كيف تفكر رئيسة الحزب الاتحادي الديمقراطي الليبرالي؟
“بيريسترويكا” الوسط.. مشروع “ميادة سوار الدهب”
إعداد – عادل عبده
المقدمة:
الدكتورة “ميادة سوار الدهب” رئيسة الحزب الديمقراطي الليبرالي امرأة مقاتلة من الدرجة الأولى لا تعرف ترطيب المواقف وتدليس الإشارات، طغى دورها في عالم السياسة وإيقاعات المجالس، حيث أجبرت الوسائط الإعلامية على قراءة أفكارها والتقاط حراكها الكثيف في الساحة.
دكتورة “ميادة” تحمل الآن مشروعاً ثقيل الحمل يتمثل في خطوة “بيريسترويكا” خط الوسط وتصحيح مساره بعد أن اضمحل في أيدي الاتحاديين، وحاول البعض اختطافه، فالفكرة مليئة بالمخاطر الحقيقية والتحديات الجسيمة، غير أن “ميادة” تحاول تغيير مجرى الأشياء وربما يكون في دواخلها أشياء من “كليوباترا”.
من وحي الفكرة تقول “ميادة” إن الوسط القديم قد مات بفعل التطورات الهائلة في المجال الفكري والحياتي، ولم يعد مدهشاً ويحتاج في الوقت الراهن إلى قراءة مواكبة ومراجعة ذكية، وتراهن على الوسط الحديث الذي يعكس المدرسة الأخلاقية والمشحون بالمضامين العصرية الوطنية الفاعلة والقادر على فتح مسارات الديمقراطية الصحيحة وبناء المجتمع.
ونجد في السياق الدكتور “علي السيد” يعترف بأن الوسط تتقاذفه الآن الرياح العاتية، بينما تعترف الأستاذة “سارة نقد الله” بأن مهمة “ميادة” صعبة ومتشابكة.
{ إثبات الذات
إذا نظرنا إلى العتبة العمرية نجد أن الدكتورة “ميادة سوار الدهب” رئيسة الاتحادي الديمقراطي الليبرالي أصغر امرأة تقود حزباً سياسياً في البلاد، فهنالك الدكتورة “فاطمة عبد المحمود” رئيسة الاتحاد الاشتراكي السوداني، والأستاذة “آمنة ضرار” رئيسة حزب الشرق الديمقراطي، والأستاذة “جلاء الأزهري” رئيسة الوطني الاتحادي الموحد، ولا يستطيع أحد إنكار النشاط الدافق والحراك الكثيف الذي تبذله “ميادة” في المشهد السياسي، فهي تتحرك على مدارات عديدة ودوائر مختلفة من خلال مناهضة النظام الحاكم وتوحيد قوى المعارضة، وإضاءة المصابيح على أخطاء الإنقاذ وتعلية ميكانيزم الرؤية المناوئة للحكومة.
في خضم الذاكرة، توجد القنبلة الهائلة التي ألقتها “ميادة” في الساحة السودانية عندما أطلقت مبادرة (سودان الغد) التي تدعو صراحة إلى اجتثاث النظام من جذوره، فضلاً عن قيامها بالترويج للمبادرة لدى معظم رموز القوى السياسية الوطنية على رأسهم الإمام “الصادق المهدي”. ورأت “ميادة” أن المبادرة تعكس الحل الأمثل لنظام لن يفكك نفسه مهما فتحت أمامه أبواب التسوية، وقبل ذلك أعلنت عن ترشيح نفسها لانتخابات رئاسة الجمهورية في خطوة تكتيكية مرسومة.
رويداً رويداً، صارت “ميادة” خلال الفترة الأخيرة ترسل الإشارات الحارقة صوب المعارضة، حيث ذكرت بأن الجماهير فقدت الثقة في المعارضة غير أنها قالت إنه يمكن أن يتناغم حزبها مع قوى المعارضة، إذا اتفقوا على رؤية واحدة واختاروا هدفاً واقعياً ومتماسكاً في سبيل التغيير المنشود.
{ هيكلة الاتحادي الديمقراطي الليبرالي
جاء ميلاد الاتحادي الديمقراطي الليبرالي استجابة لنداء وطني، وتجسيداً لرغبة عارمة من الجمهور الذي يعشق لوازم الديمقراطية والشفافية، فالأشياء المتناغمة دائماً تتجاوب على جناح السرعة، لذلك كان الطريق مفروشاً بالورود لقيام الاندماج التاريخي بين الاتحادي الليبرالي بقيادة الدكتورة “ميادة سوار الدهب” والاتحادي الديمقراطي السوداني بقيادة “أحمد الطيب زين العابدين”.
