رأي

مجرد سؤال ؟؟؟

رقية أبوشوك
البكاء (يحرروا أهله) !!!!
عندما كنا نشاهد المسلسلات والأفلام العربية، كنا نندهش جداً لفكرة تأجير أحد المشاركين في المسلسل مثلاً ليقوم بقتل آخر مقابل مبلغ كبير، ويتم بعد ذلك تقديم وصف كامل لمنزل الشخص المراد التخلص منه ويتم دفع (عربون) من المبلغ على أن يتم تكملة بقية المبلغ بعد تنفيذ الأمر المتفق عليه، كنا نندهش من الفكرة رغم أنه تمثيل.
أيضاً يتم تأجير البعض لتنفيذ السرقة وكذا تأجير البعض من النساء لتسخين البكاء (رغم أن البكاء يحرروا أهله) كما يقول المثل.
نعم البكاء يحرروا أهله.. فالبكاء هو تعبير للدواخل وليس رياءً ونفاقاً، فعندما تجد شخصاً يبكي فاعرف أنه يبكي حقيقة، فالدموع لا تأتي بالمجاملة أو المال، ولكن للأسف الآن النواح وتعديد مآثر الميت قد يتم تدوينها في ورقة وإعطائها للنائحات مقابل مبلغ من المال وهكذا.
قد نسخر من هذا ولكن عندما نعايشه في مجتمعنا السوداني المعروف بالأصالة والنبل، فإن هذا يصبح أمراً محيراً ويفرض الكثير من التساؤلات.
بالأمس تناولت الصحف خبراً يقول : (رفعت سيدتان دعوى مدنية ضد رجل أعمال استأجرهما لبكاء صهره ورفض دفع أجرتهما مما دفعهما للتقدم بعريضة للنيابة مطالبتان بحقهما، وقالت الشاكيتان في بلاغهما إن المتهم استأجرهما لتسخين بكاء صهره والنواح لمدة ثلاثة أيام مقابل (5) آلاف جنيه، وعقب انتهاء الفترة المحددة رفض دفع المبلغ بحجة أن بكاءهما لم يعجبه.. وقد اتخذت النيابة إجراءاتها بالحادثة)!!
معقول يحدث هذا في مجتمعنا السوداني؟
وكما أشرت فإ البكاء ليس رياءً ونفاقاً.. فحتى وإن تم التمثيل فلماذا كل هذا؟.. فهل الميت هذا ليس لديه من يبكيه، فحتى وإن افترضنا أنه ليس لديه من يبكيه، فلماذا نؤجر من يبكيه؟
فالواقعة مدهشة ومضحكة في نفس الوقت.. فالشيء المضحك فيها (أن بكاءهما لم يعجبه).
وقد تكون السيدتان لم تتلقيا معلومات كافية عن الميت حتى تقوما بتعدد المآثر.. وتعدد المآثر هذا يدعو الآخرين للبكاء الحقيقي.
قبل فترة سمعت دراما تحكي أن والد أحد ذوي المال قد توفي وقد سألت واحدة جارتها اللاتي تجلس معهن في بيت العزاء وقالت لهن: (البيت دا بيت منو في أولاد الميت).. فالمنزل كان قصراً.. قالت لها : (دا بيت فلان).. ردت لها : (ورينى ليهو لما يجي داخل)، وبالفعل أخبرتها به عندما دخل الصيوان المعد للوجبات، وحينها نوحت المرأة بأعلى صوتها ومجدت صاحب البيت القصر والفيلا وقالت : (الليلة يا أبو فلان بالاسم) … ضحكت جداً وأنا استمع لهذا المنوال ولكني لم أتخيله أن يكون حقيقة.
وهنالك دراما تحكي أيضاً عن حنة والد ووالدة الزوج وأهله لزوجة الولد.. فهذا النوع من الحنة يختلف عن النقوش الثانية الخاصة بالأفراح (يعني حنة الميت).. سبحان الله. 
الآن أصبحنا نعيشها واقعاً وليس دراما نشاهدها أو نسمعها،
فالسؤال الذي يفرض نفسه ما الذي أصابنا؟.. أهي الضغوط الاقتصادية التي تجعلنا نتنازل عن قيمنا ومبادئنا وأشيائنا الجميلة جداً؟.. فحتى وإن ضاقت بنا الأرض بما رحبت، فهل نصل لهذا النوع من الكسب السريع أن نبكي وننوح مثلاً ولمدة ثلاثة أيام متتالية مقابل مبلغ من المال.
نعم قد تتسبب الضغوط الاقتصادية في إفراز مثل هذه الأشياء ولكن في المقابل أين أشياؤنا الجميلة التي نحسب أنها اندثرت..
فظاهرة (المكواة أم ديك ثم أبو القنفذ) هي أيضاً جاءت مقابل شائعة ثم انتشرت بسرعة جنونية.. فقط من أجل الكسب السريع ولكنها كانت مجرد شائعات لا تمت للحقيقة.
ولكن يبدو أن المحير والمدهش جداً ظاهرة التأجير للبكاء.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية