للمجهر د. "يوسف بخيت" حاكم إقليم دارفور السابق والخبير في الأمم المتحدة
*أطراف الدوحة وقعت في خطأ إقحام الإستفتاء حول وضع دارفور في التفاوض
* هذه هي المسارات الـ(6) التي وضعها المجتمع الدولي للمشكلة السودانية
*نازحو دارفور يحتاجون 30 ألف طن غذاءات شهرياً
حوار – نزار سيد احمد
من اهم القضايا السودانية التي وجدت صدى واسعا خلال السنوات الماضية هي قضية دارفور ،التي منذ تفجرها في العام 2003م ، اخذت كل جهد الدولة في سبيل ايجاد الحل المناسب لها ، وقد تم في هذا الشأن توقيع العديد من الاتفاقيات بين الحكومة وحملة السلاح ، الا ان القضية لازالت تراوح مكانها ، ولمزيد من الشرح والتوضيح لاسباب الازمة واستعصاء الحلول ، وضعت
(المجهر) امام حاكم اقليم دارفور السابق، والخبير الاممي الدكتور يوسف بخيت ،العديد من الاستفهامات حول القضية ،والتي اجاب عنها في المساحة التالية :
{ في تقديرك إلى أي مدى يمكن أن يسهم الاستفتاء الذي أعلن، في حل القضية الدارفورية؟
أولاً: من الذي يريد الاستفتاء؟ ولماذا ؟ دارفور كانت دولة قائمة بذاتها، عاشت آلاف السنين، وبالتالي في تقديري ،أن الاستفتاء سيكون تحصيل حاصل. لأن الاسم أصلاً موجود.. يمكن تقسيم الإقليم لولايات مثلما هو موجود الآن.. أنا أخشى أن يؤدي هذا الاستفتاء إلى حكم ذاتي، وانفصال في المستقبل.
{ كيف سيحدث حكم ذاتي أو انفصال والاستفتاء مقصود به تحديد الوضع الإداري ، وليس البقاء في حضن السودان من عدمه ؟
– في تقديري أن الأخوة المفاوضين في “الدوحة”، قد وقعوا في خطأ كبير بإقحامهم الاستفتاء ضمن قضايا التفاوض، لكن يبدو أن هنالك من خدعهم وأقحم موضوع الاستفتاء في دارفور، وهم قبلوا دون التفكير في الأمر، وأصبحوا يتحدثون عن أنه استحقاق دستوري ،وإلى غير ذلك من الأشياء، وهنا لابد لي من التذكير أنه في عام 1994م عندما أريد تقسيم السودان لولايات، نحن في دارفور كلنا من أقصى الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، قلنا لا نريد تقسيماً، والتوصية جاءت بأننا لا نريد تقسيماً ،وتم الاجتماع في القصر، وكان وقتها نائب رئيس الجمهورية المرحوم “الزبير محمد صالح”، وكان الأخ “علي الحاج” موجوداً. قالوا لنا نحن مقتنعون بكلامكم ومقتنعون بالتوصية الجماعية، ولكن توجه الدولة يريد تقسيم السودان لولايات، وهذه كانت فكرة تمكين. وأكدوا لنا أنه لا يوجد حل غير تقسيم دارفور لولايات.. ونحن رفضنا ،وفي النهاية قلنا لهم يجب تقسيم دارفور لخمس ولايات.. لكنهم رفضوا، وقالوا نريد ثلاث ولايات فقط.. وبالتالي أعود وأقول حدث هنالك نوع من الغش في “الدوحة” بقبول الاستفتاء، وفي نهاية الأمر لا يعدو كونه تحصيل حاصل.
{ قلت إن الاستفتاء يمكن أن يقود إلى حكم ذاتي.. هل لك أن توضح لنا كيف يمكن حدوث ذلك؟
– منذ فترة طويلة كانت هناك مطالبات بحكم ذاتي، وجميع الحركات المسلحة التي نشأت بعد ذلك، كان المنفستو الأساسي لها هو الحكم الذاتي والانفصال، لكن في واقع الحال ،في الوقت الراهن عندما تسأل أهل دارفور لا يوجد شخص يقبل بالاستفتاء.
{ ماذا سيحدث لو أعيدت دارفور لإقليم واحد؟
– إذا أعيدت دارفور لإقليم وظلت باقي ولايات السودان في وضعها كولايات، أعتقد أن هذا لا يتماشى مع الدستور، الشيء الآخر ومهم جداً ، نحن لو ذهبنا في هذا الاتجاه الآن هنالك حوار، أنت لا تعرف نتائجه، وهناك اجتماع للحركات المسلحة وأنت لا تعرف نتيجته، لذلك لابد أن لا نستعجل الأمور، ونقيم الاستفتاء في الوقت الحالي، على أقل تقدير، وفي تقديري هناك خطأ كبير وقعت فيه الحكومة، وذلك باختزال قضية دارفور كلها في مكتب سلام دارفور بقيادة “أمين حسن عمر”.
{ كيف يمكن أن تؤثر الإشكالات التي أصابت كيان (الجبهة الثورية) على قضية دارفور؟
– هنا لو سمحت لي ، المجتمع الدولي وضع للمشكلة الكلية السودانية ستة مسارات.. المسار الأول والأهم هو مسار دارفور، بمعنى أن مسار دارفور معقد، واللاعبون فيه ليسوا قليلين: لديك حكومة ومليشيات وقبائل، فالإشكال هنا ضخم جداً ،فبالتالي مسار دارفور أهم مسار للمشاكل الكلية للسودان، لذلك حدث ضغط على الحكومة . لأن كل منطقة لها خصوصية، عندما قالوا إنهم يوحدون جهودهم في (الجبهة الثورية) كان بهدف إحداث نوع من الضغط على الحكومة. لأن كل منطقة لديها خصوصية، وحتى في “أديس أبابا: الاجتماعات المختلفة. ناس دارفور يناقشونقضيتهم وحدهم، لكن في الإطار الكلي أرادوا الضغط على الحكومة، لذلك أي انفصال ،حدث بينهم أو سوء فهم ،افتكر، أنه يجب أن لا يؤثر في حل المشاكل في المنطقتين، أنا لا أرى شيئاً مزعجاً . لكن هم اتفقوا أن الرئاسة كل سنتين تكون لشخص.. المسار الثاني هو مسار جنوب السودان في إطار المشاكل الكلية. المشكلة قائمة سواء أكانت أمنية أو حدودية أو تجارة.. المسار الثالث “أبيي”، وهي شوكة حوت للسودان وجنوب السودان.. شمال السودان يقف مع المسيرية ، وجنوب السودان يقف مع “الدينكا” . وهذه إشكالية كبيرة.. المسار الرابع ،وهو مهم جداً ،هو دول الجوار. مثلاً ليبيا، اريتريا ومصر.. الآن العلاقات بيننا وبينها ساخنة.. المسار الخامس توجه الدولة .وهي تتقلب من صديق لصديق. وكان أصدقاؤنا “إيران” وفجأة تقلبنا وجئنا لـ”السعودية” و”الصين”.. هذه التقلبات تؤثر في حل القضايا السودانية.. المسار السادس هو المشكلة مع المجتمع الدولي.. نحن اليوم نسمع منهم .ويوم يقبلونويوم لا يقبلون.. لدينا مشكلة مع مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي ومجلس السلم الأفريقي.. ومشكلة مع الجنائية . كل هذه مشاكل تحتاج لعلاج .أذا لم تعالج في إطار المشاكل الكلية فلا فائدة.
{ في تقديرك ما هو المخرج من كل هذه المسارات التي تشبه المتاهة؟
– أن يكون لدينا موقف موحد.. ويجب ألا نتعنت في حل المشاكل. ولابد من أن نتنازل .مثلاً، مشكلة المنطقتين.. نعم هنالك مشكلة السودان ،أكبر من جنوب كردفان. تنازل حتى يطمئن لك ويتنازل هو.. الحل للمسارات أن نتخذ سياسات مرنة وتنازلات.
{ كيف تقيم الوضع الإنساني في دارفور؟
– النازحون واللاجئون لديهم خمس قضايا أساسية، مشكلة الأمن، الإيواء، الماء، الصحة والرعاية الاجتماعية، كل هذه المشاكل من 2003 وحتى 2005م كانت تسير بمستوى لا بأس به . حوالي 60-70%، لكن بعد 2005 – 2010 بدأت الحساسية بين السودان والمنظمات وقامت الحكومة بطرد 15 من المنظمات، هذه خلقت جفوة بين المنظمات وحكومة السودان ، لدرجة أنه حتى لوالمنظمة جاءت للسودان، عندما تصل الخرطوم لا يتركوها تذهب إلى “الفاشر”، هذه أثرت على مشاكل النازحين.. النازحون يحتاجون إلى 30 ألف طن غذاءات، ومثلها من الأدوية ويحتاجون للصابون والزيوت، وهذه تقلصت، وأصبحت أقل من 8 آلاف طن.. كذلك المشكلة الأمنية ما زالت قائمة.. وهذه أخطر من الأكل والإيواء والماء ،والتدابير الموجودة.. والنازحون بعد كل ما يعانونه ،جاءت عليهم المشكلة الأمنية ،وتتحرش بهم الحركات المسلحة .
{ هنالك دعوات للعودة الطوعية للقرى والمناطق؟
– أنت إذا لم تحل الخمسة معطيات للنازحين وبالذات الأمنية ، لا يمكن أن تعيد النازحين إلى قراهم، وكلامنا للنازحين أن يفهموا أن قضيتهم إنسانية. القضية السياسية فردية . إذا أنا كنت في معسكر،فان القضايا الإنسانية الماء والأكل هذه قضايا جماعية، ولكن إذا كانت لدي مفاهيم سياسية فهذه فردية، ونحن ننصحهم بألا يخلطوا الاثنين مع بعض.
{ على حسب تجاربك في العمل بالمنظمات الطوعية.. ما هي المعالجات التي يمكن أن نستشفها لمعالجة الوضع في دارفور؟
– نجلس مع النازحين واللاجئين، ونقول لهم يا جماعة ،نسبة للأسباب كذا وكذا ،ماذا تريدون لتعودوا إلى قراكم؟ وهم سيخبرونك بما يريدون . مثلاً هناك نازحون موزمبيق في ملاوي، قلنا لهم هل تريدون العودة لقراكم؟ قالوا نعم، قلنا لهم ماذا تريدون؟ وقالوا نريد سلاحاً نؤمن به مناطقنا، وبعضهم يقول نريد مياهاً. الشيء الآخر أن تعطيهم حرية الحركة وهم يستطيعون تنظيم أنفسهم للعودة.. أنت تسهل لهم المسائل اللوجستية، وبعد ذلك هم لهم الاختيار في الطريقة التي يرونها للعودة. هناك حالتان للنزوح .إذا كان نزوحاً نتيجة لعوامل طبيعية: جفاف وتصحر وفيضانات، من الساهل جداً أن تجعلهم يعودون .لأنه لم يدفعهم أحد للفرار، ولكن إذا كان النزوح نتيجة للحرب ،سيكون ذلك من الصعوبة، بمكان إذا لم تعالج مشكلة الحرب.
{ حركات دارفور الآن انحسرت وما عاد لها وجود، وبالتالي بإمكان النازحين العودة إلى مناطقهم؟
– البعوض حتى لو لم يكن له تأثير، لكنه يسبب إزعاجاً . وفي العمل المسلح، لو كان لديك شخص واحد يحمل بندقية، فهو مزعج.. هنالك حوالي 12 حركة لم توقع ،ولديهم سلاح والذين وقعوا أيضاً لديهم سلاح، فإذا اتفقوا معناه سيكون هنالك إزعاج، أنا أتمنى لو أن السلطة الإقليمية، وهي المسؤولة عن السلام وهي أكثر جهة لديها صلاحيات ،ويمكن أن تعمل سلام ولكنها لم تفعل شيئاً .بل هنالك خلافات بينهم.. الإشكال أن المجتمع الدولي هو الذي يمول بالسلاح، ولذلك العملية ستستمر، فهنالك أشخاص من مصلحتهم أن تكون هنالك مشاكل.. فمن الصعب جداً معالجة مشكلة دارفور بغياب “مني” و”عبد الواحد” و”جبريل” و”مني” والـ12 الآخرين ،وأيضاً الذين وقعوا. وأنا قلت لهم اعملوا تجمع .والآن هم كلهم مقاطعون الحوار ما عدا قليل منهم.
{ بالنسبة للحوار . في تقديرك هل الحوار الذي يجري الآن يمكن أن يسهم في حل قضية دارفور؟
– بالشكل الذي نراه الآن لا يمكن.. أنا كما قلت لك الحوار هو أن يصل الناس في نهايته للتوصية .وهذه التوصية فيما بعد يتم دراستها وتطلع في شكل قرارات.. التوصيات هي نفسها لا تنفذ . هذا ما عهدناه طيلة السنوات الماضية.. ما يحدث الآن هو أن الحوار في جهة .ووضع الأجندة في جهة أخرى .والمؤتمر التحضيري في جهة ثالثة ، وما زالت هناك مفاوضات . بالتالي أنا لا أرى أن الحوار، وحده يحل مشكلة دارفور.
المطلوب أن يخرج الحوار بتوصيات ويدرسها الناس ، ويروا الجوانب العملية فيها وكيفية تطبيقها.. نتائج الحوار تضمنت في الاتفاقيات والمفاوضات حتى تجد التزاماً من كل الجهات.. أنا الآن عضو في لجنة العلاقات الخارجية ،إي توصيات تخرج أنا لست ملزماً بها، لكن عندما تذهب في المفاوضات ،ستجد بعد ذلك أنه التزام، وكل هذا الكلام في النهاية يذهب إلى المؤتمر الدستوري، يعني الثلاثة أشياء هذه، الحوار والتحضيري، والمفاوضات كلها تمشي في المؤتمر الدستوري ، حتى نحن كشعب سوداني.. وداخل السودان هنالك أحزاب لا تريد هذه الأمر. وهذه واحدة من المسارات التي يريد المجتمع الدولي إضافتها. أن هذه الأحزاب رافضة حزب (الأمة)، (الشيوعي) و(الاتحادي الأصل) ، هناك جزء لا يريد هذا الأمر، وفي المؤتمر الوطني نفسه هنالك رافضون وبالتالي إذا لم نضع كل هذه الأشياء في مكان واحد .وسرنا بها لا يمكن أن نحل قضايا السودان.. أعطيك مثالاً للروانديين. بعد كل ما حدث من تصفيات جلسوا وناقشوا المسألة وقالوا حتى نعالج هذا الموضوع لابد أن نسمي أنفسنا كروانديين ،ونتساوى مع بعض ،ونقول إننا روانديون .هذا يزيل الحرج من أي شخص.. وجلسوا مع بعضهم وكل شخص ارتكب جريمة يأتي أمام الناس. ويعترف بجريمته ويطلب العفو. وقد حدثت قصة عجيبة في “نيالا” هناك ضابطان يعملان ضمن قوات (اليوناميد) أحدهما ايطالي الجنسية والثاني رواندي، الايطالي قال للرواندي هل أن توتسي أم هوتو؟ فأخرج الرواندي سلاحه يريد قتله.. لأنهم تجاوزوا هذه الأمر.. وأصبحت المحافظة على كلمة أنا رواندي، مسألة جماعية.. مثل ما نحن الآن نتحدث عن الهوية .إذا لم نقل إن هذه الهوية يجب أن ندافع عنها لن يكون للكلمة معنى.. المطلوب التوافق في المسارات المختلفة، فيما يختص بالحوار والتحضير لأجندة التفاوض.. والمؤتمر الدستوري، هو الذي يحسم الأمر حتى لا نغالط بعد ذلك.