انطلق الحزب بعد الاندماج بقيادة “ميادة” في ظل التنسيق التام مع “أحمد زين العابدين”، فكان وجوده في الساحة ملء السمع والبصر.
البعض وصف الحزب بالصفوية، لكن الدكتورة “ميادة” ترى أن الصفوية مصدر ثراء للحزب، وتضيف بأن الاتحادي الديمقراطي الليبرالي خليط بين النخبوية والشعبوية وهذه الخصوصية تؤهله لخدمة السودانيين على مختلف مشاربهم.
{ السيرة الذاتية
الدكتورة “ميادة عبد الله النور سوار الدهب” تنتمي إلى عائلة “سوار الدهب” المعروفة التي تقطن منطقة العيلفون، وهي من مواليد الخرطوم وتسكن الخرطوم بحري (حي الصبابي)، وتخرجت في جامعة الأحفاد وتخصصت بالطب النفسي وتعمل كنائب اختصاصي في مجال الطب النفسي وتحصلت على زمالة الأطباء النفسانيين.
الدكتور “ميادة” مارست العمل النقابي، وهي عضو في العديد من المراكز الطبية والثقافية، فضلاً عن قيامها بتقديم استشارات مجانية للأطفال المصابين باضطرابات نفسانية وهي متزوجة ولها ابن واحد.
{ بيريسترويكا الوسط
على المستوى الشخصي، دخلتُ في حوارات مطولة ومناقشات كثيفة مع الدكتورة “ميادة” في محاولة لقراءة أفكارها وملامسة الأيديولوجية التي تسير على أوتارها، وقد لاحظت اهتماماً بالغاً من جانبها بخط الوسط.. وكيف يحتاج إلى إعادة بناء من جديد. وذكرت “ميادة” أن خلاصة ما تقوم به خطوات مدروسة في المشهد السياسي يرمي إلى إحداث بيريسترويكا على خط الوسط.
تقول الدكتورة “ميادة”: (نحن أصلاً لا ننتمي إلى اليمين أو اليسار.. لذلك قمت بمحاولات عديدة مع رموز كثيرة في كيانات الاتحاديين حول تحديث خط الوسط ومعالجة كبوته، غير أن محاولتي ذهبت أدراج الرياح، فالأمر كان طبيعياً بحسبان أن الاتحاديين الذين يعانون من طاحونة الانقسامات والتشرذم غير مؤهلين لمراجعة الوسط وتطويره)، وتضيف قائلة: (كذلك لاحظت أن المؤتمر الوطني يحاول اختطاف الوسط وارتداء قميصه في غفلة من أصحابه غير المبالين)!!
وتعترف “ميادة” بالصوت العالي قائلة إن خطهم الإستراتيجي الآن يتمثل في تطبيق “بيريسترويكا” الوسط، وتضيف من وحي تصورها إن الوسط القديم قد مات لأن هنالك مياهاً كثيرة قد جرت تحت الجسر.. فالتطورات الهائلة في المجال الفكري والحياتي قد جعلت منه نمطاً عجائزياً يحتاج إلى قراءة مواكبة ومراجعة ذكية، سيما وأن خصوصية الوسط وتفرد نكهته تجبر المرء على ضرورة القيام بتطويره وإصلاحه وليس إدارة الظهر له. وتقول “ميادة” إن الوسط لم يعد يذهل الجمهور ببناء الشفخانة والبئر الارتوازية في عصر السفر بسرعة الصوت وزراعة الطماطم في المياه، وأن الوسط تضرر كثيراً من البكاء على الإرث التاريخي والتغني بالمزاج السوداني، فالوسط الذي نريده يجب أن يكون مشحوناً بالمضامين العصرية الوطنية الفاعلة، وأن يقُدم كمدرسة أخلاقية تعالج سخائم النفوس واعوجاج الذات وأن يكون منارة في الدهليز المظلم كيما يفتح المسارات من أجل الديمقراطية الصحيحة والرفاهية وبناء المجتمع!!
{ الموقف من السلطة
دخلت الدكتورة “ميادة سوار الدهب” معتقلات الإنقاذ مرات عديدة على خلفية العلاقة الضدية بينها وبين الحكومة، وقد كان أشهر اعتقال في يوليو 2012م. ويرى الكثيرون أنها تتحرك من سلاح المنازلة والتصميم على محاربة الإنقاذ من خلال قناعات راسخة ورؤية متماسكة، ومن أقوالها المشهورة إن التمكين يقف معوقاً أمام التغيير في ظل دولة حاكمة (26) عاماً، فضلاً عن رفضها لنتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة.
وعلى صعيد آخر، ظلت “ميادة” تزور أسر الشهداء الذين سقطوا في التظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة وتقدم واجب العزاء لهم، علاوة على قيامها بزيارة أسر جرحى التظاهرات في المستشفيات بمعية وفد من الاتحادي الديمقراطي الليبرالي وبعض شرائح المعارضة!!
{ النشاط الحزبي والمهني
الدكتور “ميادة سوار الدهب” عضو مجلس إدارة (مركز علي عبد اللطيف للثقافة ودراسات التنمية)، وعضو الهيئة الاستشارية للمنظمة الدولية للعدالة والحرية والسلام، ومسؤولة تنظيم منظمة (تواصل النسوية العالمية) بالسودان، وهي صاحبة فكرة إنشاء رابطة النساء الليبراليات العربيات.. ومثلت الاتحادي الديمقراطي الليبرالي في العديد من المحافل الدولية، حيث سافرت إلى إثيوبيا في قمة التوقيع على وثيقة (نداء السودان)، وكذلك توجهت إلى لبنان والأردن في المؤتمر الدولي للأحزاب الليبرالية، وأيضاً سافرت إلى جزيرة زنجبار في مؤتمر الليبرالية الأفريقية، وتوجهت إلى مصر والمغرب وأسبانيا والعديد من الدول الأخرى في مؤتمرات سياسية.
{ هؤلاء قالوا
يقول الدكتور “علي السيد” القيادي بالاتحادي الديمقراطي الأصل: (يجب أن نفكر بأن النساء قادمات، فالمرأة السودانية قلبت الموازين رأساً على عقب من خلال الكفاءة والقدرة والتصدي للمسؤوليات الوطنية، وأرى أن الدكتورة “ميادة” تمثل صيغة امرأة مؤثرة في الساحة السودانية خلال المستقبل)، ويضيف قائلاً إن تصدي “ميادة” لإصلاح الوسط يحتاج إلى جهود مضنية وعزيمة قوية، فالوسط الآن تتقاذفه الرياح مثل اليتيم الذي لا عائل له، فالاتحاديون صاروا يتصارعون مع بعضهم البعض، وبذلك ضاعت البوصلة التي تقودهم إلى الأمام.
وفي السياقـ تقول الأستاذة “سارة نقد الله “الأمين العام لحزب الأمة القومي إن الوسط قيمة سياسية واجتماعية وأخلاقية كبيرة وملهمة وموجودة في الدين والأعراف والتقاليد، لذلك أرى أن مهمة الابنة الدكتورة “ميادة” صعبة ومتشابكة تحتاج إلى تضافر الجهود المكثفة وإشراك الفعاليات المؤثرة من أجل مراجعة الوسط وتطويره، وأرى أن محاولة اختطاف الوسط من الذين لا يعرفون قيمته وخصوصيته مسألة مؤسفة ومؤلمة.
{ المشاركة في (قوت)
الاتحادي الديمقراطي الليبرالي الذي تقوده الدكتورة “ميادة” عضو مؤسس في تنظيم (قوت)، وهم جماعة سياسية مناهضة للحكومة وموازية لقوى الإجماع الوطني المعارض، ويتكون التنظيم من قيادة سداسية أبرزهم الدكتور “غازي صلاح الدين” رئيس حركة (الإصلاح الآن) والشريف “صديق الهندي” والدكتورة “ميادة” والأستاذ “يوسف محمد زين” رئيس الوطني الاتحادي والأستاذ “فرح العقار”.
الخط السياسي لتنظيم (قوت) يرتكز على إسقاط النظام بالوسائل الممكنة في ظل التعنت الذي يلازم منهج الحكومة، وأيضاً عدم المشاركة في أية مائدة للحوار ما لم تقم السلطة الحاكمة بتنفيذ إجراءات بناء الثقة فعلاً لا قولاً، علاوة على وجود الضمانات الكافية التي يوافق عليها الفرقاء على المائدة.
{ كيف تفكر؟؟
الدكتورة “ميادة” تضع أفكارها على قالب ساخن، وتميل إلى الشفافية والوضوح في التعامل السياسي، وتهتم بالتفاصيل والأمور الدقيقة في اتخاذ القرارات الإستراتيجية، ولا تستخدم “ميادة” الأدوات السينمائية في توصيل الأهداف والمقاصد التي تريد إرسالها إلى الأطراف الأخرى، وقد حسمت جميع المناوئين لها داخل الحزب بأسلوب ذكي جعل قرار المغادرة يبدو كأنه لم يأتِ منها وإنما جاء من هؤلاء المخالفين!!
==