حوارات

أمين الأمانة العدلية في المؤتمر الوطني "مولانا الفاضل حاج سليمان" في حوار مع (المجهر)

الحكم الاتحادي ليس مسألة مجردة أو مطلقة.. والسودان ليس أمريكا
رئيس الجمهورية متمسك بتعيين الولاة بسبب النزاعات القبلية التي أفرزتها عملية الانتخابات
القيادة السياسية تحتاج للتوعية.. ولماذا لم تكن لدينا كل هذه الأحزاب في الديمقراطية الأولى؟
لا وجود لقانون محصن ضد المراجعة.. والتحلل ليس فيه القصد الجنائي
في ظل دوران البلاد في فلك الحوار الوطني وفض الملفات على أمل إيجاد الحلول وتوحيد الصف الوطني، جلسنا إلي مولانا “الفاضل حاج سليمان” لقراءة الخطوط العريضة للأوضاع في البلاد والوقوف على مشروع “ثقافة احترام القانون” الذي تبنته الأمانة العدلية مروراً بقضايا التحلل والدستور الانتقالي ومراجعة القوانين.. فإلى مضابط الحوار:
المجهر- ميعاد مبارك
*هل ارتدت حكومة الحكم اللا مركزي فيما يلي تعيين الولاة تحت دعاوى الفساد الانتخابي؟
–    لا أعتقد أن إعطاء رئيس الدولة المنتخب سلطة تعيين الولاة فيها انتقاص من حق المواطنين في الولاية ورأيهم في اختيار الوالي، لأن رئيس الدولة منتخب من ولايات الدولة، مسؤول عن إدارة السودان كله، والسودان عبارة عن ولايات ورئيس الدولة مساءل عن حسن الإدارة وتحقيق المطالب والحقوق لطالبيها في الولايات، لأنه لا وجود لشيء اسمه المركز مفصول من الولايات، وحتى الرئيس موجود في ولاية “الخرطوم” وليست لديه أي صلاحيات فيما يتعلق بالسلطات الممنوحة للولايات، لذلك لو أصبح رئيس الجمهورية هو الذي يعين الوالي، فذلك بصفته منتخباً من كل ولايات السودان ومن حقه أن يعين الشخص الكفء ويبقى هو المسؤول الأول أمام الشعب السوداني كله عن من عينهم من الولاة إذا فشل أحدهم وخان التكليف، فمن حق الرئيس أن ينزعه ويقدمه للمساءلة والمحاكمة.
*ألا يعتبر عزل ولاة منتخبين ردة قانونية؟
–    لا أظن أنها ردة، والرئيس لم يتغول على هذه المسألة، المواطن هو الذي انتخبه وأعطاه ولاية عامة.
*وما فائدة انتخاب الولاة إذاً؟
–    إذا تمسك رئيس الجمهورية بتعيين الولاة لا أعتقد أن في الأمر حرماناً للمواطن من حق؛ فهو مسؤول عن أن يوفر للمواطن خدماته وحقوقه.
*هل سيبقى خيار التعيين قائماً ونحن في ظل الحكم الاتحادي؟
–    الحكم الاتحادي ليس مسألة مجردة أو مطلقة تطبق بنفس الطريقة التي تطبق بها في الولايات المتحدة الأمريكية، الوضع مختلف في السودان.
*وكيف تضبط؟
–    يضبطها أولاً وجود البنيات الأساسية في المنطقة المعنية وأهمها التعليم في المجتمعات المتخلفة، والسودان في هذا الجانب مجتمع لا تزال القبلية موجودة فيه، وهذه واحدة من المبررات التي صاغها رئيس الجمهورية لتمسكه بتعيين الولاة، ما أفرزته التجربة الانتخابية للولاة من صراعات ونزاعات قبلية أفرزتها عملية الانتخابات.
*ترون أن المواطن ليس بالوعي الكافي لاختيار الولاة؟
–    أعتقد أن تأثير القبلية والجهوية خاصة بعد أن ترك أمر اختيار الولاة من داخل الولاية، والولايات في معظمها تركيبتها قبلية، والقبيلة مصدر نزاع إذا دخلت في العملية السياسية، وفي الانتخابات الرئاسية تغلب الناحية السياسية والأحزاب السياسية، أما الانتخابات الولائية فتغلب عليها تركيبتها القبلية.
*أليس مواطني الولايات هم أنفسهم من يصوتون في الانتخابات الرئاسية؟
–    يصوتون برؤية حزبية.
*تعني أن المواطن يسير من قبل  قادة الأحزاب؟
–    نعم الأحزاب يكون دورها أكبر من القبيلة في انتخابات رئاسة الجمهورية.
*أنت ترى أن المواطن لا يملك رؤية خاصة ويسير حسب الأحزاب؟
–    نعم والمرشحون أنفسهم لا تسيطر عليهم الصبغة القبلية وإنما الانتماء الحزبي (يجيك مرشح مثلاً فيه الصبغة القبلية من الولاية الفلانية المنطقة الفلانية والولايات التانية ما بتدعمه ليك، لكن الحزب المعني يجيب مرشح الحزب المعني عنده وجود في كل الولايات ودي واحدة من محاسن العمل الحزبي أنه يتخطى القبيلة والجهة إلى المستوى القومي)، وبما أن الحزب لديه وجود قومي في كل الولايات في السودان، وعضوية الحزب حسب نص قانون الأحزاب يفترض أن تكون شاملة وألا يقوم حزب على قبيلة أو جهة ورئيس الجمهورية نفسه عندما يرشح، يرشح من عدة ولايات منصوص عليها في القانون.
*هل دخول الإدارة الأهلية في السياسة هو جزء من الأسباب التي احتكم عليها في مسألة تعيين الولاة؟
–    أعتقد أن تسييس الإدارة الأهلية واحد من الأشياء الخطيرة جداً، لأن القبيلة ليست وحدة سياسية، هي وحدة اجتماعية يعني مثلاً لو سألوني قبيلتك شنو، حأقول ركابية لكن في داخل أسرتي من ينتمي للاتحادي الديمقراطي وغيره ولكن في النهاية نحن لا نستطيع أن نخرج من القبيلة، ليس من الممكن أن يأتي أحدنا ويقول خليت قبيلة الركابية لأصبح جعلي، لكن أنا ممكن أخلي المؤتمر الوطني عشان أبقى اتحادي، لكن عندما تسيس القبيلة ويمشي زعيم القبيلة يأيد ويبايع حزباً، هذا انتهاك لحقوق أبناء قبيلته.
*عندما تتعمد الأحزاب استقطاب القبائل، ألا يؤثر هذا على الانتخابات الرئاسية كما الولائية؟
–    من وجهة نظري ليس من حق أي زعيم قبيلة أن يتكلم باسم القبيلة سياسياً والأحزاب السياسية يجب ألا تتعامل مع القبائل تعاملاً سياسياً، وينبغي أن نشجع الانتماء القبلي عندما يكون في إطار العلاقات الاجتماعية ومعالجة مشكلات المجتمع، والعمل السياسي تقوم به التكوينات الحزبية القائمة على الاختيار الحزبي.
*أليست هنالك قبلية مبطنة في الأحزاب؟
–    في قانون الأحزاب نحن مطالبون ألا ندخل العملية القبلية والجهوية في التكوين الحزبي.
*وكيف تضبط؟
–    تضبط بالقانون.. العمل الحزبي يقوم على الاختيار الحر عبر عقد المؤتمر العام، وهذا منصوص عليه في القانون أن أي حزب يجب أن يعقد المؤتمر العام وتنتخب القيادة بصورة حرة ومباشرة.. فإذا الجمعية العمومية اختارت الرئيس من ولاية ونائبه من نفس الولاية، ليس هنالك ما يمنع.
*وماذا عن تغليب الوجود لقبيلة معينة في القاعدة الحزبية.. حفظ الكراسي؟
–    نحن محتاجون أن نطور مفاهيمنا للأحزاب السياسية، فوجود مئة حزب تخلف في تقديري وعدم إدراك وعدم فهم للتكوين الحزبي نفسه، ومعناه أنك تفتت المجتمع، وسبب تكوين الأحزاب هو معالجة قضايا الوطن، وقضايا الوطن صارت معروفة ومحددة، مثلاً الحوار الدائر الآن دائر حول ستة محاور معروفة وهي جملة القضايا التي يمكن أن يحصل فيها خلاف بين تكوينات المجتمع، ولذلك عندما يكون هنالك مئة حزب وأي حزب عنده رؤية في موضوع الهوية، مثلاً مختلفة عن الـ(99) حزباً الثانية، وأنا أمامي الآن بعض الأوراق والأشياء المطروحة في الحوار الوطني لم أجد خلافاً كبيراً بين المئة حزب حول الموضوعات المطروحة للحوار، وإذا وجدت فهي خلافات بسيطة جداً وليست جوهرية، وهذا يعني أننا بحاجة لتطوير مفهومنا للتكوين الحزبي، يجب أن نُكون كيانات كبيرة والكيان الكبير يعبر بصورة أقوى عن اختلاف وجهات النظر مثل ما هو موجود في الدول المتقدمة، وفي هذا الجانب نحن لا زلنا متخلفين والدلالة على ذلك وجود مئة حزب الآن في السودان.
*هنالك تقاطع بين تقليص عدد الأحزاب ومسألة الحريات؟
–    هي مسألة الثقافة، القيادة السياسية محتاجة للتوعية والسؤال الذي يُطرح لماذا لم يكن لدينا كل هذه الأحزاب في الديمقراطية الأولي، مزيد من إطلاق الحريات هو مزيد من تقليص هذا الكم الهائل من الأحزاب.
*ونحن في ظل حوار وطني هل تقليص الأحزاب موضوع مطروح؟
–    الأحزاب لا تقلص بالقانون ولكن أنت إذا فتحت الحريات والحوار نجح وعادت كل القوى السياسية إلى الداخل ستعود الأحزاب المنفصلة لكيانها الأول.
*الانتماء القبلي أقوى بسبب التخوف من أن الأحزاب نفسها لا تستطيع الحفاظ على وحدتها؟
–    وكلما ضعف الانتماء الوطني كلما قوي الانتماء القبلي والجهوي، لأن المواطن عندما يشعر بأنه لا وجود له على مستوى الانتماء الحزبي يعود إلى القبيلة، وأنا أربط هذا الأمر بالانفلات الأمني الموجود في عدد من المواقع يعزز ظهور القبلية، لأن الإحساس بالحاجة لجهة تحميك يجعلك تلجأ لقبيلتك في ظل الصراع القبلي، والتوجه القبلي لا ينتهي إلا بسلطة حزبية قوية تحقق للناس تطلعاتهم في الانتماء السياسي، ويقوى ذلك بوجود حريات والأمن والاستقرار السياسي، ولأن هنالك مشكلة الاستقرار السياسي والجانب الأمني.
*لا يزال الدستور انتقالياً منذ انفصال الجنوب، متى ستشهد البلاد دستوراً دائماً؟

–    في الدستور الانتقالي الباب السابع عشر تتكلم الفقرة عشرة من المادة (226) عن أن يحكم هذا الدستور الفترة الانتقالية ويكون خاضعاً لأي تعديل، ووفقاً للمادة (224)، لا يجوز تعديل هذا الدستور إلا بواسطة ثلاثة أرباع جميع أعضاء المجلسين في اجتماع منفصل لكل منهما، بشرط أن يقدم مشروع التعديل قبل فترة شهرين على الأقل من المداولات، لكن المادة (226) الفقرة تسعة (يحكم هذا الدستور الفترة الانتقالية ويكون خاضعاً لأي تعديل أو مراجعة وفقاً للمادة (224) ويظل سارياً إلى حين اعتماد دستور دائم، والآن الحوار الجاري واحدة من المسائل التي يجب أن يعالجها هو الدستور الدائم.

*هل عدم وجود دستور دائم هو أحد أسباب الانتكاسات التي تمر بها البلاد؟

–    لا يوجد فرق بين احترام الدستور الانتقالي.

*لكنه مثار جدل، لماذا هو انتقالي حتى الآن؟
*يمكن أن يكون عدم الاستقرار السياسي أحد الأسباب ومن المؤثرات على تأخر صدور دستور دائم.
* أتعني أن الدستور الدائم مرهون بالاستقرار السياسي؟
–    صناعة الاستقرار السياسي واحد من آلياته الحوار القائم الآن، لذلك أنا أؤكد أن الأحزاب السياسية السودانية ما زال فهمها قاصراً، وينبغي لها أن تأتي للداخل وتقول كلمتها للوصول لحل، والحكومة ورئيس الجمهورية ملزمان بإنفاذه، وإذا ما نفذته الحكومة يبقى من حقهم اتخاذ الموقف الذي يرونه.
*هنالك جدل كبير حول التحلل وكونه باباً من أبواب الفساد؟
– أنا شخصياً أعتقد أنه ليس هناك شيئاً اسمه تحلل، إذا ارتكبت فعلاً يشكل جريمة، بموجب القانون ينبغي أن تقدم للمساءلة القانونية، التحلل ليس فيه القصد الجنائي، بل فقط في حالة دخول أموال عليك من غير إرادة منك وشعرت بأنك أخذت شيئاً ليس من حقك.
*ماذا تعني بمن غير إرادة؟
–    أبسط مثال في المخصصات التي تصرف للمسؤولين، إذا أخذت امتيازاً في المستحقات مثلاً عربة بعد الخدمة أو مبلغ، أنت في القانون لا تستحقه وأنت راغب في التحلل منه، لكن إذا صدقت لنفسك أو زورت في الإجراءات وأخذت حقاً عاماً، ولم يتم اكتشافه واستفدت منه السنة الأولى والثانية، وقام جهاز الرقابة والأمن أو أي من الأجهزة العامة، باكتشاف أن هناك مبلغاً في الفترة الفلانية أخذه فلان الفلاني بدون مبرر، واتخذوا ضدك إجراءات، تجي تقول داير أتحلل من المبلغ، لا مافي حاجة اسمها أتحلل، وتفتح فيك الإجراءات، والتحلل الذي يتحدثون عنه هو تحلل تقترحه لجنة التحقيق وعندها سلطات النيابة، حيث إنها تحقق وتتحرى وتفحص وتدقق إلى أن تصل للشخص الذي ارتكب فعلاً يشكل مخالفة للقانون، مثلاً الخدمة العامة، تفتح عليه الإجراءات وبعدها يتحلل ويبرئ نفسه أمام القضاء.
*ويعاقب؟
–    نعم لأنها جريمة أنت ارتكبتها ولم تكشف إلا بعد تشكيل لجنة تحقيق ومثولك أمامها.
*هل ترون أن التشريعات فيما يلي المال العام والولاية عليه، كفيلة بحمايته من التجاوزات؟
–    نعم إذا تم التشديد على العقوبة والإجراءات يمكن أن تكون واقٍ من ارتكاب الجرائم المتعلقة بالمال العام.
*هنالك حديث حول نية الحكومة تعديل (60) قانوناً، ما هي أبرز هذه القوانين؟
–    دعيني أولاً أصحح نقطة تعديل هذه،  هو ليس تعديلاً وإنما مراجعة لنصوص قانونية، والتعديل يعني أنك أقريت أنه محتاج لتعديل، لكن المراجعة أشمل، على سبيل المثال لو قلت أراجع قانون الأمن الوطني، تعني أراجعه من سمات العامة إلى نصوصه الأخيرة، ومبررات وجود هذه النصوص وكل هذه التفاصيل ولا وجود لقانون محصن ضد المراجعة وبين كل حين وآخر تراجع القوانين.
*وما هي أبرز هذه القوانين؟
–    القوانين التي ذكرها وزير العدل هي الأمن الوطني والنيابة العامة وقانون الإجراءات الجنائية والقانون الجنائي نفسه وقانون النظام العام.
*قانون النظام العام مع أنه قانون ولائي إلا أنه سيئ السمعة عالمياً وأثار كثيراً من المساجلات مع حقوق الإنسان؟
–    كما قلت هو من القوانين التي تخضع للمراجعة الآن، وهنالك حديث حول أن يصبح القانون قومياً إذا وجدت حاجة لاستخدامه، وإذا أفضت المراجعة إلى عدم الحاجة إلى إصدار قانون النظام العام، فمن المتاح للسلطة التشريعية أن تلغيه وتعتبر النصوص الواردة في القوانين الأخرى كافية لمعالجة الأمر.
*قبل فترة تم القبض على رياضيين بسببه وفي كثير من الأحيان يدخل في عادات وتقاليد بعض الجماعات؟
–    هنا يأتي دور المراجعة.. وأنا لا أتنبأ، لكن هذه المراجعة قد تفضي وقد لا تفضي لتعديلات، لكنها واحدة من الأساسيات للمحافظة على حقوق الإنسان وعدم انتهاك الحقوق العامة.
*قانون النظام العام سلطة تقديرية في يد أي عسكري وممكن يكون باباً من أبواب التبلي؟
–    أي قانون تكون فيه روح تعدٍ على حق عام أو تعدٍ على حقوق الإنسان  هذه ضمانة المراجعة والتعديل، ربما يستصحب معه المبدأ العام للمراجعة، وهذا يؤكد على حقوق الإنسان والحقوق عامة، وليس من الحق في شيء أن تعطي الحق الدستوري باليمين وتأخذه بالشمال.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية