(المجهر) في زيارة خاصة للممثل "منير عبد الوهاب":
بعد أن فقد نعمة البصر
إضاءة التلفزيون وقراءة النصوص بالإذاعة كانت سبباً في حجب الرؤية عندي
أكثر شيء يحزنني أن الناس انفضت من حولي
الخرطوم – سعدية إلياس
مَنْ لهذا المبدع القدير الذي أثرى الساحة الإبداعية بعدد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والإذاعية، حيث قدم (6) أفلام و(38) مسرحية، بالإضافة إلى أنه عبر كل الطرقات في جميع أنحاء السودان عن طريق المسرح، وهب حياته للفن والإبداع بالرغم من أنه أتيح له عدد من الفرص الجيدة للعمل خارج الوسط الفني، ولكنه اختار الفن.. وبعد تعرضه لفقدان نعمة البصر انفض الناس من حوله ولم تبق له سوى الذكريات التي تضئ له عتمة الحياة حينما خذلوه بنو جلدته.
أكثر ما يميزه هو صوته الإذاعي (الجهور) الذي ينساب بأريحية داخل البيوت السودانية، حينما قدم برنامج (كيف قيلتو) بالإذاعة السودانية و(الصباح رباح)، واستطاع من راتبه الشهري أن يقدم (8) من الأعمال الفنية وهي (أوبريت الطفل)، (القروية)، (أم حمد)، (فاعل خير)، (حمام السلام)، (الفزعة).. الخ، كل هذه الأعمال الآن أنيسه الوحيد بعد أن فرقت الإعاقة البصرية بينه وموهبته، فهل تستطيع الدولة أن تعيد له بعضاً من الوفاء الذي قدمه؟
في زيارة دون سابق إنذار ذهبت (المجهر) إلى منزله بجزيرة (توتي)، ولم تجد غير الكرم والترحيب.
{ بداية نرحب بك ضيفاً على صفحات (المجهر)؟
_ وأنا أرحب بـ(المجهر) داخل بيتي وأرحب بقرائها المميزين.
{ طال غيابك عن الساحة الدرامية؟
_ غيابي سببه احتجاب الرؤية عندي.
{ ما الذي حدث وأفقدك بصرك وقبله كنت (تقدل) في المسارح؟
_ في بداية الأمر أُصيب بصري بموية سوداء تسببت إضاءة التلفزيون والتركيز في قراءة نصوص المسرح في تكوينها، وبدأت رحلة علاج أجريت (4) عمليات داخل السودان من أجل إعادة النظر لعين واحدة فلم يجدِ نفعاً، لذلك أجريت لها عملية أخرى بـ”القاهرة”.
{ والآن كيف الحال؟
_ الآن أبدو فاعد البصر بعد أن فقدت الأخرى.
{ وماذا فعلت الجهات الرسمية في أمر علاجك؟
_ ساهم ديوان الزكاة والقمسيون الطبي في إجراء العملية الأولى، ولكن الآن سلمت أمري لله وقلت إن هذا قدري.
{ هذا يعيد إلى ذهني مسلسل عدم الاهتمام بالمبدع السوداني؟
_ حقيقة المبدع السوداني لا يجد الاهتمام حتى عندما كان الإنتاج مشتركاً بين “السودان” و”مصر” كان التقييم المصري أعلى من السوداني، رغم أن المخرج المصري نفسه يشيد بالممثل السوداني، ولكن هذا لا ينف اهتمام الدولة في نفس الحقبة بقيام المهرجانات السنوية في كل المجالات الإبداعية وإقامة المعارض التشكيلية في الساحات والحدائق العامة.
{ حرمانك نعمة البصر بسبب الإبداع نفسه إلا أنه لم يعطك مثلما أعطيته؟
_ الحمد لله هذا امتحان من رب العالمين والمؤمن مصاب، الإبداع سكبت فيه كل حبي وحرمت نفسي من عدد من الفرص الجيدة، حيث كان من الممكن أن أصبح ملازماً بالشرطة عندما كان عمري (23) عاماً فرفضت، وجاءتني أيضاً فرصة العمل بالخارجية فرفضتها، وعمل آخر بأكبر شركة اتصالات سودانية بأفريقيا أيضاً رفضتها تعلقاً بالفن، وعرضت عليَّ المشاركة في (دبلجة) أعمال تركية للعربية، وأيضاً المشاركة في مهرجانات للأطفال بـ”ليبيا”، كلها رفضتها حتى أقدم المزيد للفن السوداني.
{ هل أنت نادم على كل ذلك؟
_ هو ليس ندماً بقدر ما هو حب للفن السوداني وتمسكي به، ولكن لو قبلت بواحدة من تلك العروض لتغير وضعي كلياً.
{ هل لازالت تأتيك بعض العروض خصوصاً أن هناك بعض الأدوار تنساب مع وضعك؟
_ بعد تعرضي لفقدان البصر أصبحت البروفات صعبة عليَّ لأنها تحتاج إلى القراءة خصوصاً الإذاعية، أما في التلفزيون والمسرح البروفات الأساسية تحتاج إلى الحركة، وصار المخرجون يتحاشون مشاركتي رغم خبرتي الطويلة.
{ ما هو آخر عمل شاركت فيه رغم تعرضك للإصابة؟
_ كان مسلسل (عثمان دقنة) وتمكنت من إيصال المعاني رغم حرماني من النظر، وأفادتني خبرتي في الدراما واللغة العربية.
{ وكيف تسير الأمور الآن بعد أن انفض الناس من حولك؟
_ الرازق هو الله والمسرح أعطى أشخاصاً لم يقدموا (2%) مما قدمته، والخير فيما اختاره الله لي وأموري ماشة بالمعاش في حدود تحركاتي.
{ وكيف تُقَيِم الساحة الدرامية بصفة المراقب؟
_ لازال هناك الكثير من الإبداع والكمال لله وحده، لأنه هو المبدع الوحيد، ومن يظن أنه وصل إلى القمة مجرد واهم.
{ هل أصابك (رائش) طلقات الوسط الإبداعي؟
_ أصابتني واحدة في مقتل رغم طول مدتها، حينما تم اختياري لدور مهم في مسلسل (دماء على البحر)، وأسعدني ذلك كثيراً وبعد قيامي ببروفات مكثفة أخذ مني الدور بقلب بارد.
{ ختاماً ماذا تود القول؟
_ أتمنى من الدولة أن تولي كل المرافق الإبداعية والفنية داخل وخارج السودان المشاركة في كل المهرجانات المحلية والعالمية، وتهتم بالإعلام الخارجي، وتفتح نوافذ للفن السوداني ليصل كل العالم.