أسرار وخفايا فشل جولة المفاوضات (1-2)
شريان الحياة الجديد والحوار الوطني عقبات نسفت دعوة “أمبيكي”
لماذا تخلى “ياسر عرمان” عن نبرته العدوانية وكيف كان
(4) أيام في إثيوبيا
يوسف عبد المنان
أداء “إبراهيم محمود”؟؟
{ ما الذي يجري في مفاوضات “أديس أبابا” ذات المسارين؟؟ وما هي العقبات التي تحول دون الوصول لأدنى اتفاق ممكن ممثلاً في وقف العدائيات بعد (10) جولات من التفاوض وخلال مدة زمنية تصل لـ(5) سنوات حتى الآن، أي منذ إلغاء اتفاق “نافع”، “عقار” من جهة المؤتمر الوطني؟؟ وما هي القضايا التي تقف كعقبة كؤود تحول دون الوصول لسلام في المنطقتين ودارفور؟؟ وما هي مواقف الأطراف الأربعة الحكومة ومتمردي جبال النوبة والنيل الأزرق ومتمردي دارفور بشقيهم، حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، والآلية الأفريقية رفيعة المستوى؟؟ وهل انتقلت مفاوضات “الدوحة” إلى “أديس أبابا” وتم جمع المسارين؟؟ ولماذا لم تدخل الحركات المسلحة لقطاعات التفاوض كجبهة ثورية موحدة، أم أن الجبهة الثورية قد تصدعت فعلياً؟؟ وما هو البديل؟؟ وكيف أدى “إبراهيم محمود حامد” ،كرئيس لوفد التفاوض، لأول مرة؟؟ ولماذا بدت نبرة “ياسر عرمان” مختلفة في هذه المفاوضات؟؟ وهل سيعود المهندس “إبراهيم محمود حامد” للتفاوض مرة أخرى؟؟ أم الجولة قد فشلت لذلك طوى أوراقه وعاد؟؟ وهل يشهد الصيف القادم عمليات عسكرية ومواجهات تغيير موازين القوى على الأرض ، وينسحب ذلك على مسار التفاوض؟؟ هي حزمة أسئلة قد نفلح في الإجابة على بعض منها، وقد نخفق ولكن تبقى قضايا التفاوض ومسارات مثل هذه القضايا شديدة التعقيد ينظر إليها القارئ من زوايا متعددة.. أين تقف ومن تشجع، يحدد بقدر رؤيتك وقراءتك، ولكن من يمكث في ردهات فنادق “أديس أبابا” الباردة حتى ساعات الفجر كل يوم ويراقب ما يجري في الغرف المفتوحة والمغلقة.. ويبدد الوقت بشرب الشاي والقهوة، وكذلك شرب البيرة والفودكا والجن الأحمر، يمكن أن يجيب على كثير من الأسئلة الصعبة عن مستقبل التفاوض في المسارين.
أربعة أيام كانت (المجهر) في “أديس أبابا”.. حضرت كثيراً من اللقاءات وتابعت مسار التفاوض عن قرب.. وهذه حصيلة بعض المشاهد والأحداث في العاصمة الأفريقية الغارقة في الموسيقى والطرق والابتسامات والنهضة العمرانية والنمو الاقتصادي بعد أن قالت وداعاً للسلاح منذ أكثر من عشر سنوات!!
{ وقف العدائيات أم وقف إطلاق النار
منذ أن وطأت أقدامنا أراضي إثيوبيا كانت هناك رؤى متباينة بين وفد الحكومة من جهة ووفدي الحركات المسلحة من جهة أخرى، الحكومة كانت تسعى للوصول لاتفاق بوقف إطلاق النار، تتبعه خطوات عملية نحو تحقيق السلام ،بجمع أسلحة المتمردين وإدماج بعضهم وفقاً لبروتوكول المنطقتين ، الموقع في نيفاشا بتاريخ 5 يناير، أي قبل عشر سنوات من الآن.. على أن ينضم المتمردون مباشرة للحوار الوطني الجاري في الخرطوم ليحصلوا على نصيبهم من السلطة مثل غيرهم، في إطار السودان مع الالتزام بإشراك الحركة الشعبية في حكم المنطقتين، بنسب أقل من الواردة في اتفاق 2005م.
في مقابل ذلك ترفض الحركة الشعبية الدخول في عملية وقف إطلاق نار شامل.. وتدعو لتهدئة من خلال عملية وقف عدائيات ،لأغراض إنسانية فقط.. بأن يتم اتفاق جديد بفتح مسارات إغاثة لمناطق الحركة من دول الجوار فقط.. ثم تراجعت فيما بعد ، وقبلت بمسار من داخل السودان على أن يتفق الطرفان خلال فترة وقف العدائيات على عملية سياسية متزامنة، بعقد لقاء تحضيري في “أديس أبابا”، تشارك فيه فقط القوى المقاطعة للحوار الوطني ، ولجنة (7+7) الأولى ، ليقرر اللقاء التحضيري في الترتيبات الدستورية المطلوبة لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وبعد ذلك يتم توقيع اتفاق بوقف إطلاق النار يتيح للحركة العودة داخلياً وممارسة نشاطها السياسي.
ولكن الوساطة الأفريقية تقدمت بورقة حسمت فيها الجدل بأن حددت أجندة التفاوض في (وقف العدائيات) فقط ولأغراض إنسانية، وأذعنت الحكومة للأجندة التي تقدمت بها الوساطة لحسابات خاصة بعلاقاتها مع الأفارقة وربما لحرصها على مد جسور التواصل مع الآلية الأفريقية، وتنازلت الحكومة مرة أخرى، بالتراجع عن موقفها السابق الرافض من حيث المبدأ أن تتدخل الآلية الأفريقية في قضية دارفور، والقفز فوق “الدوحة” بأطروحة العملية السياسية الواحدة بمسارين مختلفين.. وقررت الحكومة المشاركة بوفد منفصل عن المنطقتين، خاص بقضية دارفور.. وحينما انعقدت الجلسة الأولى للمفاوضات خرج وفد الحكومة لمسار دارفور من القاعة الصغيرة التي خصصتها الوساطة لمفاوضات السلام بفندق ماريوت وسط “أديس أبابا”.. وأسباب مقاطعة الوفد الحكومي برئاسة “أمين حسن عمر” وعضوية د.”محمد مختار” واللواء “دخري الزمان عمر” مساعد المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، بسبب رفضهم (إدماج) المسارين في مسار واحد.. وأثمرت مواقف الوفد الحكومي المتشدد من جمع المسارين ، أن تراجعت الوساطة عن موقفها الأول وقررت أن (تفرز) الكيمان وتلتزم برعاية مفاوضات المنطقتين لوحدها ، ومفاوضات دارفور في منبر منفصل، ثم اتخذ د.”أمين حسن عمر” موقفاً آخر يرفض مناقشة أي موضوعات غير بند وقف العدائيات، على أن تذهب الوفود إلى الدوحة ومناقشة أي قضايا ، دون إلغاء الوثيقة التي يمكن تعديلها، ولكنها غير قابلة للإلغاء.. وأرجأت الوساطة الحوار حول دارفور حتى يوم(الأحد) الماضي، بينما نشطت في قضية المنطقتين.
{ عقد المفاوضات
قبل الدخول في تفاصيل الأسباب التي أدت لانهيار المفاوضات، وفشلها وعودة الوفود من حيث جاءت، نلقي نظرة على تكوين وفود المفاوضات، ونبدأ بالوفد الحكومي الذي يتكون من فريقين ،الأول للمنطقتين والثاني لدارفور. ويعتبر وفد المنطقتين هو الأكبر حجماً مقارنة بوفد دارفور، حيت يتكون وفد المنطقتين من المهندس “إبراهيم محمود حامد” مساعد رئيس الجمهورية ونائبه د.”حسين حمدي” ووفد عسكري برئاسة الفريق الركن “عماد عدوي”، عضوية اللواء “عادل قيلي” من جهاز الأمن والمخابرات، واللواء “عادل حسن” والعقيد “ناصر” ركن استخبارات الفرقة (14) كادقلي ونائب مدير إدارة الاستخبارات العسكرية اللواء “مصطفى أحمد المصطفى”. أما الوفد السياسي للمنطقتين من الشعبيين والأحزاب ،فقد ضم العميد (م) “محمد مركزو كوكو” والعقيد (م) “الشفيع الفكي علي المأمون” ممثلين للمؤتمر الوطني، العميد أمن “عوضية الباشا” وزير الشؤون الاجتماعية بالولاية، ومن الأحزاب الفريق “دانيال كودي” رئيس الحركة الشعبية جناح السلام و”باكوتالي” رئيس الحزب القومي السوداني ، و”بشارة جمعة أرور” عن حزب العدالة، بينما وفد النيل الأزرق يتكون من الأمير “عبد الرحمن أبو مدين” والعميد “استيفن ديو” معتمد الكرمك، والوزيرة السابقة وعضو البرلمان “خالدة أبو العلا”.. وبنظرة لتشكيل الوفد من المنطقتين، يطغى مهنياً العنصر العسكري على المدني والسياسي، الشيء الذي ينسجم مع انشغالات الوفد وأولوية القضايا التي يسعى لبحثها. ويتكون وفد دارفور من ثلاثة مفاوضين يغلب على تكوينهم البعد السياسي، وهم د.”أمين حسن عمر” ود.”محمد مختار” واللواء “دخري الزمان” مساعد المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، أما وفد الحركة الشعبية المفاوض فهو يغلب على تكوينه السياسيون، “ياسر عرمان” رئيس الوفد ود.”أحمد عبد الرحمن سعيد” و”مبارك عبد الرحمن أردول” ولأول مرة يغيب عن التفاوض الفريق “جقود مكوار” ، ويحل مكانه رئيس أركان الجيش الشعبي الجديد الفريق “عزت كوكو”، وحينما سألت (المجهر) “مبارك عبد الرحمن أردول” عن غياب “جقود” ، قال إنه مكلف من قبل “عبد العزيز” لمهمة صد الهجوم الصيفي المرتقب على المتمردين في جبال النوبة، وهناك وفد لا يشارك في التفاوض يجلس في ردهات الفندق مثله ووفد المنطقتين، ويتكون هذا الوفد من “سقدي شميلة”، و”سقدي” هي تحريف لاسم “سيد” ، بعد أن ارتد على عقبيه وكان “سيد شميلة” من الإسلاميين.. ومعه العميد “آدم كرشوم” نائب رئيس الحركة الشعبية ، من أبناء المسيرية و”عمار أموم” النائب البرلماني الذي غادر وترك مقعده في المجلس الوطني بعد أحداث الكتمة الشهيرة. ومن النيل الأزرق جاء “متوكل” مدير مكتب الفريق “مالك عقار”، أما وفد حركة العدل والمساواة فيتكون فقط من اثنين، “أحمد نقد لسان” و”سيد شريف جار النبي” الناطق باسم الحركة، ويتكون وفد حركة تحرير السودان من “أركو مناوي” و”علي تراوري” ، إضافة إلى “التوم هجو” الذي هجر الحركة الشعبية بعد قضية الرئاسة ، وأصبح بعيداً عن “ياسر عرمان” وقريباً من “مناوي”.
هذه هي الوفود الرسمية. أما المشجعون للحركة الشعبية والعشاق من الرفاق، فتلك قصة أخرى.. ولكن تمثل قضية المساعدات الإنسانية القشة التي قصمت ظهر بعير المفاوضات.. وذلك بعد أن طلبت الآلية الأفريقية في اليوم الأول للمفاوضات ، أن يتقدم كل طرف برؤيته حول وقف العدائيات، واقترحت الحركة فتح السودان لحدوده مع إثيوبيا وجنوب السودان لنقل المعونات الغذائية، للمناطق التي يسيطر عليها التمرد في النيل الأزرق وجنوب كردفان، ومن جهتها رفضت الحكومة إعادة (شريان الحياة) والذي يمثل نموذجاً لتقاطعات السياسة في العون الإنساني، حيث انطلقت عملية شريان الحياة في مطلع أبريل 1989م وحتى انفصال الجنوب، وقد وقعت العملية الأساسية في 3 مارس 1989م ما بين حكومة السودان واليونسيف وبرنامج الغذاء العالمي. ويقول العسكريون إن تلك الاتفاقية جعلت التمرد يحصل على السلاح والذخائر والإمداد اللوجستي من دول الجوار، ولا تملك الحكومة إيقاف العملية أو تفتيش شحنات الطائرات، ونال التمرد وطره من النقل الجوي عبر تلك العملية. لذلك ترفض النخبة العسكرية التي تقود التفاوض إعادة إنتاج شريان حياة جديد.. وتمسكت الحكومة بنقل كل الأغذية والمعونات من داخل السودان على أن تشرف عليها الأمم المتحدة .. وقدم “ياسر عرمان” حجة بأن المتضررين في مناطق التمرد (سيرفضون) أي (افتراض) أي غذاء يأتي إليهم من جهة الحكومة لأنهم يتعرضون للقصف اليومي. وقال “عرمان” من يقدم لك وجبة من البراميل المتفجرة يومياً ، لا يمكن أن يقدم لك الغذاء الصحي.. ولكن هذا الموقف تبدل حينما أذعنت الحركة لمقترحات الآلية بأن يتم إغاثة المناطق المتاخمة لمناطق سيطرة الحكومة من الأبيض .. على أن تستمر بقية المنافذ من دولتي جنوب السودان وإثيوبيا، ولكن الحكومة رفضت ذلك ، وقالت على لسان الفريق “عماد عدوي” الذي تحدث لـ(المجهر) لن نقبل بدخول إغاثة المناطق المتاخمة لمناطق سيطرة الحكومة من الأبيض.. على أن تستمر بقية المنافذ من دولتي جنوب السودان وإثيوبيا، ولكن الحكومة رفضت ذلك، وقالت على لسان الفريق “عماد عدوي” الذي تحدث لـ(المجهر) لن نقبل بدخول إغاثة من دول الجوار لأن ذلك يعني رفع الحرج عن بعض هذه الدول لتقدم الأسلحة علناً للحركة الشعبية دون مواربة أو خجل.. وأن التمرد وضع القضايا الإنسانية كأولوية لأن حاجته الحقيقية اليوم للسلاح والذخائر.. ولو كانت الحركة حريصة على السلام لذهبت مباشرة لإعلان وقف إطلاق النار، الذي تطالب به الحكومة وتسعى إليه بشتى السبل.. القضية الخلافية الثانية التي ذهبت بالتفاوض إلى الطريق المسدود هي قضية الحوار الوطني، حيث تسعى الحركة للمشاركة في حوار وطني آخر، ينهض بشروطها هي ، وقبل ذلك ان تضع هي و أحزاب المعارضة المقاطعة لحوار الخرطوم الحالي ، أجندته وتقرر من يرأسه ،وليس الحوار الحالي .. وعلى صعيد قضية دارفور فإن الموقف أكثر تعقيداً برفض حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة الدوحة مساراً ومكاناً لعقد المفاوضات، وتسعيان للحصول على مقعد في قطار الآلية الأفريقية .. وحينما طرحت الوساطة مسألة وقف إطلاق النار، سأل د.”أمين حسن عمر” الحركتين أين مواقع قواتكم في دارفور ،حتى نتفق على وقف للعدائيات معكم ، ونسجل ذلك عند المراقبين ، رفضوا الكشف عن مواقع قواهما، لأنهما ببساطة لا وجود لهما في الأرض .. ويقول “أركو مناوي” لن نكشف مواضع قواتنا حتى لا تتعرض للقصف الحكومي، وأنهم يملكون السيطرة على بعض المناطق، حسب ادعائهم.
أين الجبهة الثورية
هل عصفت الخلافات بتحالف الحركة الشعبية وحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة وتبعثر التحالف بعد أن رفضت الحركة الشعبية انتقال الرئاسة من “مالك عقار” إلى د. “جبريل إبراهيم”، مما اضطرت معه حركات دارفور تنصيب “جبريل” رئيساً وبقاء “عقار” أيضاً في الضفة الأخرى رئيساً. وخلال المفاوضات الأخيرة ، تبدت ملامح الانقسام جلية حتى أصبح “التوم هجو” الذي كان أقرب لعرمان من حبل وريده، يجلس في المقاهي الخلفية لفندق (ماريوت) ولا يقترب مطلقاً من “ياسر عرمان”. كما حدث في الجولات الماضية .. وقد فشلت اجتماعات “باريس” الأخيرة ، وجهود الإمام “الصادق المهدي” في رأب الصدع الذي حدث في صفوف الجبهة الثورية، وحينما جلسنا مع الأستاذ “عادل الباز” والأستاذ “محمد حامد جمعة” والصحافية “مزدلفة محمد عثمان”، نحاور “ياسر عرمان” عن واقع الجبهة الثورية، لم يشأ “عرمان” صب مزيد من الزيت على النار.. ولكنه قال ملاحظة في غاية الذكاء إن حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، حينما تحدثنا في الجلسة الأولى، لم يذكرا في خطابات “مني أركو مناوي” و”أحمد تقد لسان” المنطقتين، ولا مرة واحدة، والحديث لياسر عرمان، بينما أنا ذكرت دارفور في خطابي بالجلسة الافتتاحية ست مرات. ما ذكرت وقف إطلاق النار أو وقف العدائيات إلا وقلت لمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور..هل لاحظتم ذلك. لو أتيحت لنا فرصة سوف نحدثكم عن أسباب الخلافات بيننا وحركات دارفور. ولم تسنح لنا فرصة الحديث مع “عرمان” من بعد ذلك، رغم اللقاءات العديدة في ردهات الفندق ، ومقر التفاوض ..بينما سألت (المجهر) “مني أركو مناوي” عن أسباب التصدع في جدار الجبهة الثورية، فقال ” لقد اخترنا نحن في دارفور “جبريل” رئيساً لنا . أسألوهم عن الأسباب التي تجعلهم يرفضون الاعتراف بجبريل رئيساً .. وحينما جلست مع الإمام السيد الصادق في فندق هيلتون، مع الصديق “عادل الباز” ، قال الإمام السيد “الصادق”، إنه طرح صيغة لتحالف المعارضة أقرب لصيغة التجمع الوطني الديمقراطي السابقة، بإعادة هيكلة القيادة واستيعاب قيادات، مثل د. أمين مكي مدني، وتمثيل لحزب الأمة، و”الصادق” أشار تلميحاً وليس تصريحاً لفكرة ومشروع المجلس الرئاسي ،الذي قد يضم ابنته د. “مريم الصادق” ، ولكنه عملياً ينهي ما يسمى بالجبهة الثورية ويكتب السطر الأخير في قصة حياتها العامرة بالمشكلات.
“إبراهيم محمود” في مواجهة “ياسر عرمان”
تجربة المفاوضات المنتهية للفشل، هي أول تجربة لمساعد الرئيس “إبراهيم محمود حامد” ،في خوض التفاوض كرئيس لوفد السودان، رغم أن الرجل كان وزيراً للداخلية في النصف الثاني من عمر الفترة الانتقالية، وفي تلك الفترة برزت مواهب ابن الشرق . وشارك في كثير من جلسات التفاوض مع الحركة الشعبية ،سواء في المنطقتين أو من خلال لجنة إزالة العقبات عن اتفاقية المناطق الثلاث، حيث كانت “أبيي” جزء من تداخل الجنوب وتقاطعه، مع الشمال..وفي الجولة المنتهية للفشل أثبت “إبراهيم محمود” براعة في فن التكتيك السياسي وقدرات حقيقية في مواجهة المواقف الصعبة، لم يقدم تنازلات جوهرية للحركة . بل تمسك بموقفه وبرر ذلك التمسك بمنطق سياسي رفيع ،ولم يتحدث كثيراً لوسائط الإعلام ، فاحتفظ بهيبته كرجل دولة من طراز رفيع، وأحسن مدير مكتبه الشاب ابن عمر تنظيم لقاءات الرجل بالقوى السياسية التي جاءت لمقر المفاوضات، وقد خصص “محمود” بعض الوقت للحديث مع متمردي الجبهة الشعبية لشرق السودان ، بقيادة د. “زينب عيسى كباشي” ، ومعها “أحمد بيرق” المقيم في “القاهرة”.. وكان منفتحاً على الآخرين وحاضراً في المسرح التفاوضي بشخصيته الهادئة.. ومقابل المهندس “إبراهيم محمود” طرأت تغييرات كبيرة وملحوظة على شخصية “ياسر عرمان”، التي كانت تتصف بالعدوانية والشر ،حينما تعلن أي مفاوضات يمارس عرمان دوره في (استفزاز) خصومه بإثارة (الشطة والتوابل) في وجوه الوفد الحكومي، ولكن “عرمان” في هذه الجولة ظل صامتاً ،خارج غرف التفاوض لم يثر غضب الوفد الحكومي بتصريحات استفزازية، كما كان يفعل في الجولات السابقة، وقد فسر اللواء “مصطفى أحمد المصطفى” نائب مدير إدارة الاستخبارات ،وهو رجل دولة محترم جداً ،وضابط جدير بالاحترام لمهنته وذكائه، فسر الحالة التي عليها “عرمان” بأن الأوضاع السيئة لقوات الحركة على الأرض، وما هي مقبلة عليه قادم الأيام جعلت “عرمان” لا يعود إلى حالته العدوانية الشريرة.. وحتى بعد انفضاض جلسات التفاوض تحدث للصحافيين بلغة مقبولة خالية من التجريح والإساءة.. فهل تأثر “عرمان” بعامل السن أم أن قدرته على جمع اليسار ، والمعارضة في المنافي جعلته يبدو بمظهر الزعيم الكبير، بعيداً عن شخصية السياسي المشاغب!!
أما الشخصية الثالثة في المفاوضات د. “أمين حسن عمر” الذي يعلم تفاصيل دارفور، ويعرفه المفاوضون من الحركات المسلحة، فقد نجح في إخراج قضية دارفور من بين فكي الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، وإعادتها لدارفور مرة أخرى، للدوحة التي كادت أن تخطفها “أديس”.