"جوبا" تتحسب لخطر قادم وتهدد بإسقاط أية طائرة تخترق مجالها الجوي
“استيفن لوال”: هذا إجراء وقائي تجاه قرار مرتقب بتدخل دولي
الخرطوم ـــ محمد جمال قندول
أصدرت القيادة العسكرية للجيش بدولة جنوب السودان توجيهات صارمة لقوات الدفاع الجوي بإسقاط أية طائرة تدخل فضاء الدولة الوليدة دون الحصول على تصريح رسمي، وذلك على خلفية دخول طائرة عسكرية حاملة معها السلاح.. إلى هنا انتهى الخبر الذي أوردته العديد من الصحف، ورغم أن دولة الجنوب لم تبين هوية الدولة التي اخترقت مجالها الجوي، أو حددت دولة بعينها، بل اكتفت بأن توجه رسالة تصل لمن تريد أن تصل إليه دون توضيح.
{ مشكلة التكهن
القارئ للخبر بمجرد مروره على فحواه سيتساءل عن الجهة المقصودة بالتحذير شديد اللهجة الذي أطلقته سفارة الجنوب، وعما إذا كان السودان ضمن الجهات المقصودة بذلك التحذير وما ينطوي عليه من اتهامات مبطنة، خاصة أن دولة الجنوب ظلت تكيل الاتهامات للسودان، دون كلل أو ملل منذ انفصالها واستقلالها، وفي مواجهة كل مشكلة اعترضت سبيلها، غير أن الخبير الأمني وعضو شورى الحركة الإسلامية العميد (م) صلاح كرار يرى غير ذلك، ويعدّ الخوض في مسألة تحديد اتهام الدولة الوليدة (مشكلة) في حد ذاته، وذلك لخلو دفاتر الاتهام من اسم السودان، ولو بصورة غير مباشرة. واسترسل في حديثه لــ(المجهر) قائلاً: (الخبر في فحواه تحذير عادي، ولم يحمل أي اتهام لنا، ولو على سبيل “غير مباشر”، حيث لم يذكر أي تفاصيل ذات قيمة عن الطائرة التي اخترقت المجال الجوي، وهل هي قادمة من الشمال أم لا. لذا مجرد التكهنات بمثل هذا الموضوع غير منطقي).
وينفي “كرار” أن تكون العلاقة ما بين الجنوب والشمال في الوقت الحالي متوترة، ويقول إن العلاقة الآن عادية جداً، وليس هنالك مؤشرات تقول إنها ليست كذلك حتى لا ينسج البعض قصصاً من الوهم والخيال.
{ بشريات المستقبل
استناداً إلى الواقع يرى المحلل السياسي د. “صلاح الدومة” خلاف ما أفاد به العميد (م) “صلاح كرار” أن العلاقة ما بين الجنوب والشمال، ليست في أفضل أحوالها لكن ثمة مؤشرات بانفراجها إلى أفضل الأحوال في المستقبل. ويصف “الدومة”، في تعليقه لــ(المجهر) تحذير دولة الجنوب بأنه بلا معنى، خاصة وأنها باتت دولة ضعيفة بفعل الحروب التي أنهكتها، حتى لو لم تسمِ الدولة المقصودة فإن تهديدها ضعيف وبلا معنى.
{ مشروع القرار
في وقت يجزم فيه الناشط السياسي الجنوبي، والأمين العام لهيئة دعم السلام بجنوب السودان، “استيفن لوال” لــ(المجهر) بأنه ليس هنالك استهداف لمجموعات أو دول من مشروع القرار الصادر مؤخراً، بقدر ما هو قرار وقائي. وزاد في حديثه بأن القرار صدر بناء على تخوفات من حكومة الجنوب وفق استراتيجيات أمنية مستقبلية.
{ سعي الحكومة
ونفى “استيفن” أن تكون حكومة الخرطوم هي المقصودة من التحذير، وقال: (السودان ليس جزءاً أو طرفاً في الاتهام، وهي الدولة الوحيدة التي حرصت على سلامة الجنوب من خلال مساهمتها بعضويتها بإيقاد بالوصول إلى اتفاق سلام بين “سلفا” و”مشار”)، وأضاف: (ومن خلال معرفتي، فإن الحكومة السودانية هي الوحيدة التي ظلت تعمل على ترقية الروابط الطيبة بين الدولتين وتقويتها، و”البشير” هو الرئيس الوحيد الذي بادر بمجرد اندلاع الحرب بالجنوب بالسؤال عن ما يجري. وعد “استيفن” القرار مجرد إجراء وقائي خرج في ظل قرار مرتقب، حسب معلوماته، عن إجازة قانون من مجلس الأمن الدولي، بمحاسبة القتلة في حرب الجنوب من الطرفين، “سلفا” و”مشار”، وتتبناه دول عظمى، وسيرى النور قريباً، وهو ما مهد لخروج مثل هذا القرار كنوع من التخوف من أي تدخل خارجي من جانب حكومة جوبا.
{ أزمة التوتر قائمة
وعلى خلاف الآراء السابقة يرى القيادي بالمؤتمر الوطني د. “قطبي المهدي” أن التوتر ما بين الجنوب والشمال ما يزال موجوداً، ويضيف في حديثه لــ(المجهر) إن العلاقة ما زالت في حالة من التوتر ولم تنفذ أية اتفاقيات أبرمت بينهما. وزاد: (السودان لم يستثمر الدور الإيجابي الكبير الذي لعبه، وهو يشارك في حل مشاكل الدولة الوليدة الأخيرة).
ويرى “قطبي” أن التحذيرات والاتهامات التي خرجت بها حكومة جوبا من الصعب التكهن بها خاصة، وهي لم تتهم السودان مباشرة، وأضاف: (كان من المفترض أن توضح حكومة الجنوب من تقصد بمثل هذه الاتهامات).
{ اتهام معمم
(هم أصلا قادرين ياكلو عشان يضربو..؟).. بهذه الجملة الساخرة ابتدر الخبير الأمني العميد أمن (م) “حسن بيومي” حديثه لــ(المجهر)، وقال إن من حق السيادة لدولة الجنوب أن تضرب أي طائرة اخترقت مجالها الجوي، دون إذن، لكنه عاد وقال: (ما دام عندهم إمكانيات ليه يضربوا أصلاً ما ينزلوا الطيارة المخترقة بس، ويشوفوا الحاصل عليها شنو؟!). واستغرب “بيومي” الاتهامات المعممة لدولة الجنوب، وقال إنه من حقها أن تتهم دولة بصورة مباشرة، كما فعلت روسيا مع تركيا، مشيراً ‘إلى أن قرارها حق مكفول لدولة ذات سيادة.
قرار دولة الجنوب بضرب من يخترق مجالها الجوي يشكل لغزاً محيراً، وإن لم تصوب الاتهام للخرطوم لكنها أظهرت بصورة مباشرة تخوفها جراء ما يجري، وما قد يحدث. ويبدو أن السيناريو الأقرب هو ما تضمنته رواية الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي، “فيليب أغوير” الذي قال في تصريحات صحفية بجوبا إن هنالك تقارير عسكرية تفيد بوجود طائرات محملة بالسلاح، تهبط سراً في مناطق متفرقة من ولاية غرب الاستوائية، جنوبي غربي البلاد، وهي طائرات مجهولة.
وحسب مراقبين سياسيين فإن القرار الصادر من وزارة دفاع الجنوب يعكس تخوف “سلفا كير” من دعم يتلقاه “رياك مشار” بالإسلحة من أية دولة دون تسميتها، وهو لا يستثني السودان، صراحة أو ضمناً، ويعكس ذلك شعور “سلفا كير” بالخطر خاصة في ظل توقيعه على اتفاقية السلام بغير إرادته الكاملة، وإبدائه على الملأ عقب التوقيع تحفظات على مسودات الاتفاقية.