خبراء: المناهج المطبقة قديمة وتحتاج إلى وقفة
المناهج الدراسية بالجامعات على طاولة التشريح
تقرير- فاطمة عوض
تواجه مناهج التعليم العالي في السودان تحديات عظمى على مستوى العلوم والتخصصات العلمية، إذ يعاني الخريج الجامعي من مشاكل في الإملاء والكتابة باللغة العربية مما يتطلب إعادة النظر، فقد كثر الحديث عن عدم مواكبة المناهج والبرامج التي تقدمها الجامعات السودانية للتقدم والتطور السريع للمعرفة وعدم جودة أداء خريجيها في سوق العمل، كما أن أساليب التدريس التي تتبع فيها تركِّز على التلقين والحفظ والاستظهار، وتهمل جوانب النشاط وتنمية شخصية الطالب بجوانبها المختلفة.
وهناك أسئلة تتبادر إلى الذهن: لماذا يتخرج الطالب السوداني في الجامعة بهذا المستوى من (الركاكة) في اللغتين العربية والإنجليزية على حدّ سواء؟ وما هو واقع المناهج الدراسية في الجامعات السودانية؟ وما مدى تطويرها لمواكبة المتغيرات السريعة في المجالات المعرفية المختلفة واحتياجات سوق العمل؟ للإجابة عن هذه التساؤلات استطلعنا خبراء وأساتذة جامعات وطلاب على هامش المؤتمر القومي للتعليم العالي، وقد أجمعوا على أن المناهج الجامعية قديمة وبالية وغير مواكبة لما يحدث من تغيير للمعرفة في الجوانب المختلفة، كما أنها تركز على حشو أذهان الطلاب بالمعلومات، ولا تواكب التطور الكبير الذي يحدث في سوق العمل.
{ واقع المنهج الدراسي الجامعي
هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على أن واقع المناهج الدراسية في الجامعات السودانية ليس بالمستوى الذي يضمن مخرجات قادرة على القيام بالأدوار والمهام المتوقعة، وفقاً لدراسة أجراها د. “عبد الغني إبراهيم محمد” (أستاذ جامعي بكلية التربية جامعة النيلين)، ود. “علي حمود علي” (بكلية التربية جامعة الخرطوم).
وأكدت الدراسة قِدم المناهج التعليمية المطبقة في الجامعات، التي لا تتوافق وبيئة التعليم الحالية، خاصة في ظل المتغيرات الدولية التي فرضت بيئة تعليمية سماتها المعرفة. وتبرز المشكلة من الزيادة المطردة في أعداد الناجحين في الشهادة الثانوية، مما يزيد أعداد الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي. وقال د. “عبد الغني إبراهيم محمد” إن ضعف المستوى العلمي للطالب المقبول في الجامعة يؤثر بشكل مباشر على المناهج والطرائق التعليمية المتبعة، فمن خلال ملاحظة ضعف مستوى الطلاب، تتم محاولات مع مرور الوقت لتكييف المناهج والطرائق التعليمية مع مستوى الطالب، مما يُؤدي إلى تدهور المناهج، فأصبحت العلاقة طردية بين مستوى الطالب ومستوى جودة المناهج الجامعية، وأشار إلى عدم وجود هيئة متخصصة في التخطيط الإستراتيجي للمناهج التعليمية الجامعية، مع ضعف البنى التحتية للجامعات، بجانب ارتفاع أعداد الطلاب، وسياسات القبول التي تركز على الكم بغض النظر عن الفرص الحقيقية المتاحة بالجامعات، والنقل الحرفي للمقررات، وبرامج المواد من مقررات بعض الجامعات المتقدمة أحياناً التي لا تتوافق مع البيئة التعليمية للجامعات السودانية، فضلاً عن التأثير السلبي لمناهج التعليم العام على مناهج التعليم العالي، إذ إن ضعف المناهج في التعليم العام له أثر مباشر على الطرائق التعليمية في التعليم الجامعي.
وكذلك قلة، وأحياناً انعدام فرص الابتعاث للتأهيل والتدريب الخارجي لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات، الأمر الذي يقلل من فرص الاحتكاك واكتساب الخبرات لدى الأساتذة، مما يؤدي إلى ضعف الكفاءات اللازمة لتطبيق المناهج والمقررات الدراسية، بالجودة المطلوبة.
وأوضح د. “عبد الغني” أن عدم توافق ومواكبة البرامج والمناهج الدراسية المطبقة للتطورات التقنية الحالية، يؤدي إلى أن تكون البرامج والمناهج المطبقة في كثير من الأحيان غير متوافقة والتقنيات المعلوماتية الحديثة. كما أن ضعف توظيف التكنولوجيا الحديثة في عمليتي التعليم والتعلم، وعدم التوافق ومسايرة التطورات الحاصلة على الساحة المعلوماتية، يؤدي إلى إضعاف مصداقية المناهج التعليمية المطبقة، وأيضاً الفجوة القائمة بين البرامج التعليمية لبعض التخصصات، وواقع سوق العمل على المستويين الحكومي والخاص. فمن المعلوم أن الجامعات التي تراعي معايير الجودة في برامجها ومناهجها، تعمل على تعزيز برامجها التعليمية من خلال ربطها بواقع ومتطلبات سوق العمل. وتُظهر هذه الفجوة شرخاً كبيراً بين البرامج التعليمية، وطرائق تطبيقها، وواقع سوق العمل، ويؤدي هذا بالطبع إلى إضعاف مصداقية تلك البرامج، والطرائق التعليمية المتبعة لتنفيذها لدى المستفيدين على المستوى المحلي.
وأشار إلى صعوبة مجاراة مناهج التعليم الجامعي للتطورات الحديثة في مجالات العلوم والتكنولوجيا المختلفة، وتدني مستوى استجابتها لمتطلبات مهمة مثل الارتباط باحتياجات سوق العمل، ومراعاة التوازن بين النظري والعملي، الذي يلاحظ من خلال الساعات المخصصة للتدريب العملي. وأيضاً غلبة الكم على الكيف، واعتماد المنهج الدراسي بشكل رئيسي على الملازم والملخصات، وقلة الاعتماد على الكتب المنهجية، مع ندرة أو انعدام الكتب المنهجية الرصينة المؤلفة بواسطة أعضاء هيئة التدريس.
ويرى مدير جامعة سابق، أن مناهج مؤسسات التعليم العالي ضعيفة جداً، وقديمة وبالية في جوانبها العلمية والتقنية، ولم يراجع بعضها منذ عشرين عاماً، بسبب ضعف الإمكانات العلمية والمالية والصرف على التعليم.
ويقول خريج جامعي: (من واقع تجربتي الشخصية هناك عدم انسجام واضح بين مقررات الجامعة ومتطلبات سوق العمل، خاصة في مجال برامج الكمبيوتر). وأضاف إن الجامعات تقوم بتدريس نفس المناهج التي كانت تدرس في الستينيات من القرن الماضي.
وأشار طالب آخر (خريج هندسة) قائلاً: (واجب علينا كمهندسين أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: هل المقررات الجامعية التي درسناها بالجامعات تحقق الحد الأدنى مما يطلبه سوق العمل؟ أم أننا ما زلنا ندرس تاريخ الهندسة أو تخاريف الهندسة، كما كنا نسميها أثناء دراستنا الجامعية؟ فكل ما درسناه كان عبارة عن تقنيات قديمة، أصبحت غير مجدية في هذا الزمان المتسارع العجلة. والآن أصبح هنالك المهندس الشامل الذي يقوم بعمل التصميم والرسم المعماري والمدني والكهربي والتنفيذ والإشراف، وكل ذلك موجود أمامه على شاشة الحاسب الآلي).
خبير تربوي أكد أن المناهج الدراسية بالجامعات بصورة عامة تحتاج لوقفة بسبب (الحشو بالمواد) التي تمثل عائقاً أمام الطالب في عملية التحصيل الأكاديمي بمواد التخصص، والتمسك بدراسة المطلوبات (ويقصد بها مطلوبات الجامعة)، التي يعدّها عدد كبير من الطلاب (غير مجدية)، بالإضافة إلى عدم توفر الجانب العملي في عدد من المجالات الدراسية التي تحتاج للتطبيق على أرض الواقع، من خلال الدراسات الميدانية، مما يفضي إلى وجود خلل بين الجانبين النظري والعملي.
وطالب الخبراء التربويون الذين استطلعتهم (المجهر) بإعادة النظر في المناهج التعليمية الجامعية بقصد تعديلها وتطويرها بطريقة متكاملة واختيار المحتويات العلمية التي تضمن إعداد متعلمين بمستوى عالٍ من المعرفة والمهارات في مختلف التخصصات والمعارف المستحدثة، ومراجعة كيفية التعامل مع المعرفة من حيث طرائق تدريسها وأساليب تقويم التحصيل العلمي للمتعلمين والخلط الشائع في تحديد وصياغة أهداف المنهج، مؤكدين وجود تداخل بين كل من مصادر الأهداف ومجالاتها ومستوياتها المتعددة.
وشدد الخبراء على ضرورة التطوير المستمر لمناهج التعليم العالي من خلال تخصيص برنامج للبحث والتطوير، وتوفير الموارد المالية المناسبة، وتوفير الكتاب الجامعي باللغة العربية واللغات الأجنبية في مختلف التخصصات، بجانب تشجيع حركة الترجمة والتأليف والنشر لتوفير المراجع العلمية المناسبة، وتوفير الظروف المناسبة لعضو هيئة التدريس الجامعي التي تمكنه من التدريس والبحث والتطوير الذاتي، وتشجيع أساتذة الجامعات والمختصين والمفكرين للعمل على تأصيل العلوم الاجتماعية، والطبيعية وتقويم المناهج الدراسية.