إبراهيم محمد حسين” وأودعه للتحقيق الآن، والملازم هو ابن اللواء شرطة د.”إبراهيم أحمد حسين” أحد قيادات المؤتمر الوطني.. وحينما تحدث الفريق “محمد عطا” عن الحوار الوطني نأى بنفسه أيضاً من إطلاق الأحكام النهائية.. وجعل كل الأبواب مفتوحة لانضمام قوى سياسية معارضة للحوار في مراحل قادمة، ولم يقطع جازماً بمد فترة الحوار، ولكنه قال من الأفضل أن يستمر الحوار ولا نتعجل نهاياته.. حتى تستطيع الأحزاب والقوى المعارضة الالتحاق به.. ولم يهون من أوزان المعارضين ويقلل من شأنهم مثلما يتحدث السياسيون الآخرون.. واحترام الآخر صفة لا يتحلى بها كثير من المشتغلين في الشأن السياسي، وإذا سألت وزيراً أو سياسياً نافذاً في الحكم عن القوى التي قررت مقاطعة الحوار لأسرع في التقليل من شأنها.. وتسفيه دورها.. والحط من قدرها والحكم عليها بالعمالة والارتزاق.. وبقية مفردات اللغة التخوينية التي تهدم ولا تبني.. تخرب ولا تعمر، توغر الصدور ولا تشفي ما بها من جراحات.
ومن الإجابات التي أثارت ردود أفعال واسعة جداً في الوسط الصحافي النقد العلني الذي وجهه الفريق “محمد عطا” ولكن بذكاء شديد لموقف الصحافيين، حينما أصبح الاتحاد العام للصحافيين (رقيباً) وكتب لمدير الإذاعة “الزبير عثمان أحمد” مطالباً بوقف بث مسلسل بيت الجالوص الرمضاني للدكتور “علي بلدو” والأستاذ المخرج معاوية السقا.. “محمد عطا” عد موقف اتحاد الصحافيين ضيقاً بالنقد مرة واحدة بينما تتعرض الحكومة يومياً للنقد من قبل الصحافيين الذين لم (يحتملوا) مسلسلاً إذاعياً ينتقد سلوك بعضهم.. لكن ذلك الموقف حقاً كان محرجاً من اتحاد الصحافيين وكتب شهادة في غير صالحه ليثبت ضيق صدر الصحافة بالنقد رغم أن الموقف كان يعبر عن الاتحاد لا عن قاعدته، وقد ناهض ذلك القرار الكثيرون.. ولو كان مدير الإذاعة أي شخص غير “الزبير عثمان” لرفض خطاب اتحاد الصحافيين ورده إليهم حالاً.. وفي تلك الأيام ادعى بعض قيادات اتحاد الصحافيين أن جهاز الأمن هو من أمر بوقف بث المسلسل، لكن تبدت الآن الحقيقة وكثيراً ما ينوء ظهر جهاز الأمن بأثقال من أخطاء السياسيين. وقد أثبت “محمد عطا” حقيقة مريرة ومؤسفة إن الأجهزة الأمنية متقدمة كثيراً على الأجهزة السياسية في هذا البلد